تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المطلب الأول: تعريفُ السُّحور السُّحُور (بضَمِّ السِّينِ): أكلُ طَعامِ السَّحَرِ. والسَّحورُ (بِفَتحِ السِّينِ): طعامُ السَّحَرِ وشرابُه. فهو بالفَتح: اسمُ ما يُتَسَحَّرُ به، وبالضَّمِّ المصدَرُ والفِعلُ نَفسُه ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 351). قال الأَزهري: (السَّحُور: ما يُتَسَحَّرُ به وقتَ السَّحَرِ مِن طعامٍ أو لَبَنٍ أو سُوَيق، وُضع اسمًا لِمَا يؤكَلُ ذلك الوقتَ، وقد تسحَّرَ الرجلُ ذلك الطعامَ؛ أي: أكَلَه) ((تهذيب اللغة)) (4/ 171، 172). وقال ابنُ الأَثير: (.. وهو بالفتح- أي السَّحُور-: اسمُ ما يُتَسحَّرُ به مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ، وبالضَّمِّ- أي السُّحُور-: المصدَرُ والفِعلُ نَفسُه) ((النهاية)) (2/ 347). المطلب الثاني: حُكمُ السُّحورِ يُستحبُّ لِمَن أراد الصِّيامَ أن يتسحَّرَ. الأدِلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِ ثبت ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسنَّةِ القوليَّة والفعليَّة. 1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحورِ بَرَكةً قال البخاري في صحيحه: (بابُ بَرَكةِ السَّحور من غيرِ إيجابٍ: لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه واصلوا ولم يُذكَرِ السَّحورُ). ((صحيح البخاري)) قبل حديث (1922)، وانظر ((فتح الباري)) لابن حجر (4/139). )) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). 2- وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ زَيدَ بنَ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه حَدَّثَه: ((أنَّهم تسَحَّروا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قاموا إلى الصَّلاةِ... قال الجصاص: (فندب رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى السَّحور، وليس يمتنِعُ أن يكونَ مُرادُ الله بقوله:وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ في بعضِ ما انتظمه: أكْلةَ السحورِ، فيكون مندوبًا إليها بالآية. فإن قيل: قد تضمَّنَتِ الآيةُ- لا محالةَ- الرُّخصةَ في إباحةِ الأكلِ، وهو ما كان منه في أوَّلِ اللَّيلِ لا على وجهِ السحورِ، فكيف يجوزُ أن ينتَظِمَ لَفظٌ واحدٌ ندبًا وإباحةً؟ قيل له: لم يثبُتْ ذلك بظاهرِ الآية، وإنَّما استدلَلْنا عليه بظاهِرِ السُّنة، فأمَّا ظاهِرُ اللَّفظِ فهو إطلاقُ إباحةٍ على ما بَيَّنَّا) ((أحكام القرآن)) (1/289). )) رواه البخاري (575)، ومسلم (1097). ثانيًا: من الإجماع نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (وأجمَعُوا على أنَّ السُّحورَ مندوبٌ إليه) ((الإجماع)) (ص 49). ، والقاضي عِياضٌ قال القاضي عِياضٌ: (أجمَع الفقهاءُ على أنَّ السُّحورَ مندوبٌ إليه، ليس بواجبٍ). ((إكمال المعلم)) (4/33). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة في استحبابِ السُّحورِ: (ولا نعلَمُ فيه بين العلماءِ خلافًا) ((المغني)) (3/ 173). ، والنَّوويُّ قال النووي: (وأجمع العُلَماءُ على استحبابِه- أي: السحور- وأنَّه ليس بواجبٍ) ((شرح النووي على مسلم)) (7/206). ، والعيني قال العينيُّ: (فإن قلتَ: قوله: (تسحَّروا) أمرٌ، ومقتضاه الوجوبُ؟ قلتُ: أُجيبَ بأنَّه أمْرُ ندبٍ بالإجماعِ). ((عمدة القاري)) (10/300). المطلب الثالث: فضائِلُ السُّحورِ السَّحور فيه بَرَكةٌ قال ابنُ دقيق العيد: (البَرَكةُ مُحتملة لأن تُضافَ إلى كلِّ واحدٍ مِنَ: الفعل- أي الأكْل- والمتسحَّرِ به- أي الطَّعامِ- معًا) ((إحكام الأحكام)) (1/269). الدَّليل منَ السُّنَّة: عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تَسَحَّروا؛ فإنَّ في السَّحورِ بَرَكةً )) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). والبَرَكةُ في السَّحورِ تَحصُلُ بجهاتٍ مُتعَدِّدةٍ، منها: اتِّباعُ السنَّة، ومخالفةُ أهلِ الكِتابِ، والتقوِّي به على العبادةِ، والزِّيادةُ في النَّشاط، ومدافعةُ سُوءِ الخُلُقِ الذي يُثيرُه الجوعُ، والتسبُّبُ بالصَّدَقةِ على من يسألُ إذ ذاك، أو يجتَمِع معه على الأكلِ، والتسبُّبُ للذِّكْرِ والدُّعاءِ وَقتَ مَظِنَّةِ الإجابةِ، وتدارُكُ نيَّةِ الصَّومِ لِمَن أغفَلَها قبل أن ينامَ ((فتح الباري)) لابن حجر (4/140). قال النووي: (وسَبَبُ البركةِ فيه: تقويَتُه الصَّائِم على الصَّومِ، وتنشيطُه له، وفَرَحُه به، وتَهوينُه عليه، وذلك سَبَبٌ لكثرةِ الصَّومِ) ((المجموع)) (6/360). وقال ابنُ دقيق العيد: (وهذه البَرَكة يجوزُ أن تعودَ إلى الأمورِ الأخرويَّة؛ فإنَّ إقامةَ السُّنَّة توجِبُ الأجرَ وزيادَتَه، ويحتملُ أن تعودَ إلى الأمورِ الدنيويَّة لقُوَّةِ البَدَن على الصَّومِ وتيسيره مِن غَيرِ إجحافٍ به) ((إحكام الأحكام)) (1/269). وقال ابنُ عُثيمين: (بركةُ السَّحورِ: المرادُ بها البَرَكة الشرعيَّة، والبَرَكة البدنيَّة، أمَّا البَرَكةُ الشرعيَّة فمنها امتثالُ أمرِ الرَّسولِ والاقتداءُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا البَرَكة البدنيَّة؛ فمنها تغذيةُ البَدَنِ وقُوَّتُه على الصَّوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/362) وقال أيضًا: (ومِن بَرَكَتِه أنَّه مَعونةٌ على العبادةِ؛ فإنَّه يُعِينُ الإنسانَ على الصِّيامِ؛ فإذا تسَحَّرَ كفاه هذا السَّحورُ إلى غروبِ الشَّمسِ، مع أنَّه في أيامِ الإفطارِ يأكُلُ في أوَّلِ النَّهارِ، وفي وسَطِ النَّهارِ، وفي آخِرِ النَّهارِ، ويشرب كثيرًا، فيُنزِلُ اللهُ البركةَ في السَّحورِ، يكفيه مِن قبل طلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمس) ((شرح رياض الصالحين)) (3/336). المطلب الرابع: الحكمةُ مِن السُّحورِ مِن حِكَمِ السُّحورِ ومقاصِدِه: 1- أنَّه مَعُونةٌ على العبادةِ؛ فإنَّه يُعينُ الإنسانَ على الصِّيامِ. 2- أنَّ فيه مُخالفةَ أهلِ الكِتابِ؛ فإنَّهم لا يتسَحَّرونَ. الدَّليل منَ السُّنَّة: عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فصْلُ ما بين صيامِنَا وصيامِ أهْلِ الكتابِ؛ أَكْلةُ السَّحَرِ )) رواه مسلم (1096). المطلب الخامس: تأخيرُ السُّحورِ يُسَنُّ للصائمِ تأخيرُ السُّحورِ ما لم يَخشَ طلوعَ الفَجرِ [305] يحصُلُ السُّحورُ بكُلِّ مطعومٍ أو مشروبٍ ولو كان قليلًا. انظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 174)، و((فتح الباري)) لابن حجر(4/140) الأدِلَّة: أوَّلًا: منَ السُّنَّة عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ زَيدَ بنَ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه حدَّثَه ((أنَّهم تسَحَّروا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ قاموا إلى الصَّلاةِ، قلتُ- أي أنَس-: كم بينهما؟ قال: قَدْرُ خَمسينَ آيةً قال ابنُ حجر: (في قوله: قَدْرُ خَمسينَ آيةً؛ أي: متوسِّطةٌ، لا طويلةٌ ولا قصيرةٌ ولا سريعةٌ ولا بطيئةٌ) ((فتح الباري)) (1/367). )) رواه البخاري (1921)، ومسلم (1097). وجه الدلالة: الحديثُ فيه دَلالةٌ على استحبابِ التَّسحُّرِ وتأخيرِه إلى قريبِ طُلوعِ الفَجرِ ((عمدة القاري)) للعيني (5/73). ثانيًا: الإجماعُ نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشد قال ابنُ رشد: (وأجمعوا على أنَّ مِن سُنَنِ الصَّومِ: تأخيرَ السُّحورِ، وتَعجيلَ الفِطرِ). ((بداية المجتهد)) (1/307). ، وابنُ مفلِحٍ قال ابنُ مفلح: (يُسنُّ تعجيلُ الإفطارِ، إذا تحقَّقَ غُروب الشَّمس"ع" [إجماع]، وتأخيرُ السُّحور "ع" [إجماع] ما لم يَخشَ طلوعَ الفَجرِ). ((الفروع)) (5/30). ، والمَرداويُّ قال المَرداويُّ: (أحدهما: قوله: "ويُستحبُّ تعجيلُ الإفطار"، إجماعًا، يعني: إذا تحقَّق غروب الشَّمسِ. الثاني: قولُه: "ويستحَبُّ تأخيرُ السُّحورِ". إجماعا). ((الإنصاف)) (3/234). المطلب السادس: ما يُسَنُّ التسحُّرُ به يُسَنُّ التسحُّرُ بالتَّمرِ. الدَّليل منَ السُّنَّة: عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نِعْمَ سَحورُ المؤمِنِ التَّمرُ )) رواه أبو داود (2345)، وابن حبان (8/253) (3475)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/236) (8375). صححه ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (13/136)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2345).