موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: نَسخُ مَفهومِ المُخالَفةِ والنَّسخُ به


أوَّلًا: نَسخُ مَفهومِ المُخالَفةِ
نَقَل الكورانيُّ الِاتِّفاقَ على جَوازِ نَسخِ مَفهومِ المُخالَفةِ [468] قال: (يَجوزُ نَسخُ مَفهومِ المُخالَفةِ مَعَ الأصلِ اتِّفاقًا، ويَجوزُ نَسخُ المَفهومِ دونَ الأصلِ، لا العَكسُ). ((الدرر اللوامع)) (2/483). ومِثالُ نَسخِهما مَعًا: أن يُقالَ: في الغَنَمِ السَّائِمةِ زَكاةٌ، ثُمَّ بَعدَ مُضيِّ إمكانِ الفِعلِ يُقالُ: لا زَكاةَ في السَّائِمةِ ولا المَعلوفةِ. يُنظر: ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 374). .
ودَليلُ جَوازِ نَسخِ مَفهومِ المُخالَفةِ: الوُقوعُ، وذلك واضِحٌ مِن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الماءُ مِنَ الماءِ)) [469] أخرجه مسلم (343) من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ فإنَّه نُسِخَ مَفهومُه بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا التَقى الختانانِ)) [470] أخرجه أحمد (26025)، وابن حبان (1183)، والطبراني في ((المُعجَم الأوسَط)) (7119) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، ولفظُ أحمَد والطبراني: ((إذا التَقى الخِتانانِ وجَبَ الغُسلُ)). صَحَّحه ابنُ حبان، والبغوي في ((شرح السنة)) (1/337)، والنووي في ((المَجموع)) (2/130). وأخرجه مسلم (349) بنحوِه من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، بلَفظ: ((إذا جَلَسَ بَينَ شُعَبِها الأربَعِ ومَسَّ الخِتانُ الخِتانَ، فقد وجَبَ الغُسلُ)). ، فهذا نَسَخَ مَفهومَ "الماءُ مِنَ الماءِ"، وهو أنَّه لا غُسلَ عِندَ عَدَمِ الإنزالِ، وبَقيَ أصلُه مُحكَمًا غَيرَ مَنسوخٍ، وهو وُجوبُ الغُسلِ مِنَ الإنزالِ؛ لأنَّ الغُسلَ واجِبٌ مِنَ الإنزالِ بلا خِلافٍ [471] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2382)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/1733)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/876)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 373)، ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 374). .
قال الهِنديُّ: (فأمَّا نَسخُ الأصلِ بدونِه فيُحتَمَلُ أن لا يَجوزَ، ويُحتَمَلُ أن يَجوزَ، وإن كان الأظهَرُ هو الِاحتِمالَ الأوَّلَ؛ لأنَّه إنَّما يَدُلُّ على العَدَمِ باعتِبارِ ذلك القَيدِ المَذكورِ، فإذا بَطَلَ تَأثيرُ ذلك القَيدِ بطَلَ ما يُبنى عليه، فعلى هذا نَسخُ الأصلِ نَسخٌ للمَفهومِ) [472] ((نهاية الوصول)) (6/2383). .
ثانيًا: النَّسخُ بمَفهومِ المُخالَفةِ
اختَلَف الأصوليُّونَ في كَونِ مَفهومِ المُخالَفةِ ناسِخًا، والرَّاجِحُ أنَّه لا يَجوزُ النَّسخُ بمَفهومِ المُخالَفةِ، وهو قَولُ جُمهورِ الأصوليِّينَ [473] يُنظر: ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/483). ، ومِنهمُ العِراقيُّ [474] يُنظر: ((الغيث الهامع)) (ص: 373). ، وبِه قال بَعضُ الشَّافِعيَّةِ [475] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 60). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: أنَّ النَّصَّ أقوى مِن دَليلِه؛ لأنَّ المَفهومَ تابِعٌ ضَعيفٌ لا استِقلالَ له بدونِ الأصلِ [476] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/425)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/108)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/483). .
ثانيًا: أنَّه كالقياسِ، والقياسُ لا يَكونُ ناسِخًا [477] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/512). .
وقيلَ: يَجوزُ النَّسخُ به؛ لأنَّه في مَعنى النُّطقِ به، وهو الصَّحيحُ عِندَ الشِّيرازيِّ [478] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 60). .

انظر أيضا: