المبحث الثاني: من شروط وجوب زكاة الفِطر عن نفسه
المطلب الأوَّل: الغِنَى واليَسارالفرع الأوَّل: المعسِر وقت وجوب زكاة الفِطرلا تجِبُ زكاةُ الفِطر على مُعسرٍ وَقتَ الوُجوبِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقل الإجماعَ على أنَّ مَن لا شيءَ له، لا فِطرةَ عليه: ابنُ المُنْذِر
[2037] - قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه على أنَّ من لا شيء له فلا فطرة عليه). ((الإشراف)) (3/74)، وانظر: ((المجموع)) (6/113). ، و
الرمليُّ [2038] - قال الرمليُّ: (لا فِطرةَ على مُعسِرٍ وَقتَ الوُجوبِ إجماعًا) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/114). الفرع الثاني: حدُّ الغِنى واليسار الذي تجب به زكاة الفطرتجِبُ صَدَقةُ الفِطرِ على كلِّ مُسلمٍ مَلَكَ فاضلًا عن قُوته وقُوت مَن يَلزَمُه، ولو لم يَملِك نِصابًا
[2039] - خلافًا للحَنَفيَّة الذين اشترطُوا لوجوبِ صَدَقةِ الفِطرِ أنْ يملِكَ نِصابًا فاضلًا عمَّا لا بدَّ له منه؛ وذلك لأنَّ الصَّدقةَ لا تكون إلَّا عن ظَهرِ غِنًى، والغِنى لا يتحَقَّقُ إلَّا لِمَن ملك نِصابًا، ولأنَّها صدقةٌ تتكرَّر بالحَوْلِ، فوجَبَ أن يُراعَى فيها النِّصَابُ كسائِرِ الصَّدقات. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/306). ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة
[2040] - يكفي عند المالكيَّة أن يفضُل عن قُوتِه وقوتِ مَن يَمونُه في يومِ العِيدِ فقط، خلافًا للشافعيَّة والحَنابِلَة الذين يشتَرِطونَ لوُجوبِ صَدَقةِ الفِطرِ أن يفضُلَ ذلك في يَومِه ولَيلَتِه. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/321)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/366)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/110)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/247). ، والشافعيَّة
[2041] - ((المجموع)) للنووي (6/110)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/112). ، والحَنابِلَة
[2042] - ((الإنصاف)) للمرداوي (3/164)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/247). وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ
قال ابنُ المُنْذِرِ: (قالت طائفة: صَدَقةُ الفِطرِ واجبةٌ على كلِّ مَن كان عنده فضلٌ عن قُوتِ يَومٍ وليلةٍ، ولا يُعتبَرُ في وجوبها نِصابٌ، وبه قال أبو هريرة، وأبو العالية، وعطاء، والشَّعبي، وابن سِيرين، والزُّهري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد، وأبو ثور، والشَّافعي) ((الإشراف)) (3/75). وقال ابنُ رُشْدٍ: (وليس مِن شرْطِ هذه الزَّكاةِ: الغِنى عند أكثَرِهم ولا نِصابٌ، بل أن تكون فَضلًا عن قُوتِه وقُوتِ عِيالِه). ((بداية المجتهد)) (1/279). وقال ابنُ قدامة: (قال إذا كان عنده فضلٌ عن قُوتِ يَومِه وليلَتِه، وجملةُ ذلك أنَّ صدقةَ الفِطرِ واجبةٌ على مَن قدَرَ عليها، ولا يُعتَبَر في وجوبها نِصابٌ. وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية، والشَّعبي، وعطاء، وابن سيرين، والزُّهري، ومالك، وابن المبارك، والشافعي، وأبو ثور). ((المغني)) (3/94). وقال النوويُّ: (مذهَبُنا أنَّه يُشتَرَط أن يملِكَ فاضلًا عن قُوتِه وقوتِ مَن يلزَمُه نَفقَتُه ليلةَ العِيدِ ويَومَه؛ حكاه العبدريُّ عن أبي هريرة وعطاء والشَّعبي وابن سيرين وأبي العالية والزُّهري ومالك وابن المبارك وأحمد وأبي ثور) ((المجموع)) (6/113). الأدلَّة: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال اللهُ تعالى:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] وجه الدَّلالة:أنَّ غيرَ القادِرِ مرفوعٌ عنه الحرَجُ، فلا تَجبُ زكاةُ الفِطرِ لِمَن لم يفضُل عن قُوتِه وقُوتِ مَن يَمونُه شَيءٌ
((مجلة البحوث الإسلامية)) (62/323). ثانيًا: من السُّنَّة1- عنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما:
((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَضَ زكاةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ على كلِّ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى مِنَ المُسلمين )) [2045] - رواه البخاري (1504)، ومسلم (984). وجه الدَّلالة:أنَّ النصَّ أطلَقَ ولم يخصَّ غنيًّا أو مَن ملَكَ نِصابًا، فلَزِمَ ذلك كلَّ مَن فضَلَ له شيءٌ عن قُوتِه وقُوتِ مَن يَمونُه
[2046] - ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/186)، ((شرح السنة للبغوي)) (6/71)، ((الدراري المضية شرح الدرر البهية)) للشوكاني (2/169). 2- عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((فرَضَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ... )) [2047] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570). وجه الدَّلالة:أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ مِن مقاصِدِ زكاةِ الفِطرِ التي شُرِعَت من أجلِها أنَّها طُهرةٌ للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفث، ولا فرْقَ في ذلك بين الغنيِّ والفَقيرِ، ما دامَ لديه ما يفضُلُ عن حاجَتِه وحاجةِ مَن يَمونُه في يَومِه وليلَتِه
ينظر: ((نيل الأوطار)) (4/220). 3- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((أفضلُ الصَّدَقةِ ما ترَك غِنًى، واليدُ العليا خيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى، وابدأْ بمن تَعُولُ )) رواه البخاري (5355) 4- عن سهْلِ بنِ الحنظليَّة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((مَن سأل وعنده ما يُغنيه، فإنَّما يستكثِرُ مِنَ النَّارِ))، فقالوا: يا رسولَ الله، وما يُغنيه؟ وما الغِنى الذي لا تنبغي معه المسألةُ؟ قال:
((قدْرُ ما يُغدِّيه ويُعشِّيه )) رواه أبو داود (1629)، وأحمد (17625)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (486)، وابن حبان (545). قال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/20): جاءت الآثار بذلك متواترة، وصحح إسناده الطبري في ((مسند عمر)) (1/25)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (805)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (462). ثانيًا: أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ حقٌّ ماليٌّ لا يزيدُ بزيادةِ المالِ، فلا يُعتبَرُ وجوبُ النِّصابِ فيها كالكفَّارةِ
((الكافي)) لابن قدامة (1/414)، ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/186). ثالثًا: كَونُ مَن لا يجِدُ زيادةً على قُوتِ يَومِه وليلَتِه، فلا فِطرةَ عليه؛ فلأنَّه إذا خرج قُوتُ يَومِه أو بعضه كان مَصرِفًا لا صارِفًا
((الدراري المضية شرح الدرر البهية)) (2/169). رابعًا: أنَّ اعتبارَ كَونِه واجدًا لقُوتِ يَومٍ وليلةٍ أمرٌ لا بدَّ منه؛ لأنَّ المقصودَ مِن شرَع ِالفِطرةِ إغناءُ الفُقَراءِ في ذلك اليَومِ، فلو لم يُعتبَرْ في حقِّ المُخرِجِ ذلك، لكان ممَّن أُمِرْنا بإغنائِه في ذلك اليومِ، لا مِنَ المأمورينَ بإخراجِ الفِطرةِ وإغناءِ غَيرِه
((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/220). الفرع الثالث: هل يَمنع الدَّين المؤجَّل وجوب زكاة الفطر؟ الدَّينُ المؤجَّلُ لا يمنَعُ وُجوبَ زكاةِ الفِطرِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة
((حاشية ابن عابدين)) (2/261)، ويُنظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/172). ، والمالكيَّة
((منح الجليل)) لعليش (2/ 102)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/160)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/228). ، والشافعيَّة
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/411)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/115). ، والحَنابِلَة
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/251)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/100). وذلك للآتي: أوَّلًا: إطلاقُ الأدلَّةِ الموجِبةِ للزَّكاة
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/115). ثانيًا: أنَّه مالِكٌ للنِّصاب الذي تجِبُ به الزَّكاة، نافِذُ التصرُّفِ فيه
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/115). ثالثًا: تأكُّدُ زكاةِ الفِطرِ حتى وجبتْ على الفقيرِ الذي فضَلَ له شيءٌ عَن قُوتِه وقوتِ مَن يَمُونُه، فجرَتْ صدقةُ الفِطرِ مَجْرى النَّفقةِ
قال ابنُ تيميَّة: (إذا كان عليه دَينٌ وصاحِبُه لا يطالِبُه به أدَّى صدقةَ الفِطرِ كما يُطعِمُ عِيالَه يومَ العيد، وهو مذهَبُ أحمد). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 455)، وينظر:((المغني)) لابن قدامة (3/100)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/251). المطلب الثاني: الحريَّةيُشتَرَطُ في وُجوبِ زكاةِ الفِطرِ الحريَّة؛ فلا فِطرةَ على رقيقٍ عَن نفْسِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة
((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/306)ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/69). ، والمالكيَّة
((مواهب الجليل)) للحطاب (2/366)، ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير و((حاشية الصاوي)) (1/672). ، الشافعيَّة
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/113)، ويُنظر: ((تحفة الحبيب)) للبجيرمي (2/352). ، والحَنابِلَة
((الفروع)) لابن مفلح (4/210)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/246)، ؛ وذلك لأنَّ العبد لا يَمْلِك، ومن لا يَمْلكُ لا يُملِّكُ غَيرَه
((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/337).