الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: الدِّيةُ مِنَ الذَّهَبِ


اختَلف العُلماءُ في الدِّيةِ مِنَ الذَّهَبِ، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: الدِّيةُ مِنَ الذَّهَبِ مِقدارُها ألفُ دينارٍ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [969] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/127)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (13/166). ، والمالِكيَّةِ [970] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1108)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/298). ، والحَنابلةِ [971] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/300)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/94). ، والقديمُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [972] بشَرطِ عَدَمِ وُجودِ الإبِلِ، أو وُجِدَت بأكثَرَ مِن ثَمَنِ المِثلِ. ((روضة الطالبين)) للنووي (9/261). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [973] قال ابنُ المُنذِرِ: (لم يَختَلفِ الذينَ ألزَموا أهلَ الذَّهَبِ الذَّهَبَ أنَّ الدِّيةَ مِنَ الذَّهَبِ ألفُ دينارٍ، واختَلفوا فيما على أهلِ الفِضَّةِ). ((الأوسط)) (13/146). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لم يَختَلفوا أنَّ الذَّهَبَ ألفُ دينارٍ، واختَلفوا في الوَرِقِ). ((التمهيد)) (17/345). وقال أيضًا: (لم تَختَلفِ الرِّواياتُ عن عُمَرَ في الذَّهَبِ أنَّ الدِّيةَ مِنه ألفُ دينارٍ، ولا اختَلف فيه العُلماءُ قديمًا ولا حَديثًا). ((الاستذكار)) (8/39). وقال ابنُ قُدامةَ: (لم يَختَلفِ القائِلونَ بهذه الأُصولِ في قَدرِها مِنَ الذَّهَبِ ولا مِن سائِرِها إلَّا الوَرِقَ). ((المغني)) (8/368). ؛ وذلك لأنَّه كانت قِيمةُ الإبِلِ مِنَ الذَّهَبِ والوَرِقِ في زَمَنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه [974] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/194). .
القَولُ الثَّاني: الدِّيةُ تَكونُ مِنَ الإبِلِ، فإن لم توجَدْ تَجِبُ قيمةُ الإبِلِ مِنَ الذَّهَبِ، سَواءٌ ارتَفعَت أوِ انخَفضَت، وهو الأظهَرُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [975] ((روضة الطالبين)) للنووي (9/261). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/227). ، واختارَه ابنُ حَزمٍ [976] قال ابنُ حَزمٍ: (ومِن طَريقِ عَبدِ الرَّزَّاقِ عن مَعمَرٍ عن عبدِ اللهِ بنِ طاوُسٍ عن أبيه، قال: في الدِّيةِ مِائةُ بَعيرٍ، أو قيمةُ ذلك مِن عُسرِه. قال أبو مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: يَعني مِن عُسرِه في وُجودِ الإبِلِ. ومِن طَريقِ عَبدِ الرَّزَّاقِ، أنا ابنُ جُرَيجٍ، أنا ابنُ طاوُسٍ عن أبيه، أنَّه كان يَقولُ: على النَّاسِ أجمَعينَ -أهلِ القَريةِ، وأهلِ الباديةِ- مِائةٌ مِنَ الإبِلِ، فمَن لم يَكُنْ عِندَه إبِلٌ فعلى أهلِ الوَرِقِ الوَرِقُ، وعلى أهلِ البَقَرِ البَقَرُ، وعلى أهلِ الغَنَمِ الغَنَمُ، وعلى أهلِ البَزِّ البزُّ، يُعطَونَ مِن أيِّ صِنفٍ كان، بقيمةِ الإبِلِ ما كانت؛ إنِ ارتَفعَت أوِ انخَفضَت قيمَتُها يَومَئِذٍ، فمَنِ اتَّقى بالإبِلِ مِنَ النَّاسِ فهو حَقُّ المَعقولِ له الإبِلُ). ((المحلى)) (10/284). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلفِ [977] قال ابنُ حَزمٍ: (وقد ذَكَرنا قَولَ عليٍّ، وزَيدٍ، وابنِ مَسعودٍ، وطاوسٍ، وعَطاءٍ، وقَولَهما: إنَّ الدَّنانيرَ والدَّراهمَ في ذلك إنَّما تَكونُ بقيمةِ الإبِلِ، زادَت أو نَقَصَت، وقَولَ الشَّافِعيِّ وغَيرِه في ذلك. وقد ذَكَرنا اختِلافَ قيمةِ الإبِلِ في قَولِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، وإبراهيمَ النَّخعيِّ؛ فبَطَل بذلك دَعواهمُ الكاذِبةُ على جَميعِ الأُمَّةِ في دَعواهم أنَّهم أجمَعوا. بَل الحَقُّ في هذا أن يُقالَ: لمَّا صَحَّ الإجماعُ المُتَيَقَّنُ والنَّصُّ الثَّابتُ أنَّ الدِّيةَ تَكونُ مِنَ الإبِلِ -واختَلفوا فيما عَدا ذلك- وجَبَ ألَّا تَكونَ الدِّيةُ إلَّا مِمَّا أجمَعوا عليه فقَط ... ثُمَّ نَقولُ لهم: إذ قد أقرَرتُم أنَّها بَدَلٌ بقيمةٍ فهيَ على قدرِ ارتِفاعِ القيمةِ وانخِفاضِها، ولا نَدري أيُّ شَيءٍ اتَّفقوا عليه في البَدَل والتَّقويمِ؟). ((المحلى)) (10/288). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الدَّنانيرَ تَكونُ بَدَلًا مِنَ الإبِلِ، وليسَت بَدَلًا مِنَ النَّفسِ، فتُقَوَّمُ بثَمَنِها زَمانًا ومَكانًا [978] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/227). .
ثانيًا: لأنَّ الإبِلَ إذا كانت هيَ المُستَحَقَّةَ وجَبَ أن يَكونَ العُدولُ عنها عِندَ إعوازِها إلى قيمَتِها اعتِبارًا بسائِرِ الحُقوقِ، وبالحُرِّيَّةِ المُقدَّرةِ بالذَّهَبِ، إذا عُدِل عنه رَجَعَ إلى قيمَتِه [979] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/228). .
ثالثًا: لأنَّها بَدَلُ مُتلَفٍ، فتَعَيَّنَت قيمَتُها عِندَ إعوازِها [980] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/456). .

انظر أيضا: