الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: حُكمُ الحِمى


يَجوزُ للإمامِ أن يَحميَ مَوضِعًا مِن أرضِ المَواتِ بشُروطِه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [2227] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا سائِرُ أئِمَّةِ المُسلِمينَ فليس لهم أن يَحموا لأنفُسِهم شَيئًا، ولكِنَّ لهم أن يَحموا مَواضِعَ لتَرعى فيها خَيلُ المُجاهِدينَ، ونَعَمُ الجِزيةِ، وإبِلُ الصَّدَقةِ، وضَوالُّ النَّاسِ التي يَقومُ الإمامُ بحِفظِها، وماشيةُ الضَّعيفِ مِنَ النَّاسِ، على وَجهٍ لا يَستَضرُّ به مَن سِواه مِنَ النَّاسِ. وبهذا قال أبو حَنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ في صحيحِ قَولَيه). ((المغني)) (5/429). : الحَنَفيَّةِ [2228] ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/293). ويُنظر: ((اللباب في الجمع بين السنة والكتاب)) لعلي بن زكريا المنبجي (2/563،564)، ((عمدة القاري)) للعيني (12/213). ، والمالِكيَّةِ [2229] ((التاج والإكليل)) للمواق (7/613)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/4). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأصَحِّ- [2230] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 166). ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/299)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/93). ، والحَنابِلةِ [2231] ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/112)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/201). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ قال: أتى أعرابيٌّ عُمَرَ، فقال: (يا أميرَ المُؤمِنينَ، بلادُنا قاتَلْنا عليها في الجاهليَّةِ، وأسلَمْنا عليها في الإسلامِ، عَلامَ تَحميها؟ قال: فأطرَقَ عُمَرُ، وجَعَل يَنفُخُ ويَفتِلُ شارِبَه -وكان إذا كَربه أمرٌ فتَلَ شارِبَه ونَفخَ- فلمَّا رَأى الأعرابيُّ ما به جَعَل يُرَدِّدُ ذلك عليه، فقال عُمَرُ: المالُ مالُ اللهِ، والعِبادُ عِبادُ اللهِ، واللهِ لولا ما أحمِلُ عليه في سَبيلِ اللهِ ما حَمَيتُ مِنَ الأرضِ شِبرًا في شِبرٍ) [2232] أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في ((الأموال)) (742) واللفظ له، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (4012) مُختَصَرًا. .
2- عن أسلَمَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه استَعمَل مَولًى له -يُدعى: هُنَيًّا- على الحِمى، فقال: (يا هُنَيُّ، اضمُمْ جَناحَك عنِ المُسلِمينَ، واتَّقِ دَعوةَ المَظلومِ؛ فإنَّ دَعوةَ المَظلومِ مُستَجابةٌ، وأدخِلْ رَبَّ الصُّرَيمةِ ورَبَّ الغُنَيمةِ [2233] يَعني: أدخِلْ في المَرعى رَبَّ الصُّرَيمةِ -بضَمِّ الصَّادِ المُهمَلةِ، وفتحِ الرَّاءِ-: مُصَغَّرُ الصِّرمةِ، وهيَ القُطَيعةُ مِنَ الإبِلِ بقدرِ الثَّلاثينَ، والغُنَيمةُ مُصَغَّرُ الغَنَمِ، والمَعنى: صاحِبُ القُطَيعةِ القَليلةِ مِنَ الإبِلِ والغَنَمِ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (14/305). ، وإيَّايَ ونَعَمَ ابنِ عَوفٍ ونَعَمَ ابنِ عَفَّانَ؛ فإنَّهما إن تَهلِكْ ماشيَتُهما يَرجِعا إلى نَخلٍ وزَرعٍ، وإنَّ رَبَّ الصُّرَيمةِ ورَبَّ الغُنَيمةِ إن تَهلِكْ ماشيَتُهما يَأتِني ببَنيه، فيَقولُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ! أفتارِكُهم أنا لا أبا لك؟! فالماءُ والكَلأُ أيسَرُ عليَّ مِنَ الذَّهَبِ والوَرِقِ، وايمُ اللهِ إنَّهم ليَرَونَّ أنِّي قد ظَلمتُهم؛ إنَّها لبلادُهم فقاتَلوا عليها في الجاهليَّةِ، وأسلَموا عليها في الإسلامِ، والذي نَفسي بيَدِه لولا المالُ الذي أحمِلُ عليه في سَبيلِ اللهِ ما حَمَيتُ عليهم مِن بلادِهم شِبرًا) [2234] أخرجه البخاري (3059). .
ثانيًا: أنَّه اشتَهرَ ذلك بَينَ الصَّحابةِ، ولم يُنكَرْ عليهم؛ فكان إجماعًا [2235] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/429)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/201). .
ثالثًا: لأنَّ في ذلك مَصلَحةً، فجازَ للإمامِ فِعلُها كسائِرِ المَصالِحِ ما لم يُضَيِّقْ على النَّاسِ [2236] يُنظر: ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/112). .

انظر أيضا: