المَطلَبُ الثَّاني: نَشأةُ فِرقةِ الإسماعيليَّةِ
تَعَدَّدَت حَولَ نَشأةِ هذه الفِرقةِ آراءُ الباحِثينَ واختَلَفَت، ولَكِنْ مُعظَمُ المُؤَرِّخينَ وكُتَّابِ الفِرَقِ والمَقالاتِ من سُنَّةٍ وشيعةٍ إماميَّةٍ ذَهَبوا إلى أنَّ فِرقةَ الإسماعيليَّةِ نَشأت ثُمَّ ظَهَرَت وانتَشَرَت بَعدَ وفاةِ
جَعفَرٍ الصَّادِقِ سَنة 148ه، وأنَّ جُذورَها الفِكريَّةَ سَبَقَت هذا التَّاريخَ من غَيرِ تَحديدٍ لسَنةٍ بعَينِها، والشِّيعةُ إماميَّةً كانوا أو باطِنيَّةً مُجتَمِعونَ على القَولِ بإمامةِ
جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وحينَما توفِّيَ تَفَرَّقَتِ الشِّيعةُ الإماميَّةُ إلى فِرَقٍ عَديدةٍ، وهي بمُجمَلِها تَرجِعُ إلى أربَعِ فِرَقٍ، هي:
1- الجَعفَريَّةُ الواقِفةُ: وهم الذين وقَفوا على إمامةِ
جَعفَرٍ وما ساقوا الإمامةَ في أحَدٍ من أولادِه وزَعَموا رَجَعتَه بَعدَ مَوتِه؛ ولذا سُمُّوا بالجَعفَريَّةِ نِسبةً إليه، وبالواقِفةِ نِسبةً إلى تَوَقُّفِهم في إمامةِ مَن بَعدَه.
2- فِرقةٌ صَغيرةٌ قالوا: بإمامةِ أكبَرِ أولادِ
جَعفَرٍ، وهو عبدُ اللهِ المُلَقَّبُ بالأفطَحِ، وسُمُّوا بالأفطحيَّةِ نِسبةً إليه، وزَعَموا عن
جَعفَرٍ أنَّه قال: "الإمامةُ في أكبَرِ أولادِ الإمامِ"، وأنَّه قال: "الإمامُ مَن يَجلِسُ مَجلِسي" وهو الذي جَلَسَ مَجلِسَه.
ولكِنَّ هذه الفِرقةَ تَلاشَت واضمَحَلَّت نَتيجةَ امتِحانٍ لعَبدِ اللَّهِ في بَعضِ المَسائِلِ التي لم يَجِدوا لَدَيه عِلمًا بها، فانصَرَفوا إلى أخيه
موسى الكاظِمِ، ومَعَ ذلك ما عاشَ بَعدَ أبيه إلَّا سَبعينَ يَومًا، وماتَ ولم يُعقِبْ وَلَدًا ذَكَرًا.
3- فِرقةٌ قالوا: إنَّ الإمامَ بَعدَ
جَعفَرٍ ابنُه إسماعيلُ، وإنَّه نَصَّ عليه في حَياتِه باتِّفاقٍ من أولادِه، وإنَّ الإمامةَ ظَلَّت في أبنائِه من بَعدِه على اختِلافٍ بَينَهم في مَوتِه في حَياةِ أبيه أو بَعدَه. ومن هؤلاء بَقيَ القائِلونَ بإمامةِ إسماعيلَ، وبَعدَ مَوتِه انتَقَلَت لابنِه مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ، وبَعدَهما انتَقَلَتِ الإمامةُ إلى الأئِمَّةِ المَستورينَ ثُمَّ الظَّاهِرينَ القائِمينَ بَعدَهم، وتلك الطَّائِفةُ تَمَثِّلُ الباطِنيَّةَ بفِرَقِها المُتَعَدِّدةِ.
4- فِرقة قالوا: إنَّ الإمامَ بَعدَ
جَعفَرٍ ابنُه
موسى الكاظِمُ، وساقوا الإمامةَ بَعدَه في أولادِه حتَّى الحَسَنِ العَسكَريِّ الحاديَ عَشَرَ، ثُمَّ ابنِه مُحَمَّدٍ القائِمِ المُنتَظَرِ الذي اختَفى في السِّردابِ بسُرَّ مَن رَأى، وهو الإمامُ الثَّاني عَشَرَ، وهؤلاء يُسَمَّونَ الإماميَّةَ الاثنَي عَشريَّةِ
[2758] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/165-169)، ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 46)، ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 78-89). .
أمَّا الفِرقَتانِ الأُوليانِ فقدِ انتَهَتا وانضَمَّ أتباعُهما إمَّا إلى الإماميَّةِ الاثنَي عَشريَّةِ، وإمَّا إلى الشِّيعةِ الإسماعيليَّةِ، فلَم يَبقَ مِنَ الفِرَقِ بَعدَ
جَعفَرٍ الصَّادِقِ سِوى هاتَينِ الفِرقَتَينِ الكَبيرَتَينِ اللَّتَينِ تُمَثِّلانِ الشِّيعةَ إلى يَومِنا هذا، وما ظَهَرَ مِنَ الفَرقِ بَعدَ ذلك يَندَرِجُ تَحتَ إحداهما سوى الزَّيديَّةِ الذين لهم كِيانٌ مُستَقِلٌّ، وهم أخَفُّ غُلوًّا من هاتَينِ الفِرقَتَينِ. وعلى هذا فلم تَظهَرْ فِرقةُ الإسماعيليَّةِ ويُصبِحْ لها أتباعٌ مُتَمَيِّزونَ وإمامٌ يَخُصُّهم إلَّا بَعدَ مَوتِ
جَعفَرٍ الصَّادِقِ وانتِقالِ الإمامةِ إلى إسماعيلَ وعَقِبِه مِن بَعدِه بزَعمِهم
[2759] يُنظر: ((أصول الإسماعيلية)) للسلومي (ص: 206، 207). .