حَفَلت سيرةُ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ باعتِناءِ كَثيرٍ منَ المُؤَلِّفينَ سَواءٌ من أهلِ السُّنَّةِ أوِ الصُّوفيَّةِ وغَيرِهم، وقد أحصى عَبدُ المَجيدِ الدهيبيُّ الجيلانيُّ 70 كِتابًا ورِسالةً بَين مَطبوعٍ ومَخطوطٍ ألِّفَت في سيرةِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ [933] يُنظر ((إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني)) (ص: 5- 10). .
وهو أبو مُحَمَّدٍ مُحيي الدِّينِ عَبدُ القادِرِ بنُ موسى بنِ عَبدِ اللَّهِ الجيلانيُّ أوِ الكيلانيُّ [934] يقالُ لعبدِ القادِرِ: "الكيلانيُّ" أو "الجيلانيُّ"، وهي ألقابٌ اشتَهَر بها، وهي ترجِعُ في الأصلِ إلى "كيلان" و"جيلان"، وهو فَرقٌ بينَ اللَّهَجاتِ المختَلِفةِ. قال ميعاد شرف الدين الكيلاني: (وباعتقادِنا أنَّ الفَرقَ بين "جيلاني" و"كيلاني" لا يتعدَّى كونُه فرقًا في اللَّهَجاتِ. ومنها لم أسمعْ رجلًا في العراقِ يقولُ: "جيلاني" بل يلفظونها "كيلاني". والكاف يُعجِمـونها، لتُصبِحَ (گ)، والآخَرون يلفظونها (جيلاني). ولا فَرقَ بين اللَّفظتينِ سِوى فرقٍ في اللَّهَجاتِ المحلِّيَّةِ. والصَّحيحُ المُعرَّبُ هو "جيلاني"، والمشاعُ المألوفُ المشتَهَرُ هو "كيلاني"، وكِلا اللَّفظَينِ بمعنًى واحدٍ من حيثُ النِّسبةُ والدَّلالةُ). ((تاريخ النقباء في سيرة الإمام عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وذريته ونقباء أشراف بغداد)) لميعاد الكيلاني (ص: 29- 30). ، أو الجيليُّ [935] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (4/47). شَيخُ الطَّريقةِ القادِريَّةِ. وهو من كِبارِ الزُّهَّادِ والمُتَصَوِّفةِ.
قيل: وُلدَ سَنةَ 470هــ وقيل: سَنةَ 471هـ، بكيــلانَ أو جيلانَ، ووفد بَغدادَ شابًّا سنـةَ 488هـ فاتَّصَل فيها بشُيوخِ العِلمِ والتَّصَوُّفِ خاصَّةً شَيخَ الحَنابلةِ أبا سَعدٍ المُبارَكَ بنَ عَليٍّ المُخَرميَّ، وتَفقَّه بأبي الوفاءِ بنِ عَقيلٍ الحَنبليِّ، وأبي الخَطَّابِ مَحفوظِ بنِ أحمَدَ الكلوذانيِّ الحَنبليِّ، وأبي الحُسَينِ ابنِ القاضي أبي يَعلى الحَنبليِّ، وأخذ عنهمُ المَذهَبَ والخِلافَ، والفُروعَ والأصولَ، وسَمِعَ الحَديثَ من جَمعٍ كَثيرٍ؛ منهم: أبو غالبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الباقِلَّانيُّ، وأبو سَعدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الكَريمِ، وأبو الغَنائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ مَيمونَ، وغَيرُهم. وقَرَأ الأدَبَ على أبي زَكَريَّا يَحيى بنِ عَليٍّ التَّبريزيِّ، وصَحِبَ الشَّيخَ حَمَّادَ بنَ مُسلمٍ الدَّبَّاسَ وتَأدَّبَ به، وأخَذَ عنه عِلمَ الطَّريقةِ، وبَرَعَ في أساليبِ الوعظِ، واشتَهَرَ [936] يُنظر: ((قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر)) للطيب بامخرمة (4/ 232)، ((الأعلام)) للزركلي (4/ 47). .
وجَلسَ للوعظِ سَنةَ 520هـ، وحَصَل له القَبولُ منَ النَّاسِ، واعتَقدوا ديانَته وصَلاحَه، وانتَفعوا بكَلامِه ووعظِه [937] يُنظر: ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب (2/ 191). . وقد كانت مَجالِسُ وَعظِه وقُدرَتُه على التَّأثيرِ والجَذبِ وكَثرةُ إقبالِ النَّاسِ على سَماعِ مَواعِظِه مَحَلَّ إشارةِ مُعظَمِ مَن تَرجَمَ له منَ المُؤَرِّخينَ وكُتَّابِ السِّيَرِ، وذَكَروا أنَّ المُلوكَ والسَّلاطينَ والوُزَراءَ والعُلماءَ كانوا يَحضُرونَ تلك المَجالسَ [938] ((البداية والنهاية)) لابن كثير (12/270). ويُنظر: ((الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية)) لسعيد بن مسفر (1/ 49). .
قال السَّمعانيُّ عنه: (إمامُ الحَنابلةِ وشَيخُهم في عَصرِه، فقيهٌ صالحٌ، دَيِّنٌ خَيِّرٌ، كَثيرُ الذِّكْرِ، دائِمُ الفِكرِ، سَريعُ الدَّمعةِ) [939] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (20/ 441). ويُنظر أيضًا: ((المشيخة البغدادية)) لابن المسلمة (ص: 187)، ((المنتظم)) لابن الجوزي (18/ 173)، ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب (2/ 190). .
وتوُفِّيَ سَنةَ 561هـ ودُفِنَ بمَدرَسَتِه [940] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (20/ 450). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (تَفقَّه على أبي سَعدٍ المُخَرميِّ، وكان أبو سَعدٍ قد بَنى مدرسةً لطيفةً ببابِ الأزجِ ففُوِّضَت إلى عَبدِ القادِرِ، فتَكَلَّمَ على النَّاسِ بلسانِ الوعظِ وظَهَرَ له صيتٌ بالزُّهدِ، وكان له سَمتٌ وصَمتٌ، فضاقَت مَدرَسَتُه بالنَّاسِ، فكان يَجلسُ عِندَ سورِ بَغدادَ مُستَنِدًا إلى الرِّباطِ ويَتوبُ عِندَه في المَجلسِ خَلقٌ كَثيرٌ، فعَمَرَتِ المَدرَسةَ ووسِعَت، وتَعَصَّبَ في ذلك العَوامُّ، وأقامَ في مَدرَسَتِه يُدرِّسُ ويَعِظُ إلى أن توُفِّيَ) [941] ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) (18/173). .
ومن أبرَزِ تلامِذتِه:
عَليٌّ الهِيتيُّ، وعُمَرُ شِهاب الدِّينِ السَّهرَورديُّ [942] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 92- 96). .
ما نُسِبَ إلى عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ منَ المُصَنَّفاتِ
يُمكِنُ تَقسيمُ ما نُسِبَ إليه منَ المُصَنَّفاتِ إلى قِسمَينِ [943] يُنظر: ((الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية)) لسعيد بن مسفر (1/ 47- 58). :
القِسمُ الأوَّلُ: ما كتبه بنَفسِه:
ومن هذه الكُتُبِ:
1- الغُنيةُ لطالبي الحَقِّ عَزَّ وجَلَّ: الذي كَتَبَه استِجابةً لإلحاحِ إخوانِه وتَلاميذِه، كَما قال في مُقدِّمَتِه: (ألحَّ عَليَّ بَعضُ أصحابي وشَدَّدَ في الخِطابِ في تَصنيفِ هذا الكِتابِ لحُسنٍ ظَنِّه في الإصابةِ... فأجَبتُه إلى ذلك، وسارَعتُ مُشَمِّرًا مُبتَغيًا مُحتَسِبًا للثَّوابِ راجيًا للنَّجاةِ في يَومِ الحِسابِ، إلى جَمعِ هذا الكِتابِ بتَوفيقِ رَبِّ الأربابِ المُلهمِ للصَّوابِ) [944] ((الغنية)) (1/ 1). .
وهو كِتابٌ يَحتَوي على أجزاءٍ في الفِقهِ والعَقيدةِ، وبَعضِ المَجالسِ المُتَعَلِّقةِ بالقُرآنِ والتَّوبةِ والتَّقوى، والجَنَّةِ والنَّارِ، وبَعضِ الأحكامِ الفِقهيَّةِ، والتَّصَوُّفِ وآدابِ المُريدينَ، وبَعضِ الأحوالِ والمَقاماتِ.
2- فُتوحُ الغيبِ: وهو كِتابٌ يَحتَوي على العَديدِ منَ المَقالاتِ والنَّصائِحِ.
3- الفَتحُ الرَّبَّانيُّ والفَيضُ الرَّحمانيُّ: وهو عبارةٌ عن مواعِظَ ووصايا.
القِسمُ الثَّاني: ما كَتَبَه بَعضُ طُلَّابِه أو أتباعِه ثمَّ نُسِبَ إليه:
ومن هذه الكُتُبِ:
1- الأورادُ القادريَّةُ:
وهو كِتابٌ يَشتَمِلُ على بَعضِ الأدعيةِ والأحزابِ والصَّلواتِ المُبتَدَعةِ والقَصائِدِ الشِّرِكيَّةِ، جَمعها مُحَمَّد سالم بَوَّاب، وطَبعَتها دارُ الألبابِ بدِمَشقَ عامَ 1992م، ونَسَبها إلى الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ. وهذه النِّسبةُ غَيرُ صَحيحةٍ؛ لِما اشتَمَلت عَليه تلك الأورادُ منَ الضَّلالاتِ التي لا يُتَصَوَّرُ صُدورُها منه، وأغلَبُ الظَّنِّ أنَّها مِن وَضعِ أتباعِه الذينَ ابتَدَعوها ثمَّ نَسَبوها إليه حتَّى تُرَوَّجَ ويَتِمَّ انتِشارُها [945] يُنظر: ((الأوراد القادرية)) (ص: 21). .
2- السَّفينةُ القادِريَّةُ:
وهو كِتابٌ اشتَمَل على تَرجَمةٍ للشَّيخِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ كَتَبَها ابنُ حَجرِ العَسقَلانيُّ بعُنوانِ (غِبطةُ النَّاظِرِ في تَرجَمةِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ) كَما اشتَمَل على بَعضِ الصَّلواتِ والأورادِ، وعلى شَرحِ حِزبِ الوسيلةِ المَنسوبِ إلى الشَّيخِ عَبدِ القادِر، والذي وضَعَه مُحَمَّد أمين الكيلانيُّ، وبه منَ الصَّلواتِ المُبتَدَعةِ والمَناماتِ والألفاظِ الشِّرِكيَّةِ ما يُؤَيِّدُ عَدَمَ نِسبةِ الكِتابِ إلى الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ [946] يُنظر: ((السفينة القادرية)) (ص: 104، 120، 153). .
3- الفُيوضاتُ الرَّبَّانيَّةُ في المَآثِرِ والأورادِ القادِريَّةِ:
وهو من جَمعِ وتَرتيبِ إسماعيلَ بنِ السَّيِّدِ مُحَمَّد القادِريِّ، وقد نَسَبَه الزِّرِكليُّ في «الأعلامِ» [947] يُنظر: ((الأعلام)) (4/ 47). إلى الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ، وهو غَيرُ صَحيحٍ، والكِتابُ يَحتَوي على كَثيرٍ منَ البدَعِ والخُرافاتِ والأورادِ الشِّركيَّةِ، كَما اشتَمَل على تَقسيماتٍ للنَّفسِ في مَقاماتِ الصُّوفيَّةِ، ولا دَليلَ عَليها [948] يُنظر: ((الفيوضات الربانية)) (ص: 34، 42، 176). .
وقدِ افتُريَ على هذا الشَّيخِ الجَليلِ افتِراءً عَظيمًا، وكُذِبَ عَليه كَذِبًا مُهينًا، ونُسِبَ إليه منَ الكَراماتِ والدَّعاوى ما لا يَقبلُه عَقلٌ ولا دينٌ؛ منها:
 1. أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ الجيلانيَّ مُتَصَرِّفٌ في الأكوانِ.
 2. أنَّه قال: (قدمي هذه على رَقَبةِ كُلِّ وليٍّ)، وزَعَموا أنَّه قال ذلك بأمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!
 3. وصفُه بأنَّه هو القُطبُ والغَوثُ وأنَّه غِياثُ المُستَغيثينَ.
 4. نِسبةُ الكَثيرِ منَ المُمارَساتِ الصُّوفيَّةِ إليه.
 5. أنَّ مُجَرَّدَ اسمِه إذا كُتِبَ في كَفَنِ المَيِّتِ لن تَمَسَّه النَّارُ.
هذا قَليلٌ من كَثيرٍ، وغَيضٌ من فيضٍ ممَّا نُسِبَ إليه. ولم يُسمَعْ عن أحَدٍ يُحكى عنه منَ الخُرافاتِ والتُّرَّهاتِ أكثَرَ ممَّا يُحكى عنِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ، ولا شَكَّ أنَّه بَريءٌ من كَثيرٍ ممَّا يَحكي عنه أتباعُه ومُريدوه [949] يُنظر: تحقيق ((ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب)) للعثيمين (2/ 192). .
قال عَبدُ الرَّحيمِ البُرَعيُّ السُّودانيُّ في مَدحِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ:
هو القُطبُ والغَوثُ الكبيرُ هو الذي
أفاضَ على الأكوانِ كالبَحرِ والسَّيلِ
وعِندَ ظُهورِ الحالِ يَخطو على الهَوى
ويُظهِرُ شيئًا ليس يُدرَكُ بالعَقلِ
بأكفانِ مَن قد ماتَ إن كُتِبَ اسمُه
يكونُ له سِترًا منَ النَّارِ والهَولِ
وكلُّ وَليٍّ عُنقُه تحتَ رِجلِه
بأمرِ رَسولِ اللهِ يا لها من رِجلِ
يَنوبُ عنِ المُختارِ في حَضرةِ العُلا
ويحكُمُ بالإحسانِ والحَقِّ والعَدلِ [950] يُنظر: ((عبد القادر الجيلاني الشيخ المفترى عليه)) لمحمد الأمين حاج - مقال منشور بالشبكة. .
وزَعَموا أنَّه قال: (أزِمَّةُ أهلِ الزَّمانِ على قَلبي، وأنا المُتَصَرِّفُ في عَطائِهم ومَنعِهم) [951] ((عبد القادر الجيلاني الشيخ المفترى عليه)) لمحمد الأمين حاج - مقال منشور بالشبكة. ويُنظر: ((بهجة الأسرار)) للشطنوفي (ص: 55). .
وزَعَموا أنَّه قال: (إنَّ قُلوبَ النَّاسِ في يَدي، إن أرَدتُ صَرفَها عنِّي صَرَفتُها، وإن أرَدتُ صَرَفتُها إليَّ) [952] يُنظر: ((فرسان العشق الإلهي)) لعمار حسن (ص: 414، 415). .
وقال أحَدُهم: (إنَّ الشَّيخَ الجيلانيَّ هو غَوثُ الأغواثِ، وإنَّ له حَقَّ التَّثبيتِ في اللَّوحِ المَحفوظِ، وأنَّه يَملِكُ أن يَجعَلَ المَرأةَ رَجُلًا) [953] ((باغ فردوس)) لأيوب البريلوي (ص: 26)، ((البريلوية عقائد وتاريخ)) لظهير (ص: 72). .
ونَقَلوا أنَّ عَبدَ القادِرِ كان يَمشي في الهَواءِ على رُؤوسِ الأشهادِ في مَجلسِه، ويَقولُ: (ما تَطلُعُ الشَّمسُ حتَّى تُسَلِّمَ عَليَّ...) [954] ((بهجة الأسرار)) للشطنوفي (ص: 50). .
ومَصدَرُ هذه الطَّوامِّ كِتابٌ كَبيرٌ في عِدَّةِ مُجَلَّداتٍ في مَناقِبِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ جَمعها من غَيرِ خِطامٍ ولا زِمامٍ ولا تَحريرٍ ولا اهتِمامٍ أبو الحَسَن الشَّطَّنَوفيُّ المِصريُّ [955] هو عليُّ بنُ يوسُفَ بنِ جريرِ بنِ مِعضادٍ اللَّخميُّ، أبو الحَسَنِ (ت: 713 هـ) أحدُ القُرَّاءِ المشاهيرِ، شافِعيٌّ، أصلُه من "البلقاء" ببلادِ "الشَّام" ومولِدُه ووفاتُه بـ "مصر". والشَّطَّنَوفيُّ منسوبٌ إلى "شَطَّنَوف". قال ياقوتٌ الحَمَويُّ: (بفَتحِ أوَّلِه وتشديدِ ثانيه، وفَتحِ النُّونِ، وآخِرُه فاءٌ: بلدٌ بـ "مصر" من نواحي كورةِ الغربيَّةِ، عندَه يفتَرِقُ "النِّيلُ" فِرقَتَينِ… وهو مركَّبٌ). يُنظر: ((معجم البلدان)) (3/ 390). وقال ابنُ حَجَرٍ: (وجمعَ هو مناقِبَ الشَّيخِ عبدِ القادِرِ، وسمَّى الكتابَ "البهجةَ" ... وذكَر فيها غرائبَ وعجائبَ، وطعن النَّاسُ في كثيرٍ من حكايتِه، ومن أسانيدِه فيها). ((الدرر الكامنة)) (3/ 216). ويُنظر: ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) للسيوطي (1/ 290). .
قال ابنُ رَجَبٍ الحَنبليُّ: (كان الشَّيخُ عَبدُ القادِرِ رَحِمَه اللهُ في عَصرِه مُعَظَّمًا، يُعَظِّمُه أكثَرُ مَشايِخِ الوقتِ منَ العُلماءِ والزُّهَّادِ، وله مَناقِبُ وكَراماتٌ كَثيرةٌ، ولكِن قد جَمَعَ المُقرِئُ أبو الحَسَنِ الشَّطَّنَوفيُّ المِصريُّ في أخبارِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ ومَناقِبِه ثَلاثَ مُجَلَّداتٍ، وكَتَبَ فيها الطِّمَّ والرِّمَّ، وكَفى بالمَرءِ كَذِبًا أن يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ.  وقد رَأيتُ بَعضَ هذا الكِتابِ، ولا يطيبُ على قَلبي أن أعتَمِدَ على شَيءٍ ممَّا فيه فأنقُلَ منه إلَّا ما كان مَشهورًا مَعروفًا من غَيرِ هذا الكِتابِ، وذلك لكَثرةِ ما فيه منَ الرِّوايةِ عنِ المَجهولينَ، وفيه منَ الشَّطحِ والطَّامَّاتِ، والدَّعاوى، والكَلامِ الباطِلِ، ما لا يُحصى، ولا يَليقُ نِسبةُ مِثلِ ذلك إلى الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ رَحِمَه اللهُ، ثمَّ وجَدتُ الكَمالَ جَعفر الأُدْفُويَّ [956] هو جعفَرُ بنُ ثعلَبِ بنِ جَعفَرٍ الأُدفُويُّ، أبو الفضل، كمالُ الدِّين، وُلد في بلدة أُدْفُو (بلدةٍ بصعيدِ مِصرَ بين أسوانَ وقُوصٍ) سنةَ 685هـ، وبها نشأ. ودرس على جملةٍ من أساتذةِ العصرِ، منهم أبو حيَّانَ محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ يوسُفَ الأندَلُسيُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وتاجُ الدِّينِ الدِّشناويُّ، ومحيي الدِّينِ القُرطبيُّ وسِواهم. وقد وُصِفَ بأنَّه مؤرِّخٌ، وله عِلمٌ بالأدَبِ والفِقهِ والفرائِضِ. ومن مؤلَّفاتِه: الموفي بمعرفةِ التَّصوُّفِ والصُّوفي. توفِّي بالقاهرةِ بعدَ عودتِه من الحَجِّ عامَ 748هـ . يُنظر ترجمته في مقدمة تحقيق ((الموفي بمعرفة التصوف والصوفي)) لمحمد عيسى صالحية (ص: 25- 27). قد ذَكرَ أنَّ الشَّطَّنَوفيَّ نَفسَه كان مُتَّهَمًا فيما يَحكيه في هذا الكِتابِ بعَينِه) [957] ((ذيل طبقات الحنابلة)) (2/ 194، 195). .
وقال الذَّهَبيُّ خاتِمًا تَرجَمتَه لعَبدِ القادِرِ بقَولِه: (وفي الجُملةِ: الشَّيخُ عَبدُ القادِرِ كَبيرُ الشَّأنِ، وعليه مَآخِذُ في بَعضِ أقوالِه ودَعاويه، واللهُ المَوعِدُ، وبَعضُ ذلك مَكذوبٌ عليه) [958] ((سير أعلام النبلاء)) (20/ 451). .
وقال عنه ابنُ كَثيرٍ: (كان له سَمتٌ حَسَنٌ، وصَمتٌ غَيرَ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، وكان فيه زُهدٌ كَثيرٌ، وله أحوالٌ صالحةٌ ومُكاشَفاتٌ، ولأتباعِه وأصحابِه فيه مَقالاتٌ، ويَذكُرونَ عنه أقوالًا وأفعالًا ومُكاشَفاتٍ أكثَرُها مُغالاةٌ، وقد كان صالحًا ورِعًا، وقد صَنَّف كِتابَ «الغُنيةُ»، و«فُتوحُ الغَيبِ»، وفيهما أشياءُ حَسَنةٌ، وذَكَر فيهما أحاديثَ ضَعيفةً ومَوضوعةً، وبالجُملةِ كان من ساداتِ المَشايِخِ قدَّسَ اللهُ رُوحَه ونوَّر ضَريحَه) [959] ((البداية والنهاية)) (12/ 313). .
وقال ابنُ رَجَبٍ: (للشَّيخِ عَبدِ القادِرِ رَحِمَه اللهُ تعالى كَلامٌ حَسَنٌ في التَّوحيدِ والصِّفاتِ والقَدَرِ، وفي عُلومِ المَعرِفةِ، موافِقٌ للسُّنَّةِ.
وله كِتابُ «الغُنيةُ لطالبي طَريقِ الحَقِّ»، وهو مَعروفٌ، وله كِتابُ «فُتوحُ الغَيبِ»، وجَمع أصحابُه من مَجالسِه في الوعظِ كَثيرًا، وكان مُتَمَسِّكًا في مَسائِلِ الصِّفاتِ والقدَرِ ونَحوِها بالسُّنَّةِ، بالغًا في الرَّدِّ على مَن خالفَها) [960] ((ذيل طبقات الحنابلة)) (2/ 197- 199). .
والحَقُّ أنَّ كُلًّا يُؤخَذُ من قَولِه ويُترَكُ إلَّا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يَنبَغي لأحَدٍ أن يُقَلِّدَ دينَه الرِّجالَ، أو أن يُقَلِّدَ أحَدًا في كُلِّ ما يَقولُ سِوى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَنبَغي للمُسلمِ أن يَزِنَ كَلامَ أيِّ إنسانٍ بميزانِ الشَّرعِ؛ فما وافقَ الكِتابَ والسُّنَّةَ قُبِل وما خالفَهما رُدَّ.