تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
الفَرْعُ الأوَّلُ: الدُّعاءُ بالمغفرةِ في الجَلْسةِ بين السَّجدتينِ الدُّعاءُ بالمغفرةِ في الجَلْسةِ بين السَّجدتينِ سُنَّةٌ، وهذا مذهبُ المالكيَّةِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/253)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/252). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/436)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/260). ، وقولُ بعضِ مُتأخِّري الحنفيَّةِ قال ابن عابدين: (بل ينبغي أن يُندَب الدعاءُ بالمغفرة بين السجدتينِ، خروجًا من خلاف الإمام أحمد؛ لإبطاله الصلاةَ بتركه عامدًا، ولم أرَ من صَرَّح بذلك عندنا، لكن صرَّحوا باستحبابِ مراعاةِ الخلاف، والله أعلم) ((حاشية ابن عابدين)) (1/505). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((المغني)) لابن قدامة (1/362). ، وهو قولُ جمهورِ العُلماءِ قال ابن رجب: (ورُوي عن أحمد: أنَّه ليس بواجب، قال حرب: مذهب أحمد: أنه إن قال جاز، وإن لم يقل جاز، والأمر عنده واسع، وكذا ذكر أبو بكر الخلَّال؛ أنَّ هذا مذهبُ أحمد، وهذا قول جمهور العلماء). ((فتح الباري)) (5/134). وقال ابنُ قُدامة: (والمشهور عن أحمد أنَّ تكبير الخفض والرفع، وتسبيح الركوع والسجود، وقول: سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، وقول: ربي اغفِرْ لي - بين السجدتين -، والتشهد الأول - واجبٌ، وهو قول إسحاق، وداود، وعن أحمد: أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء). ((المغني)) (1/362). الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة عن حُذَيفةَ بنِ اليَمَانِ رضيَ اللهُ عنه، أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقول بين السجدتين: ((ربِّ اغفِرْ لي، ربِّ اغفِرْ لي )) أخرجه أبو داود (874)، والنسائي (1145)، وابن ماجه (897) واللفظ له، وأحمد (23423)، والدارمي (1363) سكت عنه أبو داود (874)، وصححه الحاكم في ((المستدرك) (1/631)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (1144)، وصحح إسناده مغلطاي في ((شرح سنن ابن ماجه)) (3/490). ثانيًا: لا يجبُ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُعلِّمْه المسيءَ في صلاتِه، ولا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ ((المغني)) لابن قدامة (1/362). ثالثًا: أنَّه لو كان واجبًا لم يسقُطْ بالسَّهوِ؛ كالأركانِ ((المغني)) لابن قدامة (1/362). الفَرْعُ الثاني: هيئةُ الجَلْسةِ المَسْنونةِ بين السَّجدتينِ المسألة الأولى: الافتراشُ يُسَنُّ الجلوسُ بين السَّجدتينِ مفترشًا، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّةِ ((منحة الخالق)) لابن عابدين (2/24). قال الطحاوي: (وذلك أنَّا رأينا القعود الأول في الصلاة وفيما بين السجدتين في كل ركعة، هو أن يفترش اليسرى فيقعد عليها، ثم اختلفوا في القعود الأخير، فلم يخلُ مِن أحد وجهين، أن يكون سنَّة أو فريضة، فإن كان سنَّة، فحُكمه حُكم القعود الأول، وإن كان فريضة، فحُكمه حكم القعود فيما بين السجدتين، فثبَت بذلك ما روى وائلُ بنُ حُجر، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله) ((شرح معاني الآثار)) (1/261). والشافعيَّةِ قال النَّوويُّ: (قال أصحابنا: لا يتعيَّنُ للجلوسِ في هذه المواضِعِ هيئةٌ للإجزاء، بل كيف وجد أجزأه، سواءٌ تورَّك، أو افترش، أو مدَّ رِجليه، أو نصَب ركبتيه، أو إحداهما، أو غير ذلك، لكن السنَّة التورك في آخر الصلاة، والافتراش فيما سواه) ((المجموع)) (3/450). والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/392)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/376، 387)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/126، 127). وقد وافق الشافعيَّة الحنابلةَ في ذلك، إلَّا أنهم يرون التورُّك في آخِرِ الصلاة عمومًا، سواءٌ ثنائية، أو ثلاثية، أو رباعية. ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/450). الأدلة مِن السنَّةِ: 1- عن ميمونةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سجد خَوَّى بيَدَيه- يعني جَنَّحَ- حتى يُرَى وَضَحَ إبِطَيه مِن وَرائِه، وإذا قعَدَ اطمأَنَّ على فَخِذِه اليُسرى )) [2338] أخرجه مسلم (497) وَجْهُ الدَّلالَةِ: قولها: "إذا قعد" أي: بين السَّجدَتينِ، وفي التشهُّدِ الأوَّلِ يجلِسُ على الفَخِذِ اليُسرى [2339] ينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (4/212). 2- عن عائشةَ في صفةِ صلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (( كان يفرِشُ رِجْلَه اليُسرى، وينصِبُ رِجْلَه اليُمنى، وكان ينهى عن عقِبِ الشَّيطانِ )) رواه مسلم (498). وَجْهُ الدَّلالَةِ: ظاهِرُ قَولِها: ((وكان يَفرِشُ رِجلَه اليُسرى وينصِبُ اليُمنى)) دلَّ على أنَّ هذا جلوسُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين السَّجدَتينِ وحالَ التشَهُّدِ، باستثناءِ الجُلوسِ الأخيرِ؛ فقد ورد فيه النصُّ بالتوَرُّكِ ينظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (1/167،166). المسألة الثانية: الإقعاءُ يُسَنُّ الإقعاءُ [2342] وهذا الإقعاءُ المسنون هو أن يضَعَ أطراف أصابع رِجليه على الأرض، ويضَعَ أَلْيَتَيْهِ على عقِبَيه، ويضعَ ركبتيه على الأرض. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/438). بين السَّجدتينِ [2343] قال النَّوويُّ: (وأمَّا الجمعُ بين حديثَيِ ابنِ عباس وابن عمر وأحاديثِ أبي حُميد ووائل وغيرهما في صفة صلاة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووصْفهم الافتراشَ على قدمه اليسرى- فهو أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانت له في الصلاة أحوال، حال يفعلُ فيها هذا، وحال يفعل فيها ذاك، كما كانت له أحوالٌ في تطويل القراءة وتخفيفها، وغير ذلك من أنواعها، وكما توضَّأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلًاثا، وكما طاف راكبًا، وطاف ماشيًا، وكما أوتر أوَّلّ الليل وآخره وأوسطه، وانتهى وِتره إلى السَّحَر، وغير ذلك، كما هو معلومٌ من أحواله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يفعل العبادة على نوعين أو أنواع؛ ليبين الرخْصَةَ والجواز بمرة أو مرات قليلة، ويواظب على الأفضلِ بينهما، على أنه المختار والأَوْلى؛ فالحاصل أنَّ الإقعاءَ الذي رواه ابن عباس وابن عمر فعَله النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التفسير المختار الذي ذكره البيهقي، وفعل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما رواه أبو حميد وموافقوه من جهة الافتراشِ، وكلاهما سنَّة، لكن إحدى السُّنَّتيِن أكثر وأشهر، وهي رواية أبي حميد؛ لأنَّه رواها وصدَّقه عشَرة من الصحابة، كما سبق ورواها وائل بن حُجْرٍ وغيره، وهذا يدلُّ على مواظبته صلى الله تعالى عليه وسلم عليها، وشهرتها عندهم؛ فهي أفضلُ وأرجح، مع أنَّ الإقعاء سنَّة أيضًا) ((المجموع)) (3/439). أحيانًا، وهو قولُ الشَّافعيِّ [2344] قال النَّوويُّ: (وقد تابعه على هذا الإمام المحقق أبو عمرو بن الصلاح فقال بعد أن ذكر حديث النهي عن الإقعاء: هذا الإقعاء محمولٌ على أن يضع أَلْيَتَيْهِ على الأرض وينصِب ساقيه ويضع يديه على الأرض، وهذا الإقعاء غيرُ ما صح عن ابن عباس وابن عمر أنه سنَّة، فذلك الإقعاء أن يضع أَلْيَتَيْهِ على عقِبيه قاعدًا عليها وعلى أطراف أصابع رِجليه، وقد استحبه الشافعي في الجلوس بين السجدتين في الإملاءِ، والبويطيُّ) ((المجموع)) (3/439). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [2345] قال المرداويُّ: (قوله: "والإقعاء في الجلوس"، يعني: يكره، وهو المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحاب، وعنه سنَّة، اختاره الخلال، وعنه جائز) ((الإنصاف)) (2/67). ، وطائفةٍ مِن السَّلَفِ [2346] قال العمرانيُّ: (ويُكره الإقعاءُ في الجلوس، ورُوي عن العبادلة- عبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزُّبير-: أنَّهم قالوا: (هو مِن السُّنَّة)، وبه قال نافعٌ، وطاوس، ومجاهد) ((البيان)) (2/224). ، واختارَه البَيْهقيُّ [2347] قال النَّوويُّ: (قال البيهقيُّ: فهذا الإقعاء المَرْضيُّ فيه والمسنون على ما رُوِّينا عن ابن عباس، وابن عمر: هو أنْ يضَع أطراف أصابع رِجليه على الأرض، ويضع أَلْيتيه على عَقبيه، ويَضعَ رُكبتيه على الأرض، ثم روى الأحاديثَ الواردة في النهي عن الإقعاء بأسانيدها عن الصحابة الذين ذَكرناهم، ثم ضعَّفها كلَّها وبيَّن ضعفها، وقال: حديث ابن عباس وابن عُمرَ صحيحٌ) ((المجموع)) (3/438). ، والقاضي عِياضٌ [2348] قال القاضي عِياضٌ: (والأشبه عندي فى تأويل الإقعاء الذي قال ابنُ عباس: إنَّه من السنَّة؛ الذي فسَّر به الفقهاءُ: مَن وضع الأَلْيتينِ بين السجدتين على العقبين، وليس بالمنهيِّ عنه، فقد رُوي عن جماعة من الصحابة والسَّلف أنَّهم كانوا يفعلونه، وكذا جاء مفسَّرًا من ابن عباس: «مِن السُّنَّة أن تُمِسَّ عَقبيك أَلْيَتيك») ((إكمال المعلم)) (2/459). ، وأبو عمرِو بنُ الصَّلاحِ [2349] قال النَّوويُّ: (وقد تابَعه على هذا الإمامُ المحقِّق أبو عمرو بن الصلاح، فقال- بعد أن ذَكَر حديث النهي عن الإقعاء-: هذا الإقعاء محمولٌ على أن يضع أَلْيتيه على الأرض، وينصبَ ساقيه، ويضع يديه على الأرض، وهذا الإقعاء غيرُ ما صحَّ عن ابن عباس وابن عمر أنَّه سُنَّة، فذلك الإقعاء أن يضع أَلْيتيه على عقبيه قاعدًا عليها وعلى أطراف أصابعِ رِجليه، وقد استحبَّه الشافعيُّ في الجلوس بين السجدتين في الإملاءِ، والبويطيُّ) ((المجموع)) (3/439). ، والنَّوويُّ [2350] قال النَّوويُّ: (وقال - أي: البيهقي - في موضعٍ آخَر: الإقعاء جلوسُ الإنسان على أَليتيه ناصبًا فخذيه مِثل إقعاء الكلب والسَّبُع، قال البيهقي: وهذا النوع من الإقعاء غيرُ ما رُوِّيناه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، فهذا منهيٌّ عنه، وما رُويناه عن ابن عباس وابن عمر مسنونٌ، قال: وأمَّا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه «كان يَنهى عن عَقِبِ الشَّيطان» فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس للتشهد الأخير؛ فلا يكون منافيًا لِمَا رواه ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين، هذا آخر كلام البيهقيِّ رحمه الله، ولقد أحسن وأجاد، وأتقن وأفاد، وأوضح إيضاحًا شافيًا، وحرَّر تحريرًا وافيًا، رحمه الله وأجزل مثوبتَه) ((المجموع)) (3/438). وقال أيضًا: (فالصَّواب الذي لا يجوزُ غيره أنَّ الإقعاء نوعان، كما ذكره البيهقيُّ وأبو عمرو، (أحدهما): مكروه، (والثاني): جائز أو سُنَّة) ((المجموع)) (3/439). ، والكمالُ ابنُ الهُمامِ [2351] قال الكمالُ ابنُ الهُمام: (فالجواب المحقَّق عنهم: أنَّ الإقعاء على ضربين: أحدهما مستحبٌّ؛ أن يضع أَليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض، وهو المرويُّ عن العبادلة، والمنهيُّ أن يضع أَليتيه ويديه على الأرض وينصبَ ساقيه) ((فتح القدير)) (1/410). ، والشَّوكانيُّ [2352] قال الشَّوكانيُّ: (وقد أنكر القولَ بالنسخ ابنُ الصلاح والنَّوويُّ، وقال البيهقي والقاضي عياض وابن الصلاح والنَّووي وجماعةٌ من المحقِّقين: إنَّه يُجمع بينها بأن الإقعاء الذي ورد النهي عنه هو الذي يكون كإقعاء الكلب على ما تقدَّم من تفسير أئمَّة اللغة، والإقعاء الذي صرَّح ابن عباس وغيره أنه من السنَّة هو وضْع الأَليتين على العقبين بين السَّجدتين، والركبتان على الأرض، وهذا الجمعُ لا بدَّ منه، وأحاديث النهي والمعارض لها يُرشد إليها؛ لِمَا فيها من التصريح بإقعاء الكلب، ولِمَا في أحاديث العبادلة من التصريح بالإقعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع، وقد رُوي عن ابن عباس أيضًا، أنَّه قال: «مِن السنَّة أن تُمسَّ عقبيك أَليتك»، وهو مفسِّر للمراد، فالقول بالنسخ غفلةٌ من ذلك) ((نيل الأوطار)) (2/321). ، وابنُ بازٍ [2353] قال ابن باز: (وهناك إقعاء مشروعٌ ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، وأنَّه من السنَّة، وهو أن يجلس على عقبيه بين السجدتينِ ويداه على فخديه، ويجلس على عقبيه، هذا من السُّنَّة؛ ثبَت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه من السنَّة، ولكن الأفضل منه أن يفترشَ اليسرى وينصبَ اليُمنى حالَ جلوسه بين السجدتين أو التشهُّد الأول، يفرش اليسرى وينصب اليُمنى، هذا هو الأفضل، والأكثر في الأحاديث) ((فتاوى نور على الدرب)) (9/239). ، والألبانيُّ [2354] قال الألبانيُّ: (و"كان أحيانًا يُقعي؛ «ينتصب على عقبيه، وصدور قَدميه» ") ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (2/802). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [2355] قالت اللَّجنة الدَّائمة: (وذهب بعضُ العلماء كالبيهقيِّ والقاضي عياض وأبي داود - صاحب "السُّنن" - وغيرهم، إلى جواز هذا الإقعاء في الصلاة، وأنَّ الإقعاء المكروه الذي وردت الأحاديث بالنهي عنه خاصٌّ بالصورة الأولى السابقة، وممَّن فعله من الصحابة ما ذكره طاوس أنَّه قال: رأيتُ العبادلة يفعلونه؛ ابن عمر، وابن عباس، وابن الزُّبير، أمَّا ابنُ عمر فإنَّه كان يفعل ذلك لَمَّا كَبِر، ويقول: "لا تقتدوا بي؛ فإنِّي قد كَبِرتُ"، أمَّا ابن عباس فقد ذهب إلى أنَّ ذلك السُّنَّة؛ لِمَا رواه مسلم عن طاوس أنه قال: «قلنا لابن عباس في الإقعاءِ على القدمين في السجود، فقال: هي السُّنَّة، قال: قلنا: إنَّا لنراه جفاءً بالرجل؟! فقال: هي سُنَّة نبيِّك» رواه مسلم في (صحيحه ج 1 ص 308)، وأبو داود في (سننه ج 1 ص 194)، وعلى ذلك يتبيَّن ثبوتُ هذه الجلسة من سُنة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، وأنَّ الغالب والمشهور من جلوسه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه كان يفترش رجلَه اليسرى وينصب اليمنى؛ ولذلك لا يُعاب على مَن فعَلَ هذه الجِلسة؛ لثبوتها عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال الإمام أحمد: "لا أفعلُه، ولا أَعيب مَن فعَلَه") ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الثانية)) (5/387). الأدلة مِن السنَّةِ: 1- عن طاوسٍ قال: ((قُلنا لابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما في الإقعاءِ على القدَمَيْنِ، قال هي: السنَّةُ، فقُلْنا: إنَّا لنراه جَفاءً بالرَّجُلِ، قال: بل هي سنَّةُ نبيِّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [2356] أخرجه مسلم (536). 2- عنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان إذا رفَعَ رأسَه مِن السَّجدةِ الأولى يقعُدُ على أطرافِ أصابعِه، ويقولُ: إنَّه مِن السنَّةِ)) [2357] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8752)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (2843) صحَّحه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/119)، وصحح إسناده الذهبي في ((المهذب)) (2/566)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/420)، والمباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (2/33)، وحسن إسناده الألباني في ((أصل صفة صلاة النبي)) (2/803). الفَرْعُ الثالثُ: موضعُ اليدينِ في الجَلسةِ بين السَّجدتينِ يبسُطُ ذراعَيْهِ على فخِذَيْهِ، ويضَعُ اليدَ اليُمنى على الفخِذِ اليُمْنى، واليدَ اليُسرى على الفخِذِ اليُسرى عند الرُّكبةِ، أو على الرُّكبةِ قال ابنُ القيِّم: (كان يَبسط ذراعه على فخذه ولا يُجافيها، فيكون حدُّ مرفقه عند آخِر فخذه، وأمَّا اليسرى، فممدودةُ الأصابع على الفخذ اليُسرى). ((زاد المعاد)) (1/256). الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن وائلِ بنِ حُجرٍ قال: ((قلتُ: لأنظُرَنَّ إلى صلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كيف يُصلِّي، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستقبَلَ القِبلةَ، فرفَعَ يديه حتَّى حاذَتَا بأُذُنيه، ثم أخَذَ شِمالَه بيمينِه، فلمَّا أراد أنْ يركَعَ رفَعَهما مِثلَ ذلك، ووضَعَ يدَيْهِ على رُكبتَيْهِ، فلمَّا رفَع رأسَه مِن الرُّكوعِ رفَعَهما مِثلَ ذلك، فلمَّا سجَد وضَع رأسَه بذلك المنزِلِ مِن يدَيْهِ، ثم جلَس، فافتَرَش رِجْلَه اليُسرى، ووضَعَ يدَه اليُسرى على فخِذِه اليُسرى، وحدَّ مِرْفَقَه الأيمنَ على فخِذِه اليُمنى، وقبَضَ ثِنْتينِ وحلَّقَ، ورأيتُه يقولُ هكذا- وأشارَ بِشْرٌ بالسَّبَّابةِ مِن اليُمنى، وحلَّقَ الإبهامَ والوُسطى- )) رواه أبو داود (726)، والنسائي (3/35) احتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/126)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (726)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1206). 2- عن جابرِ بنِ سمُرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا إذا صلَّيْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلْنا: السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، وأشار بيدِه إلى الجانبينِ، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: علامَ تُومِئونَ بأيديكم كأنَّها أذنابُ خيلٍ شُمْسٍ؟ اسكُنوا في الصَّلاةِ، إنَّما يكفي أحَدَكم أنْ يضَعَ يدَيْهِ على فخِذَيْه ثم يُسلِّمَ على أخيه مِن عن يمينِه ومِن عن شِمالِه )) رواه مسلم (431). ثانيًا: من الإجماع نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وما وَصَف ابنُ عُمر مِن وضْعِ كفِّه اليُمنى على فخِذه اليمنى، وقبْضِ أصابع يدِه تلك كلِّها إلَّا السبابة منها، فإنَّه يشير بها، ووضْعِ كفِّه اليُسرى على فخِذه اليسرى مفتوحةً مفروجةَ الأصابع - كلُّ ذلك سُنَّة في الجلوس في الصَّلاة، مُجتمَع عليها، لا خلافَ - علمتُه بين العلماء - فيها). ((الاستذكار)) (1/478). ، والنَّوويُّ قال النَّوويُّ: (قد أجمع العلماءُ على استحباب وضعِها - يعني: اليد اليُسرى - عند الرُّكبة أو على الرُّكبة... ووضْع يدِه اليُمنى على فخِذه اليمنى، فمُجمَعٌ على استحبابه). ((شرح النووي على مسلم)) (5/81). ، وابنُ جُزَيٍّ قال ابنُ جُزي: (فأمَّا اليدان، فيجعلهما على فخِذيه اتِّفاقًا). ((القوانين الفقهية)) (1/46). ثالثًا: القياسُ على جلوسِ التشهُّدِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/354). رابعًا: أنَّ هذا ممَّا توارَثَه الخلَفُ عن السَّلَفِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/354)