تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
تأثَّر الأشاعِرةُ في نَظرتِهم إلى حقيقةِ الإعجازِ بسَببِ إنكارِهم الأسبابَ والسُّنَنَ الكونيَّةَ وخصائِصَ الأشياءِ، فحصَر أكثَرُ الأشاعِرةِ دلائِلَ النبُوَّةِ في المُعجِزاتِ فقط، وعرَّفوا المُعجِزةَ بأنَّها أمرٌ خارِقٌ للعادةِ، مَقرونٌ بالتحَدِّي، يظهَرُ على يدِ نبيٍّ، سالمٌ من المعارَضةِ، ولم يُفرِّقوا بَينَ المُعجِزاتِ والسِّحرِ إلَّا بأن يتحدَّى الرَّسولُ الكُفَّارَ أن يأتوا بمِثلِ مُعجِزتِه، وحين سوَّوا بَينَ المُعجِزةِ والسِّحرِ التَزموا أنَّ السَّاحِرَ إذا ادَّعى النبُوَّةَ أو عارَض نبيًّا، فلا بُدَّ أن يُسْلَبَ القُدرةَ على السِّحرِ، أو لا يحصُلُ مع سِحرِه ما كان يحصُلُ قَبلَ ذلك؛ تحقيقًا لسلامةِ دليلِ النبُوَّةِ من المعارَضةِ. أقوالُ الأشاعِرةِ في تقريرِ مذهَبِهم في الخوارِقِ والمُعجِزاتِ: 1- قال الباقِلَّانيُّ: (يجِبُ أن يُعلَمَ أنَّ صِدقَ مُدَّعي النبُوَّةِ لم يثبُتْ بمجَرَّدِ دَعواه، وإنَّما يثبُتُ بالمُعجِزاتِ، وهي أفعالُ اللهِ تعالى الخارِقةُ للعادةِ المُطابِقةُ لدعوى الأنبياءِ، وتحَدِّيهم للأُمَمِ بالإتيانِ بمِثلِ ذلك) [958] ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: 58). . 2- قال أبو المعالي الجُوَينيُّ: (لا دليلَ على صِدقِ النَّبيِّ غيرُ المُعجِزةِ، فإن قيل: هل في المقدورِ نصبُ دليلِ صِدقِ النَّبيِّ غيرِ المُعجِزةِ؟ قُلْنا: ذلك غيرُ مُمكِنٍ، فإنَّ ما يُقَدَّرُ دليلًا على الصِّدقِ لا يخلو إمَّا أن يكونَ مُعتادًا يستوي فيه البَرُّ والفاجِرُ، فيستحيلَ كونُه دليلًا. وإن كان خارقًا للعادةِ يستحيلُ كونُه دليلًا دونَ أن يتعلَّقَ به دعوى النَّبيِّ؛ إذ كلُّ خارقٍ للعادةِ يجوزُ تقديرُ وُجودِه ابتداءً مِن فِعلِ اللهِ تعالى؛ فإذا لم يكُنْ بُدٌّ من تعَلُّقِه بالدَّعوى فهو المُعجِزةُ بعَينِها) [959] ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (ص: 351). . وقال الجُوينيُّ أيضًا: (ما من أمرٍ يخرِقُ العوائِدَ إلَّا وهو مقدورٌ للرَّبِّ تعالى ابتداءً، ولا يمتَنِعُ وقوعُ شيءٍ لتقبيحِ عَقلٍ لِما مهَّدْناه فيما سبَق، وليس في وُقوعِ الكرامةِ ما يقدَحُ في المُعجِزةِ؛ فإنَّ المُعجِزةَ لا تدُلُّ لعينِها، وإنَّما تدُلُّ لتعَلُّقِها بدعوى النَّبيِّ الرِّسالةَ ونزولِها مَنزلةَ التَّصديقِ بالقَولِ، والمَلكُ الذي يُصدِّقُ مُدَّعي الرِّسالةِ بما يوافِقُه وبما يطابِقُ دَعواه، لا يمتَنِعُ أن يصدُرَ منه مِثلُه إكرامًا لبعضِ أوليائِه، ولا يقدَحُ مَرامَ الإكرامِ في قَصدِ التَّصديقِ، إذا أراد التَّصديقَ، ولا خَفاءَ بذلك على من تأمَّل، فإن قيل: فما الفَرقُ بَينَ الكرامةِ والمُعجِزةِ؟ قُلنا: لا يفترقانِ في جوازِ العَقلِ إلَّا بوُقوعِ المُعجِزةِ على حسَبِ دعوى النبُوَّةِ) [960] ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (ص: 339). . 3- قال الغَزاليُّ: (تظهَرُ الكراماتُ التي هنَّ أخواتُ المُعجِزاتِ، وبينهما فرقٌ في التحدِّي والإظهارِ والاستتارِ، بل إذا وصَل العبدُ إلى درجةِ التمكينِ صار الكُلُّ بحُكمِه، ما شاء فَعَل) [961] ((مجموعة رسائل الإمام الغزالي)) (ص: 493). . 4- قال الشَّهرَستانيُّ: (اعلَمْ أنَّ كُلَّ كرامةٍ تظهَرُ على يدِ وَليٍّ فهي بعينِها مُعجزةٌ لنبيٍّ، إذا كان الوَليُّ في مُعاملاتِه تابعًا لذلك النَّبيِّ، وكُلُّ ما يظهَرُ في حقِّه فهو دليلٌ على صِدقِ أستاذِه وصاحِبِ شريعتِه، فلا تكونُ الكرامةُ قطُّ قادحةً في المُعجِزاتِ، بل هي مؤيِّدةٌ لها، دالَّةٌ عليها، راجِعةٌ عنها، وعائِدةٌ إليها) [962] ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص: 277). . 5- قال الرَّازيُّ: (اعلَمْ أنَّ آياتِ النبُوَّاتِ المُسَمَّاةَ بالمُعجِزاتِ قد تكونُ من قَبيلِ مقدوراتِ البَشَرِ كالتصَعُّدِ في الهواءِ، والمشيِ على الماءِ، وقد لا تكونُ من قَبيلِ مقدوراتِ البشَرِ كإحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمَهِ والأبرَصِ، وقد اتَّفق المُسلِمونَ على إطلاقِ لفظِ المُعجِزةِ على القِسمَينِ) [963] ((الإشارة في علم الكلام)) (ص: 303). . وقال الرَّازيُّ أيضًا: (الكَراماتُ هي أن يخرِقَ اللهُ تعالى العادةَ لدَعوةِ الأولياءِ، وذلك جائزٌ باتِّفاقِ أكثَرِ العُلَماءِ، واختَلفوا اختِلافًا كثيرًا فيما يجوزُ ظُهورُه من خوارِقِ العاداتِ على أيدي الأولياءِ، والذي اختاره المحقِّقونَ أنَّه يجوزُ ظُهورُ جميعِ خوارِقِ العاداتِ على أيدي الأولياءِ) [964] ((الإشارة في علم الكلام)) (ص: 320) بتصرُّفٍ. . 6- قال السُّنوسيُّ: (يجوزُ على القَولِ بأنَّ دَلالةَ المُعجِزةِ عاديَّةٌ أن تظهَرَ المُعجِزةُ على أيدي الكذَّابينَ، ولا يكونُ العِلمُ حينَئذٍ حاصِلًا بنبُوَّتِهم، وإلَّا انقلَب العِلمُ جَهلًا، إلَّا أنَّه سُبحانَه تفضَّل بعَدَمِ خَرقِ العادةِ في هذا الأمرِ، فلم يُظهِرِ المُعجِزةَ قَطُّ على يدِ كذَّابٍ، بل عادتُه أن يفضَحَ كُلَّ من أراد أن يَبرُزَ بمَنصِبِ النبُوَّةِ وليس من أهلِها، هذا فيما عُلِم بالاستقراءِ من عادتِه تعالى فيما مضى، وأمَّا في المُستقبَلِ فقد كفانا اللهُ هذه المُؤنةَ بحُصولِ العِلمِ القَطعيِّ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النبيِّينَ، فكُلُّ من ادَّعى بَعدَه مَنصِبَ النبُوَّةِ فليس إلَّا الإسلامُ أو السَّيفُ، ولا يُلتفَتُ إلى قَولِه، ولا إلى الخارِقِ الذي يَظهَرُ على يَدِه) [965] ((حواش على شرح الكبرى للسنوسي)) (ص: 464). .