المَطلَبُ الثَّاني: مواطِنُ انتِشارِ البَهائيَّةِ وأسبابُ انتِشارِها
انتَشَرَتِ البَهائيَّةُ في أماكِنَ كثيرةٍ، وقد حَرَصوا على نَشرِ دَعوتِهم في أوساطِ الأورُبِّيِّينَ والأمريكيِّينَ، وبَينَ الطَّبَقاتِ المُثَقَّفةِ والمُتَعَلِّمةِ على وَجهِ الخُصوصِ، فهم يتَزايدونَ في الوِلاياتِ المُتَّحِدةِ وأوروبَّا على نَحوٍ مَلحوظٍ، ويتركَّزون في إفريقيا والهندِ وفيتنامَ، وفـــي مَناطِقَ واسِعةٍ مِن أمريكا اللَّاتينيَّةِ، ويوجَدُ لهم خَلايا كثيرةٌ في إيرانَ والعِراقِ ومِصرَ وبَعضِ دُوَلِ الخَليجِ، والسُّودانِ وليبيا وتونسَ والجَزائِرِ والمَغرِبِ.
ولهم مَحافِلُ رَئيسيَّةٌ في لندنَ وأديس أبابا وكمبالا وأوغَندا ولوساكا بزامبيا، وجوهانسبرج بجَنوبِ إفريقيا، وكراتشي بباكِستانَ، وأكبَرُ مَعابدِهم في شيكاغو بأمريكا، ولهم مُمَثِّلونَ في الأُمَمِ المُتَّحِدةِ. إلَّا أنَّ مَركزَهمُ الرَّئيسيَّ بَينَ حُلَفائِهم في أرضِ فِلَسطينَ في حَيفا وعَكَّا تَحديدًا.
وتَتَعَمَّدُ الوِلاياتُ المُتَّحِدةُ وأوروبَّا بَينَ الفَينةِ والأُخرى إثارةَ قَضيَّتِهم تَحتَ مُسَمَّى حُقوقِ الإنسانِ وحُرِّيَّةِ المُعتَقَدِ، وهم يقولونَ: إنَّ الحُكومةَ في طِهرانَ تَضطَهِدُهم.
وهم يُصَرِّحونَ في أحَدِ مَواقِعهمُ الإلكترونيَّةِ الرَّئيسيَّةِ بأنَّ الدِّينَ البَهائيَّ يتَواجَدُ في أكثَرَ مِن من 100,000 بَلدةٍ ومَوقِعٍ على امتِدادِ كافَّةِ دُوَلِ وأقاليمِ العالَمِ تَقريبًا
[3803] ((الموقع الإلكتروني للجامعة البهائية حول العالم)). .
وليس في تَعاليمِ البَهائيَّةِ وديانَتِها ما يُغري باعتِناقِها؛ فهي أفكارٌ مُلَفَّقةٌ مِن شَتَّى المَذاهِبِ والدِّياناتِ، مَملوءةٌ بالخُرافاتِ التي يأباها العَقلُ السَّليمُ والفِطرةُ المُستَقيمةُ، كما أنَّها مَملوءةٌ كذلك بالمُتَناقِضاتِ، شَأنُ كُلِّ باطِلٍ. ومَعَ ذلك فقدِ انتَشَرَتِ انتشارًا رهيبًا في الكثيرِ مِنَ البُلدانِ. ومِن أهَمِّ الأسبابِ التي ساعَدَت على انتِشارِ هذه النِّحلةِ:
1- استِغلالُ جَهلِ كثيرٍ مِنَ المُسلمينَ بحَقيقةِ المَذهَبِ البَهائيِّ.
2- استِغلالُ مَحَبَّةِ كثيرٍ مِنَ النَّاسِ الانفِلاتَ عنِ الالتِزاماتِ الشَّرعيَّةِ، ومِن هنا دَخل كثيرٌ مِنَ النَّاسِ في المَذهَبِ البَهائيِّ ليس اقتناعًا تامًّا به، وإنَّما ليُضفيَ على مُيولِه وتَساهُلِه صِفةً شَرعيَّةً ولَو على طَريقةِ الشَّرعِ البَهائيِّ.
3- استِغلالُ حاجةِ النَّاسِ، فيقومونَ بمُساعَدةِ الفُقَراءِ مِن بناءِ مَدارِسَ ومُستَشفياتٍ ودُورٍ اجتِماعيَّةٍ، وقُروضٍ وإيصالِ بَعضِهم إلى الوظائِفِ، وتَسهيلِ مُعامَلاتِهم، وغَيرِ ذلك مِنَ المُساعَداتِ التي يكونُ لها أثَرٌ إيجابيٌّ في نَفسِ المَدعوِّ ولا بُدَّ.
4- تَظاهُرُهم -تَقيَّةً ونفاقًا- بالإسلامِ وبالإيمانِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
5- تَفنُّنُهم في التَّلَوُّنِ، واستِحلالُ الكَذِبِ والنِّفاقِ، بحَيثُ كانوا يتَودَّدونَ إلى كُلِّ شَخصٍ بما يستَطيعونَ به الوُصولَ إلى قَلبِه لاستِدراجِه بَعدَ ذلك إلى حَيثُ يشاؤونَ، دونَ أن يجِدوا في تلك المَسالكِ المُلتَويةِ أيَّ حَرَجٍ.
6- مَهارَتُهم في تَنظيمِ الدَّعوةِ إلى مَذهَبِهم وتَنظيمِ المَحافِلِ التي هي نِقاطُ الانتِشارِ في كُلِّ بَلَدٍ توجَدُ به هذه المَحافِلُ، وتَودُّدُهم إلى الحُكَّامِ والمُفكِّرينَ، وخِداعُهم لهم بما يُظهرونَه لهم مِنَ الخَيرِ وإرادةِ الإصلاحِ، والتَّزَلُّفُ إلى رِضاهم بكُلِّ وسيلةٍ.
7- حُصولُهم على مُساعَداتٍ سَخيَّةٍ مادِّيَّةٍ ومَعنَويَّةٍ.
8- كثرةُ تَحريفاتِ النُّصوصِ على وَفقِ ما يُريدونَ، سَواءٌ كانت تلك النُّصوصُ مِنَ القُرآنِ الكريمِ أو مِنَ السُّنَّةِ؛ حَيثُ أوَّلوها على الطَّريقةِ الباطِنيَّةِ الماكِرةِ؛ بحَيثُ إذا وقَف عليها مَن ليس عِندَه اطِّلاعٌ كافٍ على أباطيلِ الباطِنيَّةِ والبَهائيَّةِ قد يقَعُ في شِباكِهم، ويُصَدِّقُ ولَو بَعضَ تلك التُّرَّهاتِ
[3804] أقرَبُ الأمثلةِ على هذا تلاعُبُهم بمعنى الآيةِ الكريمةِ: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ؛ حيث صاروا هم والقاديانيُّون في طريقٍ واحدٍ حولَ تأويلِ هذه الآيةِ بأنَّ الخاتَمَ بمعنى ((أفضَل))، أو أنَّه كالمهرِ، أو أنَّه خاتمُ الأنبياءِ أصحابِ الشَّرائعِ المُستَقِلَّةِ، وغيرُ ذلك من أكاذيبِهم على اللهِ وعلى رسولِه، وعلى اللُّغةِ أيضًا؛ لأنَّ اللُّغةَ لا تساعِدُهم على تلك المعاني الباطلةِ التي اخترعوها. .
9- التَّظاهُرُ بالدَّعوةِ إلى شِعاراتٍ بَرَّاقةٍ، مِثلُ الأُخوَّةِ والتَّسامُحِ، ونَبذِ العُنصُريَّاتِ والتَّعصُّباتِ الدِّينيَّةِ أوِ القَوميَّةِ، ووَحدةِ البَشَرِ والأديانِ، ومُساواةِ الرَّجُلِ بالمَرأةِ، والحِرصِ على استِخدامِ الرُّوحانيَّاتِ حتَّى في مُسَمَّياتِهم، مِثلُ كَلِماتِ الأقدَسِ والبَهاءِ والأبهى والنُّورِ والجَلالِ، والهَيكَلِ الأطهَرِ والأنورِ، وغَيرها مِنَ العِباراتِ التي تَجعَلُ النَّاسَ مَأخوذينَ ببَريقِها، كما يُسَمُّونَ مَعابدَهم مَشارِقَ الأذكارِ، هذا مَعَ الحِرصِ على تَغليفِ ديانَتِهم بشَيءٍ مِنَ الرُّموزِ الغامِضةِ التي يستَخدِمونَها حتَّى في هَندَسةِ أبنيتِهم، مِثلُ الرَّقمِ 9 والرَّقمِ 19، فمِثلُ تلك الأُمورِ مُجتَمِعةً تُغري فِئامًا مِنَ النَّاسِ خُصوصًا المُثَقَّفينَ والمُفكِّرينَ الذين ضاقَت نُفوسُهم بتَناقُضاتِ أديانِهمُ المُحَرَّفةِ، أو ساءَتهم أوضاعُ البَشَرِ الحاليَّةُ وما أوصَلهم إليه التَّعَصُّبُ الدِّينيُّ والعُنصُريَّةُ المَقيتةُ، وكثرةُ الاختِلافاتِ العَقائِديَّةِ والفِكريَّةِ، وتَحِنُّ أرواحُهم إلى البَحثِ عنِ الهدوءِ والسَّكينةِ والتَّأمُّلِ بَعيدًا عن ضَوضاءِ وقَسوةِ الحَياةِ المادِّيَّةِ الحَديثةِ، هذا بالإضافةِ إلى جَهلِهم بحَقائِقِ الإسلامِ الصَّحيحةِ.