موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الرَّابعةُ: الفَرقُ بينَ المَكروهِ وخِلافِ الأَولى


مِنَ الفُقَهاءِ مَن فَرَّق بينَ المَكروهِ وخِلافِ الأَولى بأنَّ ما ورَدَ فيه نَهيٌ مَقصودٌ يُقالُ فيه: مَكروهٌ. وما لَم يَرِدْ فيه نَهيٌ مَقصودٌ يُقالُ فيه: خِلافُ الأَولى، ولا يُقالُ: مَكروهٌ [527] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/394). .
بمَعنى أنَّ خِلافَ الأَولى لَم يَرِدْ فيه نصٌّ خاصٌّ بالنَّهيِ عنه، وإنَّما ورَدَ الأمرُ بضِدِّه على سَبيلِ النَّدبِ، والأمرُ بالشَّيءِ نَدبًا نَهيٌ عن ضِدِّه نَهيَ خِلافِ الأَولى، كالأمرِ بصَلاةِ الضُّحى يَلزَمُه النَّهيُ عن تَركِها، وهو خِلافُ الأَولى؛ لأنَّه لَم يُنهَ عنه بنصٍّ خاصٍّ، وإنَّما أُمِرَ بضِدِّه.
وأمَّا الكراهةُ فهي ما ورَدَ فيه نَصٌّ مُصَرِّحٌ بالنَّهيِ عنه نَهيًا غيرَ جازِمٍ، كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسجِدَ فلا يَجلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكعَتينِ)) [528] أخرجه البخاري (1163) واللفظ له، ومسلم (714) من حديثِ أبي قتادةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فالجُلوسُ قَبلَ صَلاتِهما مَكروهٌ؛ لوُرودِ النَّهيِ صَريحًا عنه بخُصوصِه [529] يُنظر: ((جمع الجوامع)) لابن السبكي (ص: 13)، ((حاشية العطار)) (1/113). .
والمَعروفُ عِندَ الأُصوليِّينَ تَقسيمُ الأحكامِ إلى الخَمسةِ، وهي ما عَدا خِلافَ الأَولى، وأنَّ الكراهةَ عِندَهم طَلَبُ التَّركِ طَلَبًا غيرَ جازِمٍ، ولمَّا كانتِ الكراهةُ في الأوَّلِ -وهو ذو النَّهيِ المَخصوصِ- آكَدَ مِنها في الثَّاني، وهو ذو النَّهيِ غيرِ المَخصوصِ، ووقَعَ الخِلافُ في أشياءَ؛ فخَصَّ بَعضُ الفُقَهاءِ الثَّانيَ باسمِ خِلافِ الأَولى؛ تَمييزًا لَه [530] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/400)، ((حاشية العطار)) (1/115). .
ويَتَرَتَّبُ على التَّفريقِ بينَهما أنَّ الطَّلَبَ في المَطلوبِ بالمَخصوصِ أشَدُّ مِنه في المَطلوبِ بغَيرِ المَخصوصِ [531] يُنظر: ((البدر الطالع)) للمحلي (1/95)، ((حاشية العطار)) (1/115). .
والتَّحقيقُ: أنَّ خِلافَ الأَولى قِسمٌ مِنَ المَكروهِ، ودَرَجاتُ المَكروهِ تَتَفاوتُ كما يَتَفاوتُ المَندوبُ، ولا يَنبَغي أن يُعَدَّ قِسمًا آخَرَ، وإلَّا لَكانتِ الأحكامُ سِتَّةً، وهو خِلافُ المَعروفِ، أو كان خِلافُ الأَولى خارِجًا عنِ الشَّريعةِ، وليس كذلك [532] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/400). .

انظر أيضا: