المطلب الثالثُ: من يتولَّى الغُسْل
الفرع الأول: أولى النَّاسِ بغُسْلِ المَيِّتالمسألة الأولى: إذا كان الميِّتُ رَجلًاأَوْلى النَّاسِ بغُسْلِ الميِّتِ وَصِيُّه الذي أوصى أن يُغَسِّلَه، ثم أبوه، ثمَّ جَدُّه، ثم ابنُه، ثم الأقرَبُ فالأقربُ مِن عَصَباتِه نَسَبًا، ثم ولاءً، ثم ذوو أرحامِه، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة
[7550] (( ((الإنصاف)) للمرداوي (2/331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/88). ، واختاره
ابنُ بازٍ [7551] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3 /297). ، و
ابنُ عثيمينَ [7552] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/265). قال ابن عثيمين في تعليقه على ((الكافي)): (فيه أيضًا تعليلٌ ثالثٌ مُهِمٌّ، وهو: أنَّ المَيِّت قد يكون فيه أشياءُ لا يُحِبُّ أن يطَّلِع عليها كلُّ أحدٍ ولا يُحِبُّ أن يطَّلِع عليها إلَّا شخصٌ يأتَمِنُه فيوصي أن يُغَسِّلَه فلانٌ. رابعًا: لأنَّ المَيِّتَ يُحِبُّ أن يُغَسِّلَه من كان أعبدَ لله وأطْوَعَ لله فيختارُ شخصًا مُعَيَّنًا، ففي هذا الحكم أثَرٌ ونظَرٌ؛ يعني آثار ونظر صحيحٌ في أنه يُقَدَّم في تغسيل المَيِّت من أوصى إليه الميِّتُ). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين)). ؛ وذلك لأنَّه حقٌّ للميِّتِ؛ فقُدِّمَ فيه وَصِيُّه على غيرِه كباقي حُقوقِه
[7553] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/88). ، ولأنَّ الميِّت قد يكون فيه أشياءُ لا يحبُّ أن يَطَّلِعَ عليها كلُّ أحدٍ، ولا يُحِبُّ أن يَطَّلِعَ عليها إلَّا شخصٌ يأتَمِنُه، فيُوصي أن يُغَسِّلَه فلانٌ.
ويُقَدَّم أبوه بعد ذلك؛ لِحُنُوِّه وشَفَقَتِه، ثم جَدُّه؛ لمشاركَتِه الأبَ في المعنى، ثم ابنُه وإن نَزَلَ؛ لِقُرْبِه
[7554] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/88). المسألة الثانية: إذا كان المَيِّتُ امرأةًاختلف أهلُ العِلْمِ في أَوْلى النَّاسِ بغُسلِ المَيِّت إن كان الميِّتُ امرأةً على قولينِ:
القول الأول: إن كان الميِّتُ امرأةً، فأَوْلى النَّاسِ بها النِّساءُ، ثم الزَّوجُ إن كانت متزوِّجةً، وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة
[7555] ((المجموع)) للنووي (5/135)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/335) ؛ لأنَّهنَّ أليَقُ
[7556] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/106). القول الثاني: أنَّ الأَوْلى الزَّوجُ ثم النِّساءُ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة
[7557] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/210). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/114). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة
[7558] ((المجموع)) للنووي (5/135)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/335). ؛ وذلك لأنَّه ينظرُ منها إلى ما لا يَنظُرُ غَيرُه
[7559] ((المهذب)) للشيرازي (1/238). الفرع الثاني: حُكمُ غُسلِ المرأةِ زَوْجَها أو العكسالمسألة الأولى: حُكمُ غُسلِ المرأةِ زَوْجَهايجوز للمرأةِ أن تُغَسِّلَ زَوْجَها إذا مات.
الدليلُ مِنَ الإجماعِ:نقل الإجماعَ
[7560] وحُكِيَ عن أحمدَ في روايةٍ عدَمُ الجوازِ، وفي ثبوتِ هذه الرِّوايةِ خلافٌ بين الحنابلةِ. ينظر: ((الإنصاف)) (2/335). على ذلك: ابنُ المُنْذِر
[7561] قال ابنُ المُنذِر: (أجمعوا على أنَّ المرأةَ تُغَسِّلُ زوجَها إذا مات). ((الإجماع)) (ص:44). وقال أيضًا: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ للمرأةِ أنْ تُغَسِّلَ زوجَها إذا مات، وقد رُوِّينَا عن أبي بكرٍ الصديقِ أنَّه أوصى أن تُغَسِّلَه أسماءُ. قال أبو بكر: وذلك بحضرةِ المهاجرينَ والأنصارِ لم يُنْكِرْ ذلك منهم مُنْكِرٌ، وإنَّ أبا موسى غَسَّلَتْه امرأَتُه). ((الأوسط)) (5/354)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/390). ، و
ابنُ عبدِ البَرِّ [7562] قال ابن عبد البَرِّ: (ولم يختلفِ الفقهاءُ في جوازِ غُسلِ المرأةِ لِزَوْجِها). ((الاستذكار)) (3/11). وقال أيضًا: (وأجمعَ العلماءُ على جواز غُسلِ المرأةِ زَوْجَها). ((التمهيد)) (1/380). ،
والنَّوويُّ [7563] قال النووي: (وأجمعوا أنَّ لها غُسْلَ زوجِها). ((شرح النووي على مسلم)) (7/5). وقال أيضًا: (ذَكَرَ المصنِّفُ أنَّ دليلَ غُسلِ الزوجةِ زَوْجَها قضيةُ أسماءَ، وذَكَرْنا أنَّه حديثٌ ضعيفٌ، فالصوابُ الاحتجاجُ بالإجماعِ؛ فقد نَقَلَ ابن المُنْذِر في كتابيه ((الإشراف)) وكتاب ((الإجماع)) أنَّ الأمَّةَ أجمعت أنَّ للمرأةِ غُسلَ زَوْجِها، وكذا نقَلَ الإجماعَ غيرُه «وأما» الروايةُ التي نقلها صاحِبُ الشامِلِ وغيرُه عن أحمد أنَّها ليس لها غُسلٌ؛ فإنْ ثَبَتَت عنه؛ فهو محجوجٌ بالإجماعِ قبله). ((المجموع)) (5/132). وقال أيضًا: (نقل ابنُ المُنذِر في كتابَيه الإجماعِ والإشراف، والعبدري وآخرون: إجماعَ المسلمينَ أنَّ للمرأةِ غُسْلَ زَوْجِها). ((المجموع)) (5/149). ، و
ابن قدامة [7564] قال ابنُ قُدامة: (ويجوزُ للمرأةِ غُسلُ زَوجِها بلا خلافٍ) ((الكافي)) (1/353). ، و
ابنُ رُشْدٍ [7565] قال ابن رشد: (وأجمعوا مِن هذا البابِ على جَوازِ غُسلِ المرأةِ زَوْجَها). ((بداية المجتهد)) (1/228). ، والشربينيُّ
[7566] قال الشربيني: (و«هي» تُغَسِّلُ «زوجَها» بالإجماعِ). ((مغني المحتاج)) (1/335). ، و
الشوكانيُّ [7567] قال الشوكاني: (فيه دليلٌ على أنَّ المرأة يُغَسِّلُها زوجُها إذا ماتت، وهي تغسِّله قياسًا،... وبِغُسلِ أسماءَ لأبي بكرٍ...، وعليٍّ لفاطِمَةَ؛ كما أخرجه الشافعي والدارقطني وأبو نُعيمٍ والبيهقي بإسناد حَسَنٍ، ولم يقَعْ من سائِرِ الصَّحابةِ إنكارٌ على عليٍّ وأسماءَ فكانَ إجماعًا). ((نيل الأوطار)) (4/35). ، وغيرُهم
[7568] قال النووي: (نقَلَ ابنُ المُنذِرِ في كتابَيه الإجماعِ والإشرافِ، والعبدري وآخرون: إجماعَ المُسلمين أنَّ للمرأةِ غُسلَ زَوجِها). ((المجموع)) (5/149). المسألة الثانية: حُكمُ غُسلِ الرَّجُلِ زوجَتَهيجوزُ للرَّجُلِ أن يُغَسِّلَ زوجَتَه، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة
[7569] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/7). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/114). ، والشَّافعيَّة
[7570] ((المجموع)) للنووي (5/149)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/335). ، والحَنابِلَة
[7571] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/336). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/390). ، وقولُ بعضِ السَّلَفِ
[7572] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/318). وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/149). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
[7573] قال الشوكاني: (فيه دليلٌ على أنَّ المرأةَ يُغَسِّلها زوجُها إذا ماتت، وهي تغَسِّلُه قياسًا، وبغسل أسماءَ لأبي بكرٍ...، وعليٍّ لفاطمةَ؛ كما أخرَجَه الشَّافعيُّ والدارقطني وأبو نُعيمٍ والبيهقيُّ بإسنادٍ حَسَنٍ، ولم يَقَعْ مِن سائِرِ الصَّحابة إنكارٌ على عليٍّ وأسماءَ؛ فكانَ إجماعًا). ((نيل الأوطار)) (4/35). وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه أحَدُ الزَّوجينِ، فأُبيحَ له غُسلُ صاحِبِه كالآخَرِ، والمعنى فيه أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الزَّوجينِ يَسهُلُ عليه اطِّلاعُ الآخَرِ على عَوْرتِه دونَ غَيرِه؛ لِمَا كان بينهما في الحياةِ، ويأتي بالغُسلِ على أكمَلِ ما يُمكِنُه؛ لِما بَينَهما من المودَّةِ والرَّحمةِ
[7574] ((المغني)) لابن قدامة (2/390). ثانيًا: لأنَّ آثارَ النِّكاحِ مِن عِدَّةِ الوفاةِ والإرْثِ باقيةٌ؛ فكذا الغُسْلُ
[7575] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2 /202). الفرع الثالثُ: تغسيلُ المرأةِ للطِّفْلِللمرأةِ أن تُغَسِّلَ الصبيَّ
[7576] على اختلافٍ بين أهلِ العِلْم في سنِّ الصبيِّ المعتَبَر في ذلك. فقيَّدَه المالكية: بسبعِ سنين. ينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/131)، ((التاج والإكليل)) لابن المواق (2/234). وقيَّده الحنابلة بمن دون سَبْعِ سنين. ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/392)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/90). وقيَّده الحنفيَّةُ والشَّافعيَّةُ بالصبيِّ الذي لا يُشتَهى. ينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/306)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/188)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/160)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/303)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/335). الصغيرَ.
الدليلُ من الإجماع: نَقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر
[7577] قال ابنُ المُنذِر: (أجمعوا على أنَّ المرأةَ تُغَسِّلُ الصبيَّ الصَّغيرَ). ((الإجماع)) (ص:44)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/152). ، و
ابنُ قُدامةَ [7578] قال ابنُ قُدامَة: (وللنِّساءِ غُسلُ الطِّفلِ بغير خِلاف). ((المغني)) (2/392). الفرع الرابع: تغسيلُ الرجُلِ للصَّغيرةِ.يجوزُ للرجُلِ غُسلُ الصَّغيرةِ التي لا تُشْتَهى
[7579] وقريبٌ منه قولُ المالكيَّة، لكنَّهم قَصَروا جوازَ غُسلِ الرَّجُلِ للصَّغيرة على الرَّضيعة وما قارَبَها. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/46)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/131). ، وهذا مذهَبُ الحَنفيَّة
[7580] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/188). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/306). ، والشَّافعيَّة
[7581] ((المجموع)) للنووي (5/149)، ((إعانة الطالبين)) للبكري (2/127) ؛ وذلك لأنَّ حُكمَ العورةِ غيرُ ثابتٍ في حقِّ الصغيرةِ التي لا تُشْتَهى
[7582] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/306). الفرع الخامِسُ: حُكمُ المرأةِ تموتُ بين أجانِبَ، والرَّجُلِ يموتُ بين أجنبيَّاتٍإذا ماتَتِ المرأةُ بين رجالٍ أجانِبَ، أو مات الرَّجلُ بين نِساءٍ أجنبيَّاتٍ، ولا يوجدُ من يُباحُ له غُسلُها أو غُسلُه- يُيَمَّمَانِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
[7583] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/188)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 215). ، والمالِكيَّة
[7584] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/212). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/116، 117). ، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة
[7585] ((المجموع)) للنووي (5/141)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/335). ، والحَنابِلَة
[7586] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/90). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/392). ، وهو قولُ بعضِ السَّلَف
[7587] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/358)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/149). ؛ وذلك إلحاقًا لفَقْدِ الغاسِلِ بفَقْدِ الماءِ
[7588] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/12). الفرع السَّادسُ: حُكمُ غُسلِ الكافِرِ للمُسْلِمِلا يَصِحُّ غُسلُ الكافِرِ للمُسلمِ، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنفيَّة
[7589] قال ابن نجيم: (وقيَّد المصنِّفُ بالوليِّ المسلمَ؛ لأنَّ المُسلِمَ إذا مات وله قريبٌ كافِرٌ؛ فإنَّ الكافِرَ لا يتولى تجهيزَه، وإنَّما يفعَلُه المسلمون، ويُكْرَه أن يَدْخُلَ الكافِرُ في قَبْرِ قرابَتِه المُسلم ليدفِنَه، وما استَدَلَّ به الزيلعيُّ على أنَّ الكافِرَ يُمَكَّن من تجهيزِ قَريبِه الُمسلِمِ، مِن قَولِ القدوريِّ: إذا مات مُسْلمٌ ولم يوجَد رجلٌ يُغَسِّله، يُعَلِّمُ النِّساءُ الكافِرَ- فاستدلالٌ غيرُ صحيحٍ). ((البحر الرائق)) (2/205). وقال الكاساني: (وإن مات مُسلمٌ وله أب كافِرٌ، هل يُمَكَّنُ من القيامِ بتَغسيلِه وتجهيزه، لم يُذْكَرْ في الكتابِ، وينبغي ألَّا يُمَكَّنَ من ذلك، بل يُغَسِّلُه المسلمونَ). ((بدائع الصنائع)) (1/303)، ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/195). ، والمالِكيَّة
[7590] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/78). ويُنظر: (شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/146). واختلفوا فيما إذا لم يُوجَدْ مع المَيِّت إلَّا الكافِرُ والنِّساءُ الأجانِبُ. ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/410). ، والحَنابِلَة
[7591] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/87). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/393). ؛ وذلك لأنَّ غُسلَ الميِّتِ عبادةٌ، وليس الكافِرُ مِن أَهْلِها
[7592] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/87).