موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ السَّادِسُ: هَلِ الجَمعُ المُنكَّرُ المُضافُ إلى ضَميرِ الجَمعِ يَقتَضي العُمومَ في كُلٍّ مِنَ المُضافِ والمُضافِ إليه؟


مِثالُ ذلك: قَولُ اللهِ تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103] ، فهَل تَقتَضي هذه الآيةُ أخذَ الصَّدَقةِ مَن كُلِّ نَوعٍ مِن أنواعِ المالِ؟ أو أخذَ الصَّدَقةِ مَن نَوعٍ واحِدٍ مِنَ المالِ؟ [1306] يُنظر: ((الوصول)) لابن برهان (1/304)، ((الإحكام)) للآمدي (2/279)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/307).
اختَلَف الأُصوليُّونَ في هذه المَسألةِ، والرَّاجِحُ: أنَّ الجَمعَ المُنكَّرَ المُضافَ إلى ضَميرِ الجَمعِ يَقتَضي العُمومَ في كُلٍّ مِنَ المُضافِ والمُضافِ إليه، وهو مَذهَبُ جُمهورِ الأُصوليِّينَ [1307] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/279)، ((البحر المحيط)) للزركشي (4/236)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/307)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/316). ، ومِنهمُ الجَصَّاصُ [1308] يُنظر: ((الفصول)) (1/74). ، وابنُ السُّبكيِّ [1309] يُنظر: ((جمع الجوامع)) (ص: 45). ، والإسنَويُّ [1310] يُنظر: ((نهاية السول)) (ص: 191)، ((التمهيد)) (ص: 343). .
فقَولُ اللهِ تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103] قد يَقتَضي أخذَ الصَّدَقةِ مِن كُلِّ نَوعٍ مِن أنواعِ المالِ، فكان مخرَجُ الآيةِ عامًّا على الأموالِ، وكان يَحتَمِلُ أن يَكونَ بَعضُ الأموالِ دونَ بَعضٍ، فدَلَّتِ السُّنَّةُ على أنَّ الزَّكاةَ في بَعضِ المالِ دونَ بَعضٍ [1311] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (4/236). .
قال الشَّافِعيُّ: (ولَولا دَلالةُ السُّنَّةِ كان ظاهرُ القُرَآنِ أنَّ الأموالَ كُلَّها سَواءٌ، وأنَّ الزَّكاةَ في جَميعِها لا في بَعضِها دونَ بَعضٍ) [1312] ((الرسالة)) (ص: 187، 196). .
والدَّليلُ على ذلك أنَّ الجَمعَ المُضافَ مِن ألفاظِ العُمومِ، وضَميرَ الجَمعِ مِن صيَغِ العُمومِ أيضًا، فإذا أُضيف العامُّ إلى العامِّ اقتَضى ذلك العُمومَ في كُلٍّ مِنَ المُضافِ والمُضافِ إليه عملًا بظاهرِ اللَّفظِ، فنُزِّلَ ذلك مَنزِلةَ قَولِه: خُذْ مِن كُلِّ نَوعٍ مِن أموالِهم صَدَقةً، فكانتِ الصَّدَقةُ مُتَعَدِّدةً بتَعَدُّدِ أنواعِ الأموالِ [1313] يُنظر: ((الوصول)) لابن برهان (1/305)، ((الإحكام)) للآمدي (2/279)، ((العقد المنظوم)) للقرافي (1/561)، ((البحر المحيط)) للزركشي (4/237)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1585). .
وقيلَ: إنَّ الجَمعَ المُنكَّرَ المُضافَ إلى ضَميرِ الجَمعِ لا يَقتَضي العُمومَ في كُلٍّ مِنَ المُضافِ والمُضافِ إليه. وهو مَذهَبُ جُمهورِ الحَنَفيَّةِ [1314] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 158)، ((أصول السرخسي)) (1/276)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/257). ، ورَجَّحَه ابنُ الحاجِبِ [1315] يُنظر: ((مختصر منتهى السول)) (2/782). .
وقيلَ بالتَّوقُّفِ، وهو قَولُ الآمِديِّ [1316] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/279). .
مثالٌ تَطبيقيٌّ للمَسألةِ:
يَتَرَتَّبُ على المَذهَبِ الرَّاجِحِ أنَّه يَجِبُ أخذُ صَدَقةٍ من كُلِّ نَوعٍ مِن أنواعِ المالِ لكُلِّ مالِكٍ، ولا تَكفي صَدَقةٌ مَن نَوعٍ واحِدٍ مِنَ الأموالِ.
ويَتَرَتَّبُ على مَذهَبِ جُمهورِ الحَنَفيَّةِ: أنَّه لا يَجِبُ الأخذُ من كُلِّ نَوعٍ مَن أنواعِ المالِ، ويَكفي أخذُ صَدَقةٍ مَن نَوعٍ واحِدٍ مِن جَميعِ الأموالِ مَن كُلِّ مالِكٍ، فإذا أخَذَ مِن مالٍ واحِدٍ ذلك صَدَق أنَّه أخَذَ مِنَ الأموالِ [1317] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (1/230)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/307)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1585). .

انظر أيضا: