الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الثَّاني: تَثبُتُ الجِنايةُ بالقَسَامةِ


تَثبُتُ الجِنايةُ بالقَسَامةِ [843] وصِفتُها: أن يَدَّعيَ قَومٌ أنَّ مُوَرِّثَهم قَتَله فُلانٌ، ويَحلفوا على أنَّه هو القاتِلُ، ويُكَرِّروا الأيمانَ، فإذا فعَلوا ذلك وتَمَّت شُروطُ القَسامةِ أُعطيَ المُدَّعى عليه لهؤلاء يَقتُلونَه، فليسَ فيها بَيِّنةٌ، وإنَّما فيها هذه الأيمانُ فقط. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/231)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/193). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [844] ((العناية)) للبابرتي (10/373)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/626). ، والمالِكيَّةِ [845] ((التاج والإكليل)) للمواق (6/269)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/353). ، والشَّافِعيَّةِ [846] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 288)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/47). ، والحَنابلةِ [847] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/28)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/105). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/487). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [848] قال القاضي عِياضٌ: (حَديثُ القَسامةِ المَذكورُ أصلٌ مِن أُصولِ الشَّرعِ، وقاعِدةٌ مِن قَواعِدِ الأحكامِ، ورُكنٌ مِن أركانِ مَصالحِ العِبادِ، وبه أخذَ كافَّةُ الأئِمَّةِ والسَّلَفِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وعُلماءُ الأمَّةِ وفُقَهاءُ الأمصارِ مِنَ الحِجازيِّينَ والشَّاميِّينَ والكوفيِّينَ). ((إكمال المعلم)) (5/448). ونقله عنه النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (11/143). وقال قاضي صَفَدَ: (اتَّفقَ الأئِمَّةُ على أنَّ القَسامةَ مَشروعةٌ في القَتلِ إذا وُجِدَ ولم يُعلَمْ قاتِلُه). ((رحمة الأمة)) (ص: 247). وخالف في ذلك بَعضُ العُلماءِ، فلم يُثبتوا القَسامةَ، مِنهم: الحَكَمُ بنُ عُيَينةَ، ومسلِمُ بنُ خالدٍ، وأبو قِلابةَ، وسالمُ بنُ عَبدِ اللَّهِ، وسُليمانُ بنُ يَسارٍ، وقتادةُ، وابنُ عُلَيَّةَ، ورِوايةٌ عن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (5/448)، ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/143). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن سَهلِ بنِ أبي حَثمةَ -قال يَحيى: وحَسِبتُ قال- وعن رافِعِ بنِ خَديجٍ، أنَّهما قالا: خَرَجَ عَبدُ اللَّهِ بنُ سَهلِ بنِ زَيدٍ، ومُحَيِّصةُ بنُ مَسعودِ بنِ زَيدٍ، حتَّى إذا كانا بخَيبَرَ تَفرَّقا في بَعضِ ما هنالكَ، ثُمَّ إذا مُحَيِّصةُ يَجِدُ عَبدَ اللَّهِ بنَ سَهلٍ قَتيلًا فدَفنَه، ثُمَّ أقبَلُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو وحُوَيِّصةُ بنُ مَسعودٍ، وعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ سَهلٍ، وكان أصغَرَ القَومِ، فذَهَبَ عَبدُ الرَّحمَنِ ليَتَكَلَّمُ قَبلَ صاحِبَيه، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَبِّرِ الكُبْرَ في السِّنِّ، فصَمَتَ، فتَكَلَّمَ صاحِباه، وتَكَلَّمَ مَعَهما، فذَكَروا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَقتَلَ عَبدِ اللَّهِ بنِ سَهلٍ، فقال لهم: أتَحلِفونَ خَمسينَ يَمينًا فتَستَحِقُّونَ صاحِبَكُم أو قاتِلَكم؟ قالوا: وكَيف نَحلِفُ ولم نَشهَدْ؟ قال: فتُبرِئُكُم يَهودُ بخَمسينَ يَمينًا، قالوا: وكَيف نَقبَلُ أيمانَ قَومٍ كُفَّارٍ؟ فلمَّا رَأى ذلك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطى عَقْلَه [849] أخرجه البخاري (6142، 6143)، ومسلم (1669) واللَّفظُ له. .

انظر أيضا: