موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الأوَّلُ: النَّسخُ لُغةً


النَّسخُ في اللُّغةِ يُطلَقُ على الرَّفعِ والإزالةِ، ومِنه قَولُهم: نَسَخَتِ الشَّمسُ الظِّلَّ، أي: رَفعَته وأزالَته.
كَما يُطلَقُ أيضًا على النَّقلِ والتَّحويلِ، ومِنه قَولُهم: نَسَختُ الكِتابَ، أي: نَقَلتُ ما فيه، سَواءٌ مَعَ بَقاءِ الأوَّلِ كالمِثالِ السَّابِقِ، أو مَعَ عَدَمِ بَقاءِ الأوَّلِ، كالمُناسَخاتِ في المَواريثِ، وتَناسُخُ المَواريثِ: تَحويلُ الميراثِ مِن واحِدٍ إلى واحِدٍ [74] يُنظر: ((أساس البلاغة)) للزمخشري (2/266)، ((لسان العرب)) لابن منظور (3/61)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 892). وقدِ اختَلَف الأصوليُّونَ في مَعنَيَيِ النَّسخِ في اللُّغةِ -مَعنى الرَّفعِ والإزالةِ، ومَعنى النَّقلِ- في أيِّهما يَكونُ النَّسخُ حَقيقةً، وفي أيِّهما يَكونُ مَجازًا. يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/33)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/252)، ((النسخ)) لنادية العمري (ص: 22). قال السَّمعانيُّ: (اعلَمْ أنَّ مَعنى النَّسخِ في اللُّغةِ نَقلُ الشَّيءِ وإزالَتُه بَعدَ ثُبوتِه، مِن قَولِك: نَسَخَتِ الشَّمسُ الظِّلَّ: إذا أزالَته، ونَسَخَتِ الرِّياحُ الآثارَ: إذا مَحَتها، ويُقالُ أيضًا: نَسَختُ الكِتابَ، وهو بمَعنى: نَقلِ المَكتوبِ مِن مَكانٍ إلى مَكانٍ آخَرَ، وقيلَ: إنَّ الأشبَهَ أن يَكونَ حَقيقةً بمَعنى الإزالةِ فحَسبُ، وأمَّا بمَعنى النَّقلِ فيَكونُ مَجازًا؛ لأنَّ ما في الكِتابِ لا يُنقَلُ حَقيقةً، ألَا تَرى أنَّه ثابِتٌ فيه على ما كان مِن قَبلُ، وإذا كان مَجازًا في النَّقلِ كما ذَكَرنا لم يَبقَ إلَّا أن يَكونَ حَقيقَتُه في الإزالةِ، ويَجوزُ أن يُقالَ: إنَّه حَقيقةٌ في النَّقلِ أيضًا؛ لأنَّه إذا نُسِخَ الكِتابُ فقد حَصَلَ المَكتوبُ الذي كان في هذا المَوضِعِ في مَوضِعٍ آخَرَ، فصارَ شِبهَ النَّقلِ إن لم يَكُنْ نَقلًا حَقيقةً، فدَلَّنا هذا أنَّ اسمَ النَّسخِ مَوضوعٌ للنَّقلِ؛ حَيثُ تجَوَّزوا به فيما يُشبِهُ النَّقلَ، وأمَّا نَسخُ الكِتابِ بإزالةٍ وهو لا شِبهُ الإزالةِ، وقد قيلَ: إنَّ ما قالوه لا يَدُلُّ على أنَّه ليس بحَقيقةٍ في الإزالةِ؛ لأنَّا بَيَّنَّا مِن حَيثُ اللُّغةُ أنَّهم عَرَّفوا النَّسخَ بمَعنى الإزالةِ، ويُمكِنُ أن يُقالَ: إنَّ النَّقلَ بمَعنى الإزالةِ سُمِّيَ نَسخًا؛ لأنَّ النَّقلَ يُزيلُ المَنقولَ مِن مَكانِه الأوَّلِ. والأَولى في الشَّرعِ أن يَكونَ بمَعنى الإزالةِ وَحدَه؛ لأنَّه خِطابٌ دالٌّ على ارتِفاعِ الحُكمِ الثَّابِتِ بالخِطابِ المُتَقدِّمِ على وَجهٍ لَولاه لَكان لازِمًا مَعَ تَراخيه عنه). ((قواطع الأدلة)) (1/ 417). ومِمَّنِ اختارَ أنَّ النَّسخَ في الشَّرعِ على المَعنى الأوَّلِ في اللُّغةِ، وهو الرَّفعُ والإزالةُ: مَكِّيٌّ، والخَطيبُ البَغداديُّ، وأبو الوليدِ الباجيُّ، والشِّيرازيُّ، وابنُ قُدامةَ، ونَسَبَ صَفيُّ الدِّينِ الهنديُّ إلى الأكثَرينَ أنَّه حَقيقةٌ في الإزالةِ. يُنظر: ((الإيضاح)) لمكي (ص: 47)، ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (1/ 245)، ((الحدود في الأصول)) للباجي (ص: 109)، ((اللمع)) للشيرازي (ص: 55)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 218)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/ 2213). .

انظر أيضا: