الموسوعة الفقهية

الفرعُ الثَّالِثُ: مَن يَتَحَمَّلُ الدِّيةَ في قَتلِ الخطَأِ؟


تجِبُ الدِّيةُ في قَتلِ الخَطَأِ على عاقِلةِ القاتِلِ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [74] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/ 101)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 333). ، والمالِكيَّةِ [75] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 346)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 136). ، والشَّافِعيَّةِ [76] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 285)، ((روضة الطالبين)) للنووي (9/ 256)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 95). ، والحنابِلةِ [77] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 269)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 6). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [78] قال التِّرمذيُّ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الدِّيَةَ تُؤخَذُ في ثلاثِ سِنينَ، ... ورأوا أنَّ دِيَةَ الخطَأِ على العاقِلةِ). ((سنن الترمذي)) (4/660).  وقال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ دِيَةَ الخَطَأِ تحمِلُه العاقِلةُ). ((الإجماع)) (ص: 170). وقال ابنُ حَزمٍ: (وقد صَحَّ النَّصُّ وإجماعُ أهلِ الحَقِّ على أنَّ العاقِلةَ تَغرَمُ الدِّيَةَ، ولم يأتِ نَصٌّ ولا إجماعٌ بأنَّ القاتِلَ يَغرَمُ معهم شيئًا، فلم يحِلَّ أن يَخرُجَ من مالِه شَيءٌ). ((المحلى بالآثار)) (11/ 275). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (سَنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمَّتِه وشَرَع لها من دينِه أنَّ دِيةَ المؤمِنِ المقتولِ خَطَأً تحمِلُها عاقِلةُ القاتِلِ، وهم رَهطُه وعَشيرتُه وقَبيلتُه؛ لئلَّا يكونَ دَمُه مَطلولًا، فَعَلَت ذلك الكافَّةُ التي لا يجوزُ عليها السَّهوُ ولا الغَلَطُ، وأجمع العُلَماءُ على ذلك في الدِّيَةِ الكامِلةِ؛ فارتَفَع التَّنازعُ، ووَجَب التَّسليمُ). ((الاستذكار)) (25/ 179). وقال الكاسانيُّ: (لا خِلافَ في أنَّ دِيَةَ الخَطَأِ تجِبُ مُؤجَّلةً على العاقِلةِ في ثلاثِ سِنينَ؛ لإجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلك). ((بدائع الصنائع)) (7/ 256). وخالف في ذلك أبو بَكرٍ الأصَمُّ، وابنُ عُلَيَّةَ، وعُثمانُ البَتِّيُّ في أحَدِ قَولَيه، وقالوا: تَجِبُ على القاتِلِ. يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (11/ 259)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (11/ 586).             .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((اقتَتَلتِ امرَأتانِ مِن هُذَيلٍ، فرَمَت إحداهما الأُخرى بحَجرٍ قَتَلَتها وما في بَطنِها، فاختَصَموا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقَضى أنَّ دِيَةَ جَنينِها غُرَّةٌ؛ عَبدٌ أو وَليدةٌ، وقَضى أنَّ دِيةَ المَرأةِ على عاقِلتِها)) [79] أخرجه البخاري (6910) واللفظ له، ومسلم (1681). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((وقضى بدِيَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها)) دليلٌ على أنَّ دِيةَ الخَطَأِ على العاقِلةِ [80] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 6). .
ثانيًا: لأنَّ جِناياتِ الخَطَأِ تَكثُرُ، ودِيةُ الآدَميِّ كَثيرةٌ، فإيجابُها على الجاني في مالِه يُجحِفُ به؛ فاقتَضَتِ الحِكمةُ إيجابَها على العاقِلةِ على سَبيلِ المواساةِ للقاتِلِ والإعانةِ له تخفيفًا عنه؛ إذ كان مَعذورًا في فِعلِه [81] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/378). .

انظر أيضا: