المَبحَثُ الرَّابعُ: بَعضُ الشَّعائِرِ الخاصَّةِ بالطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ
للطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ شَعائِرُ خاصَّةٌ كَشَأنِ كُلِّ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ الأخرى، ومن أبرَزِ تلك الأمورِ:
1- اعتِبارُ السَّماعِ والمَواجيدِ والتَّواجُدِ منَ الصُّراخِ وغَيرِه ممَّا دَرَجَ عليه أهلُ التَّصَوُّفِ دينًا، وتَكفيرُ مَن يَقولُ ببِدعيَّةِ ذلك أو يَعيبُه. فقالوا: (إنَّ مَن أنكَرَ ذلك فقد كَفرَ؛ لأنه عابَ خيرًا أمر اللهُ به، ومَن عابَ ما أمَرَ اللهُ به فهو كافِرٌ)
[808] ((الطريقة الرفاعية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 64، 78). .
2- منَ الشَّعائِرِ الخاصَّةِ بالطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ الخَلوةُ الأسبوعيَّةُ السَّنَويَّةُ، وتَبدَأ عِندَهم في اليَومِ الحادي عَشَر منَ المُحَرَّمِ كُلَّ عامٍ، ومن شُروطِها أن لا يَأكُلَ المُريدُ طعامًا أخِذَ من ذي رُوحٍ، ويَذكُرُ المُريدُ في اليَومِ الأوَّلِ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ بعَدَدٍ مَعلومٍ، واليَومِ الثَّاني: اللَّهُ اللَّهُ، والثَّالِثِ: وهَّابٌ وهَّابٌ، والرَّابعِ: حَيّ حَيّ، والخامِسِ: مَجيدٌ مَجيدٌ.. والسَّادِسِ: مُعطي مُعطي.. والسَّابعِ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ. وكُلُّ ذلك بعَدَدٍ مَعلومٍ، وكذلك أن يَقولَ المُريدُ بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ من صَلواتٍ هذا الأسبوعِ: (اللَّهمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّيِّ الطَّاهرِ الزَّكيِّ وعلى آلِه وصَحبِه وسَلِّمْ) يَقولُ ذلك مِائةَ مَرَّةٍ، وزَعَموا أنَّ لهذه الخَلوةِ فُتوحاتٍ مُحَمَّديَّةً، وعناياتٍ أحمَديَّةً لا تُحصى، وأنَّ من فَعَلها شاهَدَ منَ البَراهينِ العَظيمةِ، وكان له شَأنٌ عَظيمٌ
[809] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 115). .
ولا يَخفى أنَّ هذه الخَلوةَ في هذا الوقتِ المَخصوصِ بِدعةٌ وضَلالةٌ، وكُلُّ بدعةٍ في النَّارِ كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[810]أخرجه النسائي (1578)، وابن خزيمة (1785)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (137) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ)). صحَّحه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/220) من حديثِ محمَّدِ بنِ عليٍّ، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1578)، وصحَّح إسناده ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (18/57). ، وأنَّها تَشريعٌ جَديدٌ لم يَأذَنْ به اللَّهُ ولا رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ فيها مُشابَهةً لصيامِ النَّصارى الذينَ يَصومونَ عن ذَواتِ الأرواحِ، وأنَّ فيها تقرُّبًا منَ الرَّافِضةِ؛ حَيثُ يُخَصَّصُ الحادي عَشَرَ من مُحرَّمٍ من كُلِّ عامٍ بذلك؛ حَيثُ تَنتَهي مَشاعِرُ الرَّافِضةِ الخاصَّةُ لتَدخُلَ بَعدَها مَشاعِرُ الرِّفاعيَّةِ، ولعَلَّ ذلك راجِعٌ إلى قَولِهم: إنَّ الرِّفاعيَّ تَأتي مَنزِلتُه بَعدَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشرَ مُباشَرةً
[811] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 127). .
وأمَّا تخصيصُهم كُلَّ يَومٍ بذِكرٍ خاصٍّ فهو بدعةٌ، وأمَّا ذِكرُهمُ اللَّهَ بالاسمِ المُفرَدِ فقَطِ: اللَّهُ، حَيّ، مَجيدٌ، فبدَعةٌ عَظيمةٌ، ولم يَرِدْ ذِكرُ اللهِ بالاسمِ المُفرَدِ مُطلقًا. بل لا يُذكَرُ اللَّهُ إلَّا بجُملةٍ مُفيدةٍ، نَحوُ (لا إلهَ إلَّا اللَّه) فهي جُملةٌ، (وسُبحانَ اللَّهِ، والحَمدُ للَّهِ، واللهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ)، ونَحوُ ذلك، فكُلُّها جُمَلٌ تُفيدُ مَعنًى، فكُلُّ من ذَكَر اللهَ باسمٍ فردٍ من أسمائِه فهو مُبتَدِعٌ؛ ولذلك لا يُستَغرَبُ على هؤلاء المُبتَدِعةِ أن يَرَوا في خَلواتِهم هذه النِّيرانَ الشَّيطانيَّةَ التي يَحسَبونَها أنوارًا مَلائِكيَّةً رحمانيَّةً، وما هي كذلك؛ لأنَّ اللهَ لا يُشرِقُ نورُه إلَّا في قُلوبِ الصَّالحينَ المُتَّبعينَ للحَقِّ من عِبادِه.
3- من شَعائِرِ الطَّريقةِ الخاصَّةِ جَوازُ المُحاضَرةِ ورَبطِ الرُّوحِ بأرواحِ مَن شاءَ استِحضارَ رُوحِه من كافِرٍ ومُسلمٍ
[812] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 120). .
وكذلك مِن مَشاعِرِهم ما يُسَمَّى بالاستِفاضةِ، وهي رَبطُ قَلبِ المُريدِ بقَلبِ الشَّيخِ طلبًا لإفاضةِ العِلمِ الباطِنيِّ إليه.
ففي التَّربيةِ الصُّوفيَّةِ يُطلَبُ منَ المُريدِ أن يَستَحضِرَ روحَ شَيخِه عِندَ الذِّكْرِ، ويَتَمَثَّلُه أمامَه ويَطلُبُ من شَيخِه أن يَربِطَ روحَه بروحِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي يَزعُمونَ أنَّه يُفيضُ العُلومَ والأسرارَ على قُلوبِ شُيوخِ الصُّوفيَّةِ.
والحَقُّ أنَّ هذه العَمَليَّةَ عَمَليَّةٌ شَيطانيَّةٌ؛ لأنَّ المُريدَ الذي يَغيبُ عَقلُه بالذِّكرِ المُبتَدَعِ الذي يَذكُرُه آلافَ المَرَّاتِ وعَشَراتِ الآلافِ حتَّى يَكِلَّ عَقلُه ودِماغُه، وهو في كُلِّ ذلك يُحاوِلُ استِحضارَ صورةِ شَيخِه أمامَه، وقد يَكونُ هذا في ظَلامٍ دامِسٍ؛ فإنَّ هذا هو الوقتُ المُناسِبُ ليَدخُلَ الشَّيطانُ إليه زاعمًا أنَّه هو شَيخُه وأنَّه يَراه الآنَ، وأنَّه يَربِطُ الآنَ قَلبَه بقَلبِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُفيضَ عليه العُلومَ والأسرارَ الإلهيَّةَ، ويَبدَأُ الشَّيطانُ يُلقي في قُلوبِ هؤلاء وساوِسَه الإبليسيَّةَ، فيُوهِمُ الواحِدَ منهم أنَّه الآنَ صاعِدٌ إلى السَّماءِ، وأنَّ هذا هو عَرشُ اللهِ، وهذا هو كُرسيُّه، هذه هي الأرضُ، وأنْ قد أصبَحتَ الحَبيبَ والعَظيمَ وصاحِبَ الهمَّةِ، وما إلى ذلك من هذا النَّفحِ الشَّيطانيِّ حتَّى يَتَصَوَّرَ المِسكينُ فعلًا أنَّه وصَل إلى مَكانِ القُربِمنَ اللهِ، وأنَّ السَّمواتِ قد أصبَحَت طَوعَ أمرِه، والأرضَ أصبَحَت كالخَلخالِ برِجلِه، وأنَّه يَستَطيعُ أن يَقولَ للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ. وهكذا يَكونُ المُريدُ الذي دَخَل الخَلوةَ، وذَكرَ هذه الأذكارَ المُبتَدَعةَ، وقَطَعَ نَفسَه بالظَّلامِ على هذا النَّحوِ يَعودُ بنَفسٍ أخرى وحالٍ أخرى غَيرِ الحالِ التي دَخَل بها!
4- للرِّفاعيَّةِ مَراسِمُ يَجتَمِعونَ عليها، ومن هذه المَراسِمِ: عِدَّةُ النوبةِ: وهي عِبارةٌ عن دُفوفٍ يَضرِبونَها لياليَ الجُمُعةِ والجمعِ، فيَرفَعونَ الألويةَ والرَّاياتِ ويَضرِبونَ الدُّفوفَ، ففي إحدى زَوايا الرِّفاعيَّة -وهي زاويةُ سَلمانَ الباروديِّ- في مَدينةِ طَرابُلُسَ تَجري حَلَقاتِ ما يُسَمَّى بالذِّكرِ كُلَّ ليلةِ جُمعةٍ تُستَخدَمُ فيها (الآلاتُ الموسيقيَّةُ) بشَكلٍ إيقاعيٍّ، وخِلالَ الذِّكْرِ يَقومُ بَعضُ المَشايِخِ باستِعمالِ الشِّيشِ، ويَبدَأُ بطَعنِ المُريدينَ، ويُمسِكُ الجَمرَ المُحْمى. وفي زاويةِ أحمَدَ الرَّافِعيِّ يَعمَلونَ ذِكرَ النوبةِ هذا، ويَضرِبونَ أنفُسَهم بالسِّلاحِ والشِّيشِ والنَّارِ
[813] يُنظر: ((الطرق الصوفية ومشايخها في طرابلس)) لدرنيقة (ص: 126). .
5- جَعَل الرِّفاعيَّةُ الفضيلةَ العُظمى والشَّرَفَ الأسمى لهم على سائِرِ الفِرَقِ ببَرَكةِ الرِّفاعيِّ؛ فإنَّ اللهَ قد أبردَ لأتباعِه النِّيرانَ، وأزالَ لهم فاعِليَّةَ السُّمومِ، وألانَ لهمُ الحَديدَ، وأذَلَّ لهمُ السِّباعَ والحَيَّاتِ والأفاعي، وأخضَعَ لهم طُغاةَ الجِنِّ
[814] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 134). ؛ ولذلك فإنَّهم في موالدِهم ومُؤتَمَراتهمُ العامَّةِ يَأتونَ بمَن يُشعِلُ النَّارَ ويُدخِلُها إلى فمِه، ومَن يَنفُخُ نارًا من فمِه على هَيئةِ التِّنِّينِ. ومَن يَحمِلُ الأفاعي ويَلعَبُ بها، ونَحوِ ذلك منَ الشَّعبَذاتِ والخُزَعبلاتِ التي لا يَكادُ يَخلو منها قَومٌ من أقوامِ أهلِ الشِّركِ، كالهَنادِكِ والفُرسِ، وغَيرِهم.