تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
يُخيَّر المُسلِمُ وينطبق هذا الحُكم أيضًا على السِّبالَينِ، وهما طرَفَا الشَّارِبِ؛ فقد جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة برئاسة ابن باز: (لا يجوز ترْكُ طرَفَيِ الشَّارِبِ، بل يَقصُّ الشُّاربَ كلَّه، أو يُحفِيه كلَّه؛ عملًا بالسُّنة) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (5/131). بين قصِّ طرَفِ الشَّارِبِ وذلك بقصِّ طرَفِ الشَّعرِ المستديرِ على الشَّفَةِ؛ حتى يبدوَ طرَفُ الشَّفَةِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة. انظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/34)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/550) ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (9/373)، ((حاشية العدوي)) (2/578)، ((المجموع)) للنووي (1/287) وإحفاءِ الشَّارِبِ وهو المبالَغةُ في القَصِّ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/410). ، وهو مذهَبُ الحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/96)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/198). والحفُّ عندهم أَولى. واختيارُ الطبريِّ قال الطبريُّ: (دلَّت السُّنة على الأمرينِ، ولا تعارض؛ فإنَّ القَصَّ يدلُّ على أخْذِ البَعضِ، والإحفاءَ يدلُّ على أخذ الكلِّ، وكلاهما ثابت، فيتخيَّر فيما شاء). ينظر: ((فتح الباري)) (10/347). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمة جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة برئاسة ابن باز: (الإحفاءُ هو المبالغةُ في القصِّ؛ فمَن جزَّ الشَّارِبَ حتى تظهرَ الشَّفَة العليا أو أحفاه فلا حرَجَ عليه؛ لأنَّ الأحاديثَ جاءت بالأمرين). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (5/131-132). ؛ وذلك لورودِ الأحاديثِ والآثارِ الدالَّة على كلا الأمرينِ ذهب بعضُ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الأفضلَ الجَمعُ بين حفِّ الإطارِ، وتخفيفِ ما سوى ذلك مِن الشَّارِبِ. قال ابن رشد الجَدُّ: (رُوي عن ابن القاسم أنَّه كان يكره أن يُؤخَذَ- أي: الشارب- من أعلاه، ويقول: تفسيرُ حديث النبيِّ عليه السَّلام في إحفاءِ الشَّارب إنَّما هو الإطار، والأظهر: أنَّ ذلك ليس بمكروهٍ، وأنَّه مُستحسَنٌ، فيقصُّ جميع الشَّارب؛ لِما جاء في الحديثِ مِن أنَّ قصَّه من السُّنة، ويُحفِي الإطارَ منه؛ لِما جاء في الحديثِ مِن الأمرِ بإحفاءِ الشَّوارب) ((البيان والتحصيل)) (9/347). وأمَّا ابنُ عثيمين فقال: (الأفضَلُ قصُّ الشَّارب كما جاءت به السُّنة، إمَّا حفًّا بأن يقُصَّ أطرافَه ممَّا يلي الشَّفَة حتَّى تبدوَ، وإمَّا إحفاءً بحيثُ يقصُّ جميعَه حتى يفيَه، وأمَّا حَلقُه فليس مِنَ السُّنَّة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/128). ؛ فمُقتضى الجمعِ بينها التَّخييرُ في فِعل ما دلَّت عليه انظر: ((فتح الباري)) (10/347)، و((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (5/131-132). أدلَّة القصِّ: أولًا: مِن السُّنَّةِ 1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّاربِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتْفُ الآباطِ )) رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257). 2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَشْرٌ مِن الفِطرةِ قال أبو العباس القرطبي: (قوله: ((عشرٌ مِن الفِطرةِ))... هذه الخِصال مجتمِعةٌ في أنَّها محافِظةٌ على حُسنِ الهَيئةِ والنَّظافةِ، وكلاهما يحصُل به البقاءُ على أصل كمالِ الخِلقة التي خُلِقَ الإنسانُ عليها، وبقاءُ هذه الأمور وتركُ إزالَتِها تُشوِّه الإنسانَ وتُقبِّحُه، بحيث يُستَقذَر ويُجتَنَب، فيخرج عمَّا تقتضيه الفِطرةُ الأولى، فسُمِّيَت هذه الخِصالُ: فِطرةً؛ لهذا المعنى، والله أعلم). ((المفهم)) (1/511). وقال ابن تيميَّة: (هذه الخِصالُ عامَّتُها إنَّما هي للنَّظافةِ مِن الدَّرَن). ((مجموع الفتاوى)) (21/307). : قصُّ الشَّارِبِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماء، وقصُّ الأظفارِ، وغَسْلُ البَراجِمِ، ونتْفُ الإبْطِ، وحَلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ )) قال زكريَّا: قال مصعب: ونَسِيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المَضمضةَ رواه مسلم (261). وجه الدَّلالة من الحَديثينِ: أنَّ المشروعَ هو القصُّ، وهو اللَّفظُ الواردُ في معظم الرِّوايات قال ابن حجر: (أمَّا القصُّ فهو الذي في أكثَرِ الأحاديثِ كما هنا) ((فتح الباري)) (10/346). وحمَل بعضُ أهلِ العِلمِ الألفاظَ الواردةَ في الرِّواياتِ الأخرى كالجَزِّ والإنهاكِ، على معنى القَصِّ. قال النوويُّ: (... حديثُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحْفُوا الشَّارِبَ، وأعْفُوا اللِّحَى)) رواه البخاريُّ ومُسلم، وفي روايةٍ: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ))، وفي رواية: ((أنهِكوا الشَّوارِبَ))، وهذه الرِّواياتُ مَحمولةٌ عندنا على الحفِّ مِن طرَفِ الشَّفَةِ لا من أصلِ الشَّعْرِ) ((المجموع)) (1/287). 3- عن زيدِ بنِ أرقمَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن لم يأخُذْ مِن شارِبِه، فليس منَّا )) رواه الترمذي (2761)، والنَّسائي (13)، وأحمد (4/366) (19283). قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وقال العراقيُّ في ((طرح التثريب)) (2/82): ثابت، وقوَّى إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/349)، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (3/363)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2761)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسنَد)) (361) وقال: رجاله ثقات. وجه الدَّلالة: أنَّ التَّعبيرَ بالأخذِ مِن الشَّارِبِ، يعني: أخْذَ بَعضِه، وليس أخْذَ الشَّارِبِ كلِّه ((الهداية)) للميرغيناني (1/162). ثانيًا: من الآثار عن شُرَحْبيلَ بنِ مُسلِمٍ الخَوْلانيِّ قال: (رأيتُ خمسةً مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقصُّون شوارِبَهم ويُعفُونَ لِحاهم ويُصفِّرونَها: أبو أُمامةَ الباهليُّ، وعبدُ اللهِ بنُ بُسرٍ، وعُتبةُ بنُ عَبدِ السُّلَمي، والحجَّاجُ بن عامر الثُّمالي، والمِقدامُ بن مَعدِ يَكْرِبَ الكِنديُّ؛ كانوا يقصُّون شوارِبَهم مع طرَفِ الشَّفَةِ) رواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (1236)، والطبراني (20/262) (617)، والبيهقي (1/151) (718). جوَّد إسنادَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (5/170)، وحسن إسناده الألباني في ((آداب الزفاف)) (137). أدلَّة الإحفاءِ مِن السُّنَّةِ: 1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحْفُوا الشَّوارِبَ )) رواه البخاري (5892)، ومسلم (259). وجه الدَّلالة: أنَّ الإحفاءَ يأتي بمعنى المبالَغة، فالمرادُ المبالغةُ في القَصِّ ((النهاية)) لابن الأثير (1/410). 2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أنهِكوا الشَّوارِبَ)) رواه البخاري (5893). 3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((جزُّوا الشَّوارِبَ)) رواه مسلم (260). وجهُ الدَّلالةِ مِن الحَديثينِ: أنَّ لفظَيِ النَّهكِ، والجزِّ، يُطلَقانِ على المُبالغةِ في الإزالةِ، دون الاستئصالِ انظر: ((فتح الباري)) (10/346).
اللغة