الفرْعُ الأوَّلُ: ثناءُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ على أبي بَكرٍ رضي اللَّهُ عنهما
بايع المُسلِمون
أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه، وبايعه عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللَّهُ عنه وغيرُه من أهلِ البيتِ، وكان عليٌّ راضيًا بخلافةِ
الصِّدِّيقِ، وكان وزيرًا له وأحدَ المستشارين المقرَّبين إليه، وبعد موتِ
أبي بَكرٍ كان عليٌّ يقضي بقضاياه، ويستدِلُّ بأحكامِه
[936] يُنظر: ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص: 53)، ((مرآة العقول)) للمجلسي (ص: 388)، ((تلخيص الشافي)) للطوسي (ص: 354). .
1- قال عَليُّ بنُ أبي طالبٍ وهو يذْكُرُ بيعةَ
أبي بَكرٍ رضي اللَّهُ عنهما بَعد وفاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ مسارعةِ النَّاسِ لمبايعتِه: (فمَشَيتُ إلى
أبي بَكرٍ فبايَعتُه، ونهضْتُ في تلك الأحداثِ حتى زاغ الباطِلُ وزَهَق، وكانت كَلِمةُ اللَّهِ هي العُليا، ولو كره الكافِرون، فتولَّى
أبو بكرٍ تلك الأمورَ فيَسَّر، وسَدَّد وقارَب، واقتَصَد فصَحِبتُه مناصحًا، وأطَعْتُه فيما أطاع اللَّهَ فيه جاهِدًا)
[937] يُنظر: ((الغارات)) للثقفي (1/307) تحت عنوان (رسالة علي عليه السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمد بن أبي بَكرٍ). ويُنظر: ((منار الهدى)) لعلي البحراني (ص: 373)، ((ناسخ التواريخ)) للمرزا تقي خان (3/532). .
قال محمَّد حسين آل كاشِفِ الغِطاءِ: (حينَ رأى عليٌّ أنَّ الخليفةَ الأوَّلَ والثَّانيَ بذلَا أقصى الجُهدِ في نَشرِ كَلِمة التَّوحيدِ، وتجهيزِ الجُيوشِ، وتوسيعِ الفُتوحِ، ولم يستأثِروا ولم يستَبِدُّوا؛ بايع وسالَمَ)
[938] ((أصل الشيعة وأصولها)) (ص: 91). .
2- قال عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللَّهُ عنه في رسالةٍ أرسلها إلى أهلِ مِصرَ مع عامِلِه قيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادةَ الأنصاريِّ: (بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، من عبدِ اللَّهِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنين إلى مَن بلغه كتابي هذا من المُسلِمين، سلامٌ عليكم، فإنِّي أحمدُ اللَّهَ إليكم الذي لا إلهَ إلَّا هو. أمَّا بعدُ، فإنَّ اللَّهَ بحُسنِ صُنعِه وتقديرِه وتدبيرِه اختار الإسلامَ دينًا لنفسِه وملائكتِه ورسُلِه، وبعث به الرُّسُلَ إلى عبادِه، وخَصَّ من انتخَب من خَلقِه، فكان ممَّا أكرم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ به هذه الأمَّةَ وخَصَّهم به من الفضيلةِ أن بعث محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم، فعلَّمهم الكتابَ والحكمةَ والسُّنَّةَ والفرائضَ، وأدَّبهم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرَّقوا، وزكَّاهم لكيما يتطهَّروا، فلمَّا قضى من ذلك ما عليه قبضه اللَّهُ إليه، فعليه صلواتُ اللَّهِ وسلامُه ورحمتُه ورضوانُه، إنَّه حميدٌ مجيدٌ. ثمَّ إنَّ المُسلِمين من بعدِه استخلفوا امرأَينِ منهم صالحينِ، عَمِلا بالكتابِ، وأحسَنا السِّيرةَ، ولم يتعَدَّيا السُّنَّةَ، ثمَّ توفَّاهما اللَّهُ، فرحمهما اللَّهُ)
[939] يُنظر: ((الغارات)) للثقفي (1/210)، ومثله باختلاف يسير في ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد، و ((ناسخ التواريخ)) للمرزا تقي خان (3/241). .
3- عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللَّهُ عنه أنَّه قال وهو يذكُرُ خلافةَ
الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه وسيرتَه: (فاختار المُسلِمون بعده أي: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا منهم، فقارب وسدَّد بحسَبِ استطاعةٍ على خوفٍ وجِدٍّ)
[940] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) للميثم البحراني (ص: 400). .
4- جاء أبو سُفيانَ إلى عليٍّ فقال: وَلَّيتُم على هذا الأمرِ أذَلَّ بيتٍ في قريشٍ؟! أمَا واللَّهِ لئن شِئتُ لأملأنَّها على أبي فصيلٍ خيلًا ورَجِلًا، فقال عليٌّ عليه السَّلامُ: (طالما غشَشْتَ الإسلامَ وأهلَه، فما ضرَرْتَهم شيئًا، لا حاجة لنا إلى خيلِك ورَجِلِك، لولا أنَّا رأينا
أبا بكرٍ لها أهلًا لما تركْناه)
[941] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (1/130). .
وذَكَر المرتَضى أيضًا أنَّه لما جاء أبو سفيانَ إلى عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه بعدَ بيعةِ
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يحرِّضُه على معارضتِه، قال عليٌّ ردًّا عليه: (وَيحَك يا أبا سُفيانَ! هذه من دواهيك! وقد اجتمع النَّاسُ على
أبي بَكرٍ، ما زلتَ تبغي الإسلامَ عِوَجًا في الجاهليَّةِ!)
[942] ((الشافي)) (ص: 428). .
5- (عن أميرِ المُؤمِنين عليه السَّلامُ لمَّا قيل له: ألا توصي؟ فقال: ما أوصى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأُوصيَ، ولكِنْ إذا أراد اللَّهُ بالنَّاسِ خيرًا استجمعهم على خيرِهم كما جمَعَهم بعدَ نبيِّهم على خيرِهم)
[943] يُنظر: ((الشافي)) للمرتضى (ص: 171). .
6- عن جَعفَرِ بنِ محمَّدٍ عن أبيه (أنَّ رَجُلًا من قريشٍ جاء إلى أميرِ المُؤمِنين عليه السَّلامُ، فقال: سمعتُك تقولُ في الخُطبةِ آنِفًا: اللَّهمَّ أصلِحْنا بما أصلَحْتَ به الخُلَفاءَ الرَّاشِدين، فمَن هما؟ قال: حبيباي، وعمَّاك
أبو بَكرٍ وعُمَرُ، وإمامَا الهدى، وشيخَا الإسلامِ، ورجُلَا قريشٍ، والمقتدى بهما بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مَن اقتدى بهما عُصِم، ومن اتَّبع آثارَهما هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ)
[944] يُنظر: ((تلخيص الشافي)) للطوسي (2/428). .
7- أنَّ عليًّا أرسل إلى
معاويةَ بنِ أبي سفيانَ أميرِ الشَّامِ يقولُ له: (إنَّه بايعني القومُ الذين بايعوا
أبا بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ على ما بايعوهم عليه، فلم يكُنْ للشَّاهِدِ أن يختارَ، ولا للغائِبِ أن يَرُدَّ، وإنَّما الشُّورى للمُهاجِرين والأنصارِ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسَمَّوه إمامًا كان ذلك للهِ رِضًا، فإن خرج عن أمرِهم خارجٌ بطَعنٍ أو بدعةٍ رَدُّوه إلى ما خرَج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباعِه غيرَ سَبيلِ المُؤمِنين، وولَّاه اللَّهُ ما تولَّى)
[945] يُنظر: ((نهج البلاغة)) (ص: 366). .
ورُوِيَ أنَّه كتَب إلى
معاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رسالةً يُقِرُّ فيها بخلافةِ
الصِّدِّيقِ وأفضليَّتِه، ودعا له بعدَ موتِه بالمغفرةِ والإحسانِ؛ ففي الرِّسالةِ يقولُ عَليٌّ رَضيَ اللَّهُ عنه: (وذَكَرتَ أنَّ اللَّهَ اجتبى له من المُسلِمين أعوانًا أيَّدهم به، فكانوا في منازلهم عِندَه على قدرِ فَضائِلِهم في الإسلامِ كما زعَمْتَ، وأنصحُهم للهِ ولرسولِه الخليفةُ
الصِّدِّيقُ، وخليفةُ الخليفةِ الفاروقُ، ولَعَمري إنَّ مكانَهما في الإسلامِ لعظيمٌ، وإنَّ المصائبَ بهما لجُرحٌ في الإسلامِ شديدٌ، يرحمُهما اللَّهُ، وجزاهما اللَّهُ بأحسَنِ ما عَمِلا)
[946] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) للميثم البحراني (ص: 488). .
8- عن محمَّدٍ الباقِرِ أنَّ أسامةَ بنَ زيدٍ لمَّا أراد الخروجَ في الغزوةِ التي أمَّره عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مات رسولُ اللَّهِ، فدخل أسامةُ المدينةَ، فلمَّا رأى اجتماعَ النَّاسِ على
أبي بَكرٍ انطلق إلى عَليِّ بنِ أبي طالبٍ فسأله: هل بايَعْتَه؟ فقال عليٌّ: نعم
[947] يُنظر: ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص: 50). .
9- قال ابنُ أبي الحديدِ: (قام
أبو بكرٍ، فخَطَب النَّاسَ واعتذر إليهم وقال: إنَّ بيعتي كانت فَلتةً وقى اللَّهُ شَرَّها، وخَشِيتُ الفتنةَ، وايمُ اللَّهِ ما حرصتُ عليها يومًا قطُّ، ولقد قُلِّدتُ أمرًا عظيمًا ما لي به طاقةٌ ولا يدانِ، ولودِدتُ أنَّ أقوى النَّاسِ عليه مكاني، وجَعَل يعتذِرُ إليهم، فقَبِل المهاجرون عُذرَه، وقال عليٌّ و
الزُّبيرُ: ما غَضِبْنا إلَّا في المشورةِ، وإنَّا لنرى
أبا بكرٍ أحَقُّ النَّاسِ بها، إنَّه لصاحِبُ الغارِ، وإنَّا لنعرِفُ له سِنَّه، ولقد أمَرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّلاةِ بالنَّاسِ وهو حيٌّ)
[948] ((شرح نهج البلاغة)) (1/132). .
وأورد ابنُ أبي الحديدِ روايةً أُخرى عن عبدِ اللَّهِ بنِ أبي أَوفى قال: (كان خالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ من عمَّالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على اليمَنِ، فلمَّا قُبِض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاء المدينةَ وقد بايع النَّاسُ
أبا بكرٍ، فاحتبس عن
أبي بَكرٍ فلم يبايِعْه أيَّامًا، وقد بايع النَّاسُ، وأتى بني هاشمٍ فقال: أنتم الظَّهرُ والبَطنُ، والشِّعارُ دونَ الدِّثارِ، والعصا دون اللَّحا، فإذا رضيتُم رَضينا، وإذا سَخِطتُم سَخِطْنا، حدِّثوني إن كنتُم قد بايعتُم هذا الرَّجُلَ، قالوا: نعم، قال: على بَردٍ ورِضًا من جماعتِكم؟! قالوا: نعم، قال: فأنا أرضى وأبايِعُ إذ بايعتُم، أمَا واللَّهِ يا بني هاشمٍ، إنَّكم الطِّوالُ الشَّجَرِ، الطَّيِّبو الثَّمَرِ، ثمَّ إنَّه بايَع
أبا بكرٍ)
[949] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) (1/134). .
10- كان عليٌّ ممن يستشيرُهم
أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
قال المؤرِّخُ الشِّيعيُّ اليعقوبيُّ في تاريخِه: (أراد
أبو بكرٍ أن يغزوَ الرُّومَ، فشاور جماعةً من أصحابِ رسولِ اللَّهِ، فقَدَّموا وأخَّروا، فاستشار عَليَّ بنَ أبي طالبٍ فأشار أن يفعَلَ، فقال: إن فعَلْتَ ظَفِرتَ، فقال: بشَّرتَ بخيرٍ! فقام
أبو بكرٍ في النَّاسِ خطيبًا، وأمرهم أن يتجَهَّزوا إلى الرُّومِ)
[950] ((تاريخ اليعقوبي)) (ص: 132). .
11- ذَكَر الشِّيعيُّ محمَّدُ بنُ النُّعمانِ العُكبَريُّ -الملقَّبُ بالشَّيخِ المفيدِ- قضايا عليٍّ في خلافةِ
أبي بَكرٍ رضي اللَّهُ عنهما، ومنها: (أنَّ رجُلًا رُفعَ إلى
أبي بَكرٍ وقد شَرِب الخمرَ، فأراد أن يقيمَ عليه الحَدَّ، فقال له: إني شربتُها ولا عِلمَ لي بتحريمِها؛ لأني نشأتُ بَيْنَ قومٍ يستحِلُّونها، ولم أعلَمْ بتحريمِها حتى الآن، فأُرتِجَ على
أبي بَكرٍ الأمرُ بالحُكمِ عليه، ولم يعلَمْ وَجهَ القضاءِ فيه، فأشار عليه بعضُ مَن حضر أن يستخبرَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ عن الحُكمِ في ذلك، فأرسل إليه مَن سأله عنه، فقال أميرُ المُؤمِنين: مُرْ رجلينِ ثِقَتين من المُسلِمين يطوفانِ به على مجالِسِ المهاجِرين والأنصارِ ويناشِدانِهم هل فيهم أحدٌ تلا عليه آيةَ التَّحريمِ أو أخبره بذلك عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فإن شَهِد بذلك رجُلانِ منهم فأقِمِ الحَدَّ عليه، وإن لم يشهَدْ أحدٌ بذلك فاستَتِبْه وخلِّ سبيلَه، ففَعَل ذلك
أبو بكرٍ، فلم يشهَدْ أحدٌ من المهاجرين والأنصارِ أنَّه تلا عليه آيةَ التَّحريمِ، ولا أخبره عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، فاستتابه
أبو بكرٍ، وخلَّى سبيلَه، وسلَّم لعليٍّ عليه السَّلامُ في القضاءِ به)
[951] ((الإرشاد)) (ص: 107). .
12- كان عليٌّ يَقبَلُ عطايا
أبي بَكرٍ وهداياه، ومن ذلك أنَّه قَبِل الجاريةَ الصَّهباءَ التي سُبِيَت في معركةِ عينِ التَّمرِ، وولَدَت له عُمَرَ ورُقيَّةَ، قال ابنُ أبي الحديدِ: (وأمَّا عُمَرُ ورُقيَّةُ فإنَّهما من سَبِيَّةٍ من تغلِبَ يُقالُ لها: الصَّهباءُ، سُبِيَت في خلافةِ
أبي بَكرٍ وإمارةِ
خالِدِ بنِ الوليدِ بعينِ التَّمرِ)
[952] ((شرح نهج البلاغة)) (2/718). .
وأيضًا منَحَه
الصِّدِّيقُ خولةَ بنتَ جَعفَرِ بنِ قَيسٍ، وهي من سَبيِ بني حنيفةَ المرتدِّين، وولَدَت له أفضَلَ أولادِه بعدَ الحَسَنينِ:
محمَّدَ بنَ الحنفيَّةِ [953] يُنظر: ((عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)) لابن عنبة (ص: 352)، ((حق اليقين)) للمجلسي (ص: 213). .
وقد ورَدَت عدَّةُ رواياتٍ أُخرى في قَبولِ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنه هو وأولادِه الهدايا الماليَّةَ والخُمسَ وأموالَ الفَيءِ من
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما
[954] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (4/118). .