المَبحَثُ الثَّامِنُ: أقوالُ العُلَماءِ في شَأنِ القَرامِطةِ
قال
الجَصَّاصُ: (وأمَّا قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَديثِ بُرَيدةَ، وحَديثِ
ابنِ عَبَّاسٍ: "قاتَلوا مَن كفَرَ باللهِ"
[3200] حديث بريدة: أخرجه مسلم (1731) ولفظه: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ، أو سَرِيَّةٍ، أوصاه في خاصَّتِه بتقوى اللهِ، ومَن معه مِن المُسلِمينَ خَيرًا، ثمَّ قال: ((اغزُوا باسمِ اللهِ في سبيلِ اللهِ، قاتِلوا مَن كَفَر باللهِ، اغزُوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِروا، ولا تَمْثُلوا، ولا تَقتُلوا وليدًا...). وحَديثُ ابن عَبَّاس: أخرجه أحمد (2728)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (6135) واللفظ له، والبيهقي (18618). قال الطَّحاويُّ: مَدارُه على إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ بنِ أبي حَبيبةَ الأشهَليِّ، وقال ابنُ حَجَرٍ في ((التلخيص الحبير)) (4/1436)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (8/72): في إسنادِه إبراهيمُ بنُ إسماعيلَ بنِ أبي حَبيبةَ، وهو ضَعيفٌ. فإنَّه يَدُلُّ على وُجوبِ قِتالِ جَميعِ أصنافِ الكُفَّارِ وقَتلِهم، وأنَّ أحَدًا منهم لا يُقَرُّ على ما هو عليه مِنَ الكُفرِ إلَّا بالجِزيةِ مِمَّن يَجوزُ أخذُ الجِزيةِ منهم، وإلَّا فالإسلامُ أوِ السَّيفُ، كنَحوِ مَن يُعطي الإقرارَ بجُملةِ التَّوحيدِ وتَصديقِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويَنقُضُه برَدِّ النُّصوصِ، مِثلُ القَرامِطةِ المُتَسَمِّيةِ بالباطِنيَّةِ؛ فإنَّ استِحقاقَ القَتلِ لا يَزولُ عنهم بزَعمِهم أنَّهم مُقِرُّونَ بجُملةِ التَّوحيدِ والنُّبوَّةِ؛ لأنَّهم يَنقُضونَ ذلك في الحالِ بقَولِهم: إنَّ للشَّريعةِ باطِنًا مُرادًا غَيرَ ما نَقَلَته الأمَّةُ، وكذلك أشباهُهم من سائِرِ المُلحِدينَ.
ويَدُلُّ عليه أيضًا: شَرطُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَديثِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه الإقرارَ بما جاءَ به من عِندِ اللهِ تَعالى
[3201] أخرجه مسلم (2405) عن أبي هُرَيرة، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ يَومَ خَيْبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَه، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْه)) قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ما أحْبَبْتُ الإمَارةَ إلَّا يَومَئذٍ، قالَ: فَتَسَاوَرْتُ لها رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لها، قالَ فَدَعَا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فأعْطَاه إيَّاها، وقال: ((امْشِ، ولا تَلتَفِتْ، حتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عليك)) قالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شيئًا، ثُمَّ وَقَفَ ولم يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يا رَسولَ اللهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ؟ قال: ((قَاتِلْهم حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فَعَلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دِمَاءَهم وأموَالَهم إلَّا بحَقِّها، وَحِسَابُهم على اللَّهِ)) ، مَعَ ما تَقدَّمَ مِنَ الإقرارِ بالتَّوحيدِ، وتَصديقِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ هذه الطَّوائِفَ مِنَ المُلحِدينَ غَيرُ مُقِرِّينَ بما جاءَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عِندِ اللهِ، لرَدِّهم الشَّريعةَ المَنصوصَ عليها... والذي عِندي من مَذهَبِ
أبي حَنيفةَ: أنَّ هذه الفِرقةَ -أعني القَرامِطةِ المُتَسَمِّيةَ بالباطِنيَّةِ- لا تُقبَلُ منهم التَّوبةُ بَعدَ أن وُقِفَ على اعتِقادِ الواحِدِ منهم، وأنَّه مُباحُ الدَّمِ بذلك؛ لأنَّ
أبا حَنيفةَ قد كان قال في السَّاحِرِ: إنَّه لا يُستَتابُ، واعتَلَّ في ذلك بأنَّه جَمَعَ إلى الكُفرِ السَّعيَ في الأرضِ بالفَسادِ، وفَسادُ هذه الطَّائِفةِ في الأرضِ على المِلَّةِ والنُّفوسِ أعظَمُ من فسادِ السَّاحِرِ. وإنَّما لم يَتَكَلَّمْ أصحابُنا في حُكمِ هذه الطَّائِفةِ وغَيرِهم مِنَ المُلحِدينَ؛ لأنَّهم لم يَكونوا حَدَثوا في ذلك الزَّمانِ، وإنَّما حَدَثوا بَعدَهم، فأرَدنا أن نُبَيِّنَ حُكمَهم)
[3202] ((شرح مختصر الطحاوي)) (7/ 41- 43). .
وقال
ابنُ حَزمٍ في سياقِ حَديثِه عن الحَرَمِ المَكِّيِّ: (وجَدْنا القَرامِطةَ الكَفَرةَ -لَعَنَهم اللهُ- قد قَتَلوا فيه أهلَ الإسلامِ...)
[3203] ((المحلى)) (11/ 147). .
وقال أيضًا: (وأمَّا مَن سَكَنَ في أرضِ القَرامِطةِ مُختارًا فكافِرٌ بلا شَكّ؛ لأنَّهم مُعلِنونَ بالكُفرِ وتَركِ الإسلامِ، ونعوذُ باللهِ من ذلك)
[3204] ((المحلى)) (12/ 126). .
وقال القاضي عِياضٌ: (فصلٌ في بَيانِ ما هو مِنَ المَقالاتِ كُفرٌ وما يُتَوَقَّفُ أو يُختَلَفُ فيه وما ليس بكُفرٍ. اعلَمْ أنَّ تَحقيقَ هذا الفَصلِ وكَشفَ اللَّبسِ فيه مَورِدُه الشَّرعُ، ولا مَجالَ للعَقلِ فيه. والفَصلُ البَيِّنُ في هذا أنَّ كُلَّ مَقالةٍ صَرَّحَت بنَفيِ الرُّبوبيَّةِ أوِ الوَحدانيَّةِ أو عِبادةِ أحَدٍ غَيرِ اللهِ أو مَعَ اللهِ فهي كُفرٌ كمَقالةِ الدَّهريَّةِ وسائِرِ فِرَقِ أصحابِ الاثنَينِ مِنَ الدِّيصانيَّةِ والمانَويَّةِ وأشباهِهم مِنَ الصَّابِئينَ والنَّصارى والمَجوسِ والذين أشرَكوا بعِبادةِ الأوثانِ أوِ المَلائِكةِ أوِ الشَّياطينِ أوِ الشَّمسِ أوِ النُّجومِ أوِ النَّارِ أو أحَدٍ غَيرِ اللهِ، من مُشرِكي العَرَبِ وأهلِ الهِندِ والصِّينِ والسُّودانِ وغَيرِهم مِمَّن لا يَرجِعُ إلى كِتابٍ، وكَذلك القَرامِطةُ وأصحابُ الحُلولِ والتَّناسُخِ مِنَ الباطِنيَّةِ والطَّيَّارةِ مِنَ الرَّوافِضِ... وكَذلك مَنَّ ادَّعى مُجالَسةَ اللَّهِ والعُروجَ إليه ومُكالَمَتَه أو حُلولَه في أحَدِ الأشخاصِ، كقَولِ بَعضِ المُتَصَوِّفةِ والباطِنيَّةِ النَّصارى والقَرامِطةِ، وكَذلك نَقطَعُ على كُفرِ مَن قال بقِدَمِ العالَمِ أو بَقائِه أو شَكَّ في ذلك على مَذهَبِ بَعضِ الفَلاسِفةِ والدَّهريَّةِ، أو قال بتَناسُخِ الأرواحِ وانتِقالِها أبَدَ الآبادِ في الأشخاصِ وتَعذيبِها أو تَنَعُّمِها فيها بحَسَبِ زَكائِها وخُبثِها، وكَذلك مَن اعتَرَفَ بالإلَهيَّةِ والوَحدانيَّةِ ولَكِنَّه جَحَدَ النُّبوَّةَ من أصلِها عُمومًا أو نُبوَّةَ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُصوصًا أو أحَدٍ مِنَ الأنبياءِ الذين نَصَّ اللهُ عليهم بَعدَ عِلمِه بذلك فهو كافِرٌ بلا رَيبٍ، كالبَراهِمةِ ومُعظَمِ اليَهودِ والأروسيَّةِ مِنَ النَّصارى والغرابيَّةِ من الرَّوافِضِ الزَّاعِمينَ أنَّ عَليًّا كان المَبعوثَ إليه جِبريلُ، وكالمُعَطِّلةِ والقَرامِطةِ والإسماعيليَّةِ والعَنبَريَّةِ مِنَ الرَّافِضةِ، وإن كان بَعضُ هؤلاء قد أشرَكوا في كُفرٍ آخَرَ مَعَ مَن قَبلَهم)
[3205] ((الشفا)) (2/ 283، 284). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا هؤلاء القَرامِطةُ فإنَّهم في الباطِنِ كافِرونَ بجَميعِ الكُتُبِ والرُّسُلِ، يُخفونَ ذلك ويَكتُمونَه عن غَيرِ مَن يَثِقونَ به، لا يُظهِرونَه كما يُظهِرُ أهلُ الكِتابِ دينَهم؛ لأنَّهم لَو أظهَروه لَنَفَرَ عنهم جَماهيرُ أهلِ الأرضِ مِنَ المُسلِمينَ وغَيرِهم، وهم يُفَرِّقونَ بَينَ مَقالتِهم ومَقالةِ الجُمهورِ، بل الرَّافِضةُ الذين ليسوا زَنادِقةً كُفَّارًا يُفَرِّقونَ بَينَ مَقالتِها ومَقالةِ الجُمهورِ، ويَرَونَ كِتمانَ مَذهَبِهم واستِعمالَ التَّقيَّةِ، وقد لا يَكونُ مِنَ الرَّافِضةِ مَن له نَسَبٌ صَحيحٌ مُسلِمًا في الباطِنِ ولا يَكونُ زِنديقًا، لَكِن يَكونُ جاهِلًا مُبتَدِعًا. وإذا كان هؤلاء مَعَ صِحَّةِ نَسَبِهم وإسلامِهم يَكتُمونَ ما هم عليه مِنَ البِدعةِ والهَوى لَكِنَّ جُمهورَ النَّاسِ يُخالِفونَهم، فكَيفَ بالقَرامِطةِ الباطِنيَّةِ الذين يُكَفِّرُهم أهلُ المِلَلِ كُلِّها مِنَ المُسلِمينَ واليَهودِ والنَّصارى؟)
[3206] ((مجموع الفتاوى)) (35/141). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (القَرامِطةُ أكفَرُ مِنَ الاتِّحاديَّةِ بكَثيرٍ)
[3207] ((مجموع الفتاوى)) (35/144). .
وقال أيضًا: (هؤلاء يَشهَدُ عُلَماءُ الأمَّةِ وأئِمَّتُها وجَماهيرُها أنَّهم كانوا مُنافِقينَ زَنادِقةً يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ الكُفرَ)
[3208] ((مجموع الفتاوى)) (35/128). .
وقال أيضًا: (والقَرامِطةُ الخارِجونَ بأرضِ العِراقِ الذين كانوا سَلَفًا لهؤلاء القَرامِطةِ ذَهَبوا مِنَ العِراقِ إلى المَغرِبِ، ثُمَّ جاؤوا مِنَ المَغرِبِ إلى مِصرَ، فإنَّ كُفرَ هؤلاء ورِدَّتَهم من أعظَمِ الكُفرِ والرِّدَّةِ، وهم أعظَمُ كُفرًا ورِدَّةً مِن كُفرِ أتباعِ مُسَيلِمةَ الكَذَّابِ ونَحوِه مِنَ الكَذَّابينَ)
[3209] ((مجموع الفتاوى)) (35/139). .
وقال مُبَيِّنًا كُفرَ فِرَقِ الباطِنيَّةِ كالنُّصَيريَّةِ والقَرامِطةِ: (وهؤلاء القَومُ المُسَمَّونَ بالنُّصَيريَّةِ، وسائِرُ أصنافِ القَرامِطةِ الباطِنيَّةِ أكفَرُ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى، بل وأكفَرُ من كثيرٍ مِنَ المُشرِكينَ)
[3210] ((مجموع الفتاوى)) (35/149). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ومِن شَرِّ طَوائِفِ المَجوسِ الذين لا يُقِرُّونَ بصانِعٍ ولا مَعادٍ ولا حَلالٍ ولا حَرامٍ: الخُرَّمِيَّةُ أصحابُ بابِكَ الخُرَّمِيِّ، وعلى مَذهَبِهم طَوائِفُ القَرامِطةِ والإسماعيليَّةِ والنُّصَيريَّةِ والدُّرزيَّةِ، وسائِرِ العُبَيديَّةِ الذين يُسَمُّونَ أنفُسَهم الفاطِميَّةَ، وهم مِن أكفَرِ الكُفَّارِ، وهؤلاء لا يَتَقَيَّدونَ بدينٍ من دياناتِ العالَمِ، ولا بشَريعةٍ مِنَ الشَّرائِعِ)
[3211] ((إغاثة اللهفان)) (2/247). .
وقال
ابنُ كثيرٍ في ذِكرِ إلحادِ القَرامِطةِ في الحَرَمِ المَكِّيِّ: (وقد ألحَدَ هذا اللَّعينُ في المَسجِدِ الحَرامِ إلحادًا لم يَسبِقْه إليه أحَدٌ ولا يَلحَقُه فيه... وإنَّما حَمَلَ هؤلاء على هذا الصَّنيعِ أنَّهم كانوا كُفَّارًا زَنادِقةً)
[3212] ((البداية والنهاية)) (15/ 39). .
وقال
مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (المَجوسُ أمَّةٌ تُعظِّمُ الأنوارَ والنِّيرانَ والماءَ والأرضَ، ويُقِرُّونَ بنُبوَّةِ زَرادُشْتَ، ولهم شَرائِعُ يَصيرونَ إليها. وهم فِرَقٌ شَتَّى: منهم المَزدكيَّةُ أصحابُ مَزدَك الموبذ. والموبذُ عِندَهم: العالِمُ القُدوةُ، وهؤلاء يَرَونَ الاشتِراكَ في النِّساءِ والمَكاسِبِ كما يُشتَرَكُ في الهَواءِ والطُّرُقِ وغَيرِها.
ومنهم الخُرَّمِيَّةُ: أصحابُ بابِكَ الخُرَّميِّ، وهم شَرُّ طَوائِفهم، لا يُقِرُّونَ بصانِعٍ ولا مَعادٍ ولا نُبوَّةٍ ولا حَلالٍ ولا حَرامٍ. وعلى مَذهَبِهم طَوائِفُ القَرامِطةِ والإسماعيليَّةِ والنُّصَيريَّةِ والكَيسانيَّةِ والزراريَّةِ والحاكِميَّةِ، وسائِرِ العُبَيديَّةِ الذين يُسَمُّونَ أنفُسَهم "الفاطِميَّةَ"، فكُلُّ هؤلاء يَجمَعُهم هذا المَذهَبُ، ويَتَفاوَتونَ في التَّفصيلِ؛ فالمَجوسُ شُيوخُ هؤلاء كُلِّهم وأئِمَّتُهم وقُدوَتُهم، وإن كان المَجوسُ قد يَتَقَيَّدونَ بأصلِ دينِهم ومَذهَبِهم، وهؤلاء لا يَتَقَيَّدونَ بدينٍ من دياناتِ العالَمِ ولا شَريعةٍ من شَرائِعِه)
[3213] يُنظر: ((المسائلُ التي خالف فيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ الجاهليَّةِ)) (ص: 120-122). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (اعلَمْ أنَّ بَقايا المَجوسِ، وطَوائِفَ الشِّركِ والإلحادِ لَمَّا ظَهَرَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ وقَهَرَتْهم الدَّولةُ الإيمانيَّةُ والمِلَّةُ المُحَمَّديَّةُ، ولم يَجِدوا سَبيلًا إلى دَفعِها بالسَّيفِ ولا بالسِّنانِ، ولا بالحُجَّةِ والبُرهانِ، سَتَروا ما هم فيه مِنَ الإلحادِ والزَّندَقةِ بحيلةٍ تَقبلُها الأذهانُ وتُذعِنُ لها العُقولُ. فانتَمَوا إلى أهلِ البَيتِ المُطَهَّرينَ، وأظهَروا مَحَبَّتَهم وموالاتَهم كَذِبًا وافتِراءً، وهم في الباطِنِ أعظَمُ أعدائِهم، وأكبَرُ المُخالِفينَ لهم، ثُمَّ كذَبوا على أكابِرهم الجامِعينَ بَينَ العِلمِ والدِّينِ المَشهورينَ بالصَّلاحِ والرُّشدِ، فقالوا: قال الإمامُ فلانٌ كذا، وقال الإمامُ فلانٌ كذا، وجَذَبوا جَماعةً مِنَ العامَّةِ الذين لا يَفهَمونَ ولا يَعقِلونَ، فتَدرَّجوا مَعَهم بدَعَواتٍ مَعروفةٍ، وسياساتٍ شَيطانيَّةٍ. وما زالوا يَنقُلونَهم من رُتبةٍ إلى رُتبةٍ، ومِن دَرَجةٍ إلى دَرَجةٍ حتَّى أخرَجوهم إلى الكُفرِ البَواحِ، والزَّندَقةِ المَحضةِ، والإلحادِ الصُّراحِ... أرسَلَ مَيمونٌ القدَّاحُ رَجُلًا أصلُه مِنَ اليَمَنِ يُقالُ له أبو عَبدِ اللَّهِ الدَّاعي إلى بلادِ المَغرِبِ، فبَثَّ الدَّعوةَ هنالك، وتَلَقَّاها رِجالٌ من أهلِ المَغرِبِ من قَبيلةِ كتامةَ وغَيرِهم مِنَ البَربَرِ فظَهَرَت هنالك دَولةٌ قَويَّةٌ. ولم يُتمَّ لهم ذلك إلَّا بإدخالِ أنفُسِهم في النَّسَبِ الشَّريفِ العَلَويِّ الفاطِميِّ. ثُمَّ طالَت ذُيولُ هذه الدَّولةِ المُؤَسَّسةِ على الإلحادِ، واستَولَت على مِصرَ ثُمَّ الشَّامِ ثُمَّ الحَرَمَينِ في كثيرٍ مِنَ الأوقاتِ. وغَلَبوا خُلَفاءَ بَني العَبَّاسِ على كثيرٍ من بلادِهم حتَّى أبادَتهم الدَّولةُ الصَّلاحيَّةُ دَولةُ
صَلاحِ الدِّينِ بنِ أيُّوبَ... وظَهَرَت من هذه الدَّعوةِ الإلحاديَّةِ دَولةِ القَرامِطةِ، أبو طاهِرٍ القِرْمِطيُّ، وأبو سَعيدٍ القِرْمِطيُّ، ونَحوُهم، ووَقَعَ منهم في الإسلامِ وأهلِه من سَفكِ الدِّماءِ، وهَتكِ الحُرَمِ، وقَتلِ حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ، ما هو مَعلومٌ لمَن يَعرِفُ عِلمَ التَّاريخِ، وأحوالَ العالَمِ. وأفضى شَرُّهم إلى دُخولِ الحَرَمِ المَكِّيِّ، والمَسجِدِ الحَرامِ، وقَتَلوا الحُجَّاجَ في المَسجِدِ الحَرامِ حتَّى ملَؤوه بالقَتلى، وملؤوا بئرَ زَمزَمَ... هؤلاء القَرامِطةُ والباطِنيَّةُ والإسماعيليَّةُ الذين بَلَغوا في الإلحادِ وفي كَيدِ الإسلامِ ما لم يَبلُغْ إليه أحَدٌ من طَوائِفِ الكُفرِ)
[3214] يُنظر: ((قطر الولي على حديث الولي)) (ص: 283-288). .
وقالتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ لهَيئةِ البُحوثِ والإفتاءِ السُّعوديَّةِ: (القَرامِطةُ والباطِنيَّةُ لَيسوا مِنَ الإسلامِ في شَيءٍ، بل هم كُفَّارٌ زَنادِقةٌ، وقد بَيَّنَ العُلَماءُ بُطلانَ مَذاهِبِهم وسوءَ مُعتَقداتِهم في كُتُبٍ خاصَّةٍ، فارجِعْ إليها)
[3215] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (2/ 153) السؤال السادس من الفتوى رقم (18952). .