المَطلَبُ الأوَّلُ: دُخولُ الإيمانِ بالأئِمَّةِ في مَفهومِ الإيمانِ
أدخَل الشِّيعةُ الإماميَّةُ الإيمانَ بالأئِمَّةِ الاثنَي عَشَر في مُسَمَّى الإيمانِ
[1489] نسب أبو الحَسَنِ الأشعريُّ هذا المذهَبَ إلى جمهورِ الرَّافضةِ. يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/125). ، بل جَعَلوه هو الإيمانَ بعَينِه، فجاءَ في أُصولِ الكافي: (الإسلامُ هو الظَّاهرُ الذي عليه النَّاسُ: شَهادةُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، ثُمَّ ذَكرَ بَقيَّةَ أركانِ الإسلامِ، ثُمَّ قال: (الإيمانُ مَعرِفةُ هذا الأمرِ
[1490] يعني: معرفةَ الأئمَّةِ والاعترافَ بأئمَّتِهم وما يلزَمُ على ذلك بزعمِهم من اعتقادِ عِصمتِهم وغيرِ ذلك. مَعَ هذا، فإن أقَرَّ بها ولم يعرِفْ هذا الأمرَ كان مُسلِمًا، وكان ضالًّا)
[1491] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (2/24). .
ويقولونَ بأنَّ الثَّوابَ في الآخِرةِ ليس على الإسلامِ، إنَّما هو على الإيمانِ، وعَقد لذلك صاحِبُ الكافي بابًا بعنوانِ: (بابُ أنَّ الإسلامَ يُحقَنُ به الدَّمُ، وأنَّ الثَّوابَ على الإيمانِ)
[1492] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (2/24). .
ويُفَسِّرون قولَ اللهِ سُبحانَه:
قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة: 136-137] بما يروونَه عن أبي جَعفرٍ قال: (إنَّما عنى بذلك عَليًّا و
الحَسَنَ والحُسَينَ و
فاطِمةَ، وجَرت بَعدَهم في الأئِمَّةِ، ثُمَّ يرجِعُ القَولُ مِنَ اللهِ في النَّاسِ، فقال:
فَإِنْ آمَنُوا يعني النَّاسَ
بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ يعني عَليًّا و
فاطِمةَ و
الحَسَنَ والحُسَينَ والأئِمَّةَ مِن بَعدِهم،
فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)
[1493] يُنظر: ((تفسير العياشي)) (1/62). .
قال ابنُ المُطَهَّرِ الحليُّ: (إنَّ مَسألةَ الإمامةِ هي أحَدُ أركانِ الإيمانِ المُستَحَقِّ بسَبَبِه الخُلودُ في الجِنانِ، والتَّخَلُّصِ مِن غَضَبِ الرَّحمَنِ)
[1494] ((منهاج الكرامة في معرفة الإمامة)) (ص: 1). .
وقال مُحَمَّد جَواد العامِليُّ: (الإيمانُ عِندَنا إنَّما يتَحَقَّقُ بالاعتِرافِ بإمامةِ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ عليهم السَّلامُ، إلَّا مَن ماتَ في عَهدِ أحَدِهم، فلا يُشتَرَطُ في إيمانِه إلَّا مَعرِفةُ إمامِ زَمانِه ومَنْ قَبلَه)
[1495] ((مفتاح الكرامة)) (2/80). .
وقال أمير مُحَمَّد القَزوينيُّ: (إنَّ مَن يكفُرْ بوِلايةِ عليٍّ وإمامَتِه رَضِيَ اللهُ عنه فقد أسقَطَ الإيمانَ مِن حِسابِه، وأحبَطَ بذلك عَمَلَه)
[1496] ((الشيعة في عقائدهم وأحكامهم)) (ص: 24). .
وبمُقتَضى هذا الإيمانِ المَطلوبِ لدى الشِّيعةِ الاثنَي عَشريَّة ذَكروا شَهادةً ثالثةً، هي شِعارُ هذا الإيمانِ، وهي قَولُهم: (أشهَدُ أنَّ عَليًّا وليُّ اللهِ، يُرَدِّدونَها في أذانِهم وبَعدَ صَلاتِهم، ويُلقِّنونَها مَوتاهم.
وعَقدَ الحُرُّ العامِليُّ بابًا بعُنوانِ (بابُ استِحبابِ الشَّهادَتَينِ والإقرارِ بالأئِمَّةِ بَعدَ كُلِّ صَلاةِ)
[1497] يُنظر: ((وسائل الشيعة)) (4/1038). .
وجاءَ في أخبارِهم عن أبي بَصيرٍ عن أبي جَعفرٍ قال: (لقِّنوا مَوتاكم عِندَ المَوتِ شَهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ والوِلايةَ)
[1498] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/34). .
وعن زُرارةَ عن أبي جَعفرٍ قال: (لو أدرَكتُ عِكرِمةَ عِندَ المَوتِ لنَفعتُه، فقيل ل
أبي عَبدِ اللهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ عليه السَّلامُ: بماذا كان ينفعُه؟ قال: (يُلقِّنُه ما أنتم عليه)
[1499] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/34). .
ويستَحِبُّونَ أنَّ يُلقِّنوا المَيِّتَ هذه الشَّهادةَ عِندَ إدخالِه للقَبرِ
[1500] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/53). ، وعِندَ انصِرافِ النَّاسِ عنه، وبَوَّبَ بَعضُهم لذلك فقال: (بابُ استِحبابِ تَلقينِ الوليِّ المَيِّتَ الشَّهادَتَينِ والإقرارَ بالأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ بأسمائِهم بَعدَ انصِرافِ النَّاسِ)
[1501] يُنظر: ((وسائل الشيعة)) للعاملي (2/862). ، وساق في ذلك جُملةً مِن رِواياتِهم.
وهذه الشَّهادةُ الجَديدةُ هي إقرارٌ بمَسألةِ الإمامةِ التي يرى ابنُ المُطَهَّرِ أنَّها (أهَمُّ المَطالبِ في أحكامِ الدِّينِ، وأشرَفُ مَسائِلِ المُسلمينَ)
[1502] ((منهاج الكرامة)) (ص: 1). !
والحَقُّ أنَّه لم يأتِ ذلك في القُرآنِ ولا ثَبتَ في السُّنَّةِ شَيءٌ منه
[1503] يُنظر: ((منهاج السنة) لابن تَيميَّةَ (1/20) وما بعدها. ؛ فالقَولُ بأنَّ الإمامةَ أهَمُّ مَطالبِ الدِّينِ غَيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّه مِنَ المَعلومِ مِنَ الدِّينِ بالضَّرورةِ أنَّ الإيمانَ باللهِ ورَسولِه أهَمُّ مِن مَسألةِ الإمامةِ
[1504] يُنظر: ((منهاج السنة)) لابن تَيميَّةَ (1/20، 31). .