تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
يَرجِعُ الباحِثونَ أصلَ اليَزيديَّةِ إلى الأكرادِ؛ حَيثُ يَسكُنُ أكثَرُهم في جِهاتِ المَوصِلِ ووِلايةِ أرَوانَ الرُّوسيَّةِ، ومنهم طَوائِفُ في نَواحي دِمَشقَ وبَغدادَ وحَلَبٍ، وهم من أغرَبِ طَوائِفِ المُبتَدِعةِ؛ إذ يَدينونَ بتَقديسِ الشَّيطانِ، ويَقولونَ بالتَّناسُخِ، ولهم في كَتمِ نِحلَتِهم والاحتِفاظِ بأسرارِهم مُبالغةٌ شَديدةٌ طُوِيَت عنِ النَّاسِ زَمَنًا، ثمَّ أتيحَ لبَعضِ مَن خالطَهم من روَّادِ الإفْرِنجِ وغَيرِهم كَشفُ القِناعِ عن كَثيرٍ مِن دَخائِلِهم، ولكِنْ وَقَع في عِباراتِهم منَ الاختِلافِ ما لا بُدَّ من وُقوعِه في كُلِّ أمرٍ يُحاطُ بالخَفاءِ والكِتمانِ. وأوَّلُ مَن تَصَدَّى للبَحثِ عن أمرِهم من أصحابِ المَجَلَّاتِ العَرَبيَّةِ -فيما يُعلَمُ- صاحِبُ مَجَلَّةِ الجِنان [1770] (7/ 525). التي كانت تَصدُرُ في بَيروتَ، ثمَّ نَشَرَت مَجَلَّةُ المُقتَطَفِ [1771] (13/393). فصلًا مُلخَّصًا ممَّا حَقَّقَه عنهم أحَدُ روَّادِ الفِرِنجِ بَعدَ ما عاشَرَهم دَهرًا، ثمَّ نَشَرَت مَجَلَّةُ الضِّياءِ [1772] (1/ 705). فَصلًا عنهم لا يَختَلِفُ في جَوهَرِه عَمَّا في المُقتَطَفِ، وإن بايَنَه في بَعضِ المَواضِعِ بشَيءٍ منَ الاختِلافِ والزِّيادةِ والنُّقصانِ، ثمَّ نَشَرَت مَجَلَّةُ المَشرِقِ [1773] (2/ 32، 151، 309، 395، 547، 651، 731، 830). فصلًا آخَرَ كان أوفى ممَّا تَقدَّمه في استِقصاءِ أخبارِهم، وعُثِرَ في المَوصِلِ على نُسخةٍ مَخطوطةٍ باللُّغةِ العَرَبيَّةِ من كِتابَيهما (الجلوة) و(مُصحَف رَش)، فنَشَرَهما بنَصَّيهما في إحدى المَجَلَّاتِ الأمريكيَّةِ بالتَّرجَمةِ الإنكِليزيَّةِ، وعَثَرَ أحَدُ عُلَماءِ المَشرِقيَّاتِ بالنِّمسا على نُسخةٍ منهما بالعَرَبيَّةِ والكُرديَّةِ، فطَبعهما بالنَّصَّينِ والتَّرجَمةِ النِّمسيَّةِ في فِييِنَّا، فازدادَ أمرُهم جَلاءً ووُضوحًا، وأُميطَ اللِّثامُ عَمَّا تَضارَب فيهم من أقوالٍ في المَجَلَّاتِ المُتَقدِّمِ ذِكرُها. ولا يَخفى أنَّ الغالبَ في كَثيرٍ منَ النِّحَلِ والمَذاهِبِ أن يَطرَأَ عليها التَّغييرُ والتَّبديلُ بَعدَ ذَهابِ الدَّاعينَ إليها؛ إمَّا بالابتِداعِ فيها أو بتَغييرِ النُّصوصِ أو بتَأويلِها على حَسَبِ ما توحيه الآراءُ أو تُزَيِّنُه الأهواءُ، والشَّواهِدُ على ذلك كَثيرةٌ، غَيرَ أنَّ التَّغييرَ يَختَلفُ قِلَّةً وكَثرةً تَبَعًا للمُهَيمنينَ على المَذهَبِ، ووَفْقَ أغراضِهم واستِعدادِ نُفوسِ مُتَّبِعيهم، وهو عَينُ ما طَرَأ على مَذهَبِ اليَزيديَّةِ؛ فإنَّهم لم يَكونوا في مَبدَأِ أمرِهم سِوى طائِفةٍ منَ الصُّوفيَّةِ لهم طَريقٌ خاصٌّ، كالحالِ في سائِرِ طَوائِفِ القَومِ غَيرَ أنَّهم غَلَوا في شَيخِهم غُلُوًّا تَجاوزَ الحَدَّ، وأدَّى إلى اعتِقادِهم فيه بما لا يوافَقُ عليه شَرعًا ولا عَقلًا، ثمَّ قامَ فيهم رُؤَساءُ السُّوءِ، فتَوسَّعوا في مَذهَبِهم وأدخَلوا فيه ما وافقَ أهواءَهم، وما زالوا يَنقُصونَ منه ويَزيدونَ فيه قَرنًا بَعدَ قَرنٍ حتَّى خَرَجوا منَ الإسلامِ جُملةً! ولم يَكُنْ لهذه الطَّائِفةِ وُجودٌ ولا ذِكرٌ في التَّاريخِ قَبلَ القَرنِ السَّادِسِ حتَّى اشتَهَرَ الشَّيخُ عَديُّ بنُ مُسافِرٍ بالزُّهدِ والورَعِ وكَثرةِ المُجاهَدةِ، وتَسامَع به النَّاسُ فقَصَدوه منَ الأطرافِ للاستِرشادِ، ثمَّ انتَقَل إلى جِبالِ هَكَّارٍ مَوطِنِ الأكرادِ، فتَبعَه منهم خَلقٌ كَثيرٌ اتَّخَذَ منهمُ المُريدينَ وأحدَث الطَّريقةَ العَدَويَّةَ، ولم يَكُنْ على شَيءٍ مُريبٍ في طَريقَتِه، وإلَّا لما أثنى عليه كُلُّ الذينَ كَتَبوا عنه، وخاصَّةً ابنَ تيميَّةَ [1774] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (3/ 377) و (11/ 103). . ولمَّا فشا فيهمُ الانحِرافُ وشاعَ عنهم كَتَب إليهمُ ابنُ تيميَّةَ الرِّسالةَ العَدَويَّةَ، وهي طَويلةٌ بَناها على النُّصحِ والإرشادِ إلى طَريقِ السُّنَّةِ والحَضِّ على التَّمَسُّكِ بها، وتَعَرَّض فيها لِما كانوا عليه في زَمَنِ الشَّيخِ منَ الاتِّباعِ والتَّمَسُّكِ وحُسنِ الاعتِقادِ؛ فحَذَّرَهم منَ البدَعِ والغُلوِّ في المَشايِخِ [1775] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (3/ 410). . فيَتَّضِحُ من هذا أصلُ مَنشَأِ هذه الطَّائِفةِ، وأنَّها كانت تُسَمَّى في أوَّلِ الأمرِ بالعَدَويَّةِ نِسبةً إلى شَيخِها، ثمَّ تَسَمَّت بَعدَ ذلك باليَزيديَّةِ.