موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: الفرقُ بَينَ المُطلَقِ والعامِّ والنَّكِرةِ والمَعرِفةِ والعَدَدِ


لكُلِّ شَيءٍ حَقيقةٌ يَتَمَيَّزُ بها، وتلك الحَقيقةُ مُغايِرةٌ لكُلِّ ما عَداها مِنَ الأُمورِ اللَّازِمةِ لها والمُفارِقةِ، كالإنسانيَّةِ؛ فإنَّها -مِن حَيثُ هيَ حَقيقةٌ- مُغايِرةٌ للوَحدةِ والكَثرةِ، وإن لَم تَنفَكَّ عن إحداهما.
فالجِسمُ الإنسانيُّ مَثَلًا له حَقيقةٌ: وهيَ الحَيَوانُ النَّاطِقُ، وذلك الجِسمُ بتلك الحَقيقةِ إنسانٌ؛ فإنَّ الإنسانَ إنَّما يَكونُ إنسانًا بالحَقيقةِ، وتلك الحَقيقةُ مُغايِرةٌ لِما عَداها، سَواءٌ كان ما عَداها مُلازِمًا لها كالوَحدةِ والكَثرةِ، أو مُفارِقًا كالحُصولِ في الحَيِّزِ المُعَيَّنِ، فمَفهومُ الإنسانِ مِن حَيثُ هو إنسانٌ لا واحِدٌ ولا كَثيرٌ؛ لكَونِ الوَحدةِ والكَثرةِ مُغايِرةٌ للمَفهومِ مِن حَقيقَتِه، وإن كان لا يَخلو عنه [2159] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1225)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 182). .
وبناءً على ذلك:
- فاللَّفظُ الدَّالُّ على تلك الحَقيقةِ مِن حَيثُ هيَ، مِن غَيرِ اعتِبارِ عارِضٍ مِن عَوارِضِها: هو المُطلَقُ، كقَولِنا: الرَّجُلُ خَيرٌ مِنَ المَرأةِ.
- واللَّفظُ الدَّالُّ على تلك الحَقيقةِ مَعَ وَحدةٍ مُعَيَّنةٍ -أي: مَعَ الدَّلالةِ على كَونِه واحِدًا: إمَّا بالشَّخصِ، أو بالنَّوعِ، أو بالجِنسِ- هو المَعرِفةُ.
فالشَّخصُ: كَزَيدٍ، وعائِشةَ. والنَّوعُ: كَإنسانٍ، وفرَسٍ. والجِنسُ: كَحَيَوانٍ.
- واللَّفظُ الدَّالُّ على تلك الحَقيقةِ مَعَ وحدةٍ غَيرِ مُعَيَّنةٍ: هو النَّكِرةُ، مِثلُ: رَأيتُ رَجُلًا.
فالفَرقُ بَينَ المُطلَقِ والنَّكِرةِ: أنَّ المُطلَقَ: لَفظٌ دالٌّ على الحَقيقةِ مِن حَيثُ هيَ. والنَّكِرةُ: لَفظٌ دالٌّ على الحَقيقةِ مَعَ وَحدةٍ غَيرِ مُعَيَّنةٍ. فالمُطلَقُ أعَمُّ مِنَ النَّكِرةِ؛ لأنَّه غَيرُ مُقَيَّدٍ بأيِّ عارِضٍ مِنَ العَوارِضِ، والنَّكِرةُ مُقَيَّدةٌ بعارِضِ الوَحدةِ غَيرِ المُعَيَّنةِ.
- واللَّفظُ الدَّالُّ على تلك الحَقيقةِ مَعَ وَحَداتٍ، أي: مَعَ كَثرةٍ: فإمَّا أن تَكونَ تلك الكَثرةُ مَعدودةً، أي: مَحصورةً، أو لا؛ فإن كانت مَحصورةً فهيَ العَدَدُ، كَمِائةٍ وعَشرةٍ، فالعَدَدُ مَحصورٌ لا يَتَناولُ ما عَداه مِن جُزئيَّاتِ الماهيَّةِ، بَل يَدُلُّ على بَعضِ أفرادِها.
وإن لَم تَكُنْ مَعدودةً بَلِ استَوعَبَت جَميعَ جُزئيَّاتِ تلك الحَقيقةِ، أي: لكُلِّ فردٍ مِن أفرادِها: فهو العامُّ، كالرِّجالِ والمُسلِمينَ [2160] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1225)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 182)، ((تحفة المسؤول)) للرهوني (3/258)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/810)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1696)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (3/9). .

انظر أيضا: