موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: الفَرقُ بَينَ التَّقييدِ والنَّسخِ


أوَّلًا: أوجُهُ الاتِّفاقِ بَينَ التَّقييدِ والنَّسخِ [2176] يُنظر: ((المطلق والمقيد)) للصاعدي (ص: 440). :
1- أنَّ كُلًّا مِنهما بَيانٌ للمَطلوبِ مِنَ المُكَلَّفِ، ومَعنى ذلك: أنَّه بَعدَ مَجيءِ المُقَيَّدِ قد أصبَحَ حُكمُ اللَّفظِ المُطلَقِ مُشابِهًا لحُكمِ اللَّفظِ المَنسوخِ في الظَّاهرِ مِن حَيثُ العَمَلُ فيما يُستَقبَلُ مِنَ الزَّمانِ.
ووَجهُ الشَّبَهِ: أنَّ في كُلٍّ منها تَركًا لِما أفادَه اللَّفظُ الأوَّلُ ظاهرًا، إمَّا حَقيقةً كما في اللَّفظِ المَنسوخِ، وإمَّا ظاهرًا كما في المُطلَقِ المُقَيَّدِ.
2- أنَّ كُلًّا مِنهما قائِمٌ على التَّعارُضِ بَينَ النَّصَّينِ، وإن كان التَّعارُضُ بَينَ المُطلَقِ والمُقَيَّدِ لا يُعَدُّ تَعارُضًا إذا قيسَ بالتَّعارُضِ الذي يَقومُ عليه النَّسخُ؛ لأنَّ التَّقييدَ فيه عَملٌ بالدَّليلَينِ، بخِلافِ النَّسخِ الكُلِّيِّ؛ فإنَّ فيه عملًا بالدَّليلِ النَّاسِخِ، وإهدارًا للدَّليلِ المَنسوخِ.
3- أنَّ في كُلٍّ مِنَ التَّقييدِ والنَّسخِ تَركًا للمُطلَقِ والدَّليلِ المَنسوخِ، وعَمَلًا بالمُقَيَّدِ والدَّليلِ النَّاسِخِ، لَكِنَّ هذا لا يَطَّرِدُ إلَّا في النَّسخِ؛ فإنَّه يُعمَلُ فيه بالدَّليلِ النَّاسِخِ فقَط، وأمَّا المُطلَقُ فإنَّنا عِندَما ضَيَّقنا دائِرَتَه بالقَيدِ الذي ورَدَ عليه لَم نُهمِلْه بالكُلِّيَّةِ، بَل عَمِلنا به في بَعضِ أحوالِه، وهذا هو مُرادُ الشَّارِعِ مِنه، بخِلافِ النَّسخِ فقد نَسَخَ مُرادَ الشَّارِعِ مِنَ الحُكمِ.
ثانيًا: أوجُهُ الفَرقِ بَينَ التَّقييدِ والنَّسخِ
يُمكِنُ إيجازُ الفَرقِ بَينَ التَّقييدِ والنَّسخِ فيما يَلي [2177] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/199)، ((المطلق والمقيد)) للصاعدي (ص: 441)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/227). :
1- التَّقييدُ مُفرَدٌ؛ لأنَّه وصفٌ للمُطلَقِ في المَعنى، والأصلُ في الوصفِ أن يَكونَ بلَفظٍ مُفرَدٍ، ومِن ثَمَّ فهو غَيرُ مُستَقِلٍّ بنَفسِه عنِ المَوصوفِ. أمَّا النَّسخُ فهو جُملةٌ تامَّةٌ في مَعناها؛ لأنَّ مِن شَرطِه التَّأخُّرَ عنِ المَنسوخِ، والِاستِقلالُ في المَعنى لازِمٌ له.
2- أنَّ النَّصَّ المُطلَقَ لَم يَرتَفِعْ حُكمُه، وإنَّما ضُيِّقَت دائِرَتُه بالقَيدِ الذي ورَدَ عليه. أمَّا المَنسوخُ فقد رُفِعَ حُكمُه بالدَّليلِ النَّاسِخِ.
3- المُطلَقُ ما زالَ كما هو دليلًا على الحُكمِ مَعَ مُراعاةِ القَيدِ عِندَ العَمَلِ. أمَّا المَنسوخُ فلا يُمكِنُ أن يُعتَبَرَ دليلًا بَعدَ نَسخِه. فالتَّقييدُ على هذا وَصفٌ للنَّصِّ المُطلَقِ يُقَلِّلُ مِن مَدلولِه، والنَّسخُ ليس كذلك؛ لأنَّه إهدارٌ للدَّليلِ المَنسوخِ.
4- التَّقييدُ يَقَعُ بالسَّابِقِ والمُقارِنِ واللَّاحِقِ الذي لم يَتَأخَّرْ عن وقتِ العَمَلِ عِندَ جُمهورِ الأُصوليِّينَ. أمَّا النَّسخُ فلا يَكونُ إلَّا باللَّاحِقِ، أي: بالمُتَأخِّرِ في نُزولِه عنِ المَنسوخِ. ومَذهَبُ الحَنَفيَّةِ في التَّقييدِ بالمُتَأخِّرِ كالتَّخصيصِ به، يَعتَبِرونَ كِلَيهما نَسخًا، فعلى هذا التَّقييدِ وإن كان نَسخًا فهو أعَمُّ مِنَ النَّسخِ المُتَعارَفِ؛ مِن حَيثُ ما يَثبُتُ به، أو مِن حَيثُ طَريقُه.
5- التَّقييدُ قد يَدخُلُ على الأوامِرِ والأخبارِ وغَيرِهما إذا اشتَمَلَت على حُكمٍ شَرعيٍّ. أمَّا النَّسخُ فلا يَدخُلُ إلَّا على الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وعليه فالتَّقييدُ أعَمُّ مِن حَيثُ المَحَلُّ.

انظر أيضا: