موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: هَل وقَعَ الاجتِهادُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟


وقَعَ الاجتِهادُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وهو مَذهَبُ أكثَرِ العُلَماءِ [89] قال ابنُ النَّجَّارِ: (ويَجوزُ اجتِهادُه أيضًا في أمرِ الشَّرعِ عَقلًا وشَرعًا عِندَ أصحابِنا والأكثَرِ). ((شرح الكوكب المنير)) (4/ 475). ، ونَسَبه القاضي عِياضٌ إلى المُحَقِّقينَ [90] قال: (وُقوعُ الاجتِهادِ منه في ذلك على قَولِ المُحَقِّقينَ). ((الشفا)) (2/ 271). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ القُرآنِ
قال اللهُ تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: 67] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عوتِبَ على استِبقاءِ أُسارى بَدرٍ بالفِداءِ، ولا يُعاتَبُ فيما صَدَرَ عن وَحيٍ، فيَكونُ ذلك إذَن صادِرًا عنِ اجتِهادِه [91] يُنظَر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/ 344)، تحقيق ((سلاسل الذهب للزركشي)) للشنقيطي (ص: 429). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حَرَّم اللَّهُ مَكَّةَ فلم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبلي، ولا لأحَدٍ بَعدي، أُحِلَّت لي ساعةً مِن نَهارٍ، لا يُختَلى خَلاها، ولا يُعضَدُ شَجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطتُها إلَّا لمُعَرِّفٍ. فقال العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عنه: إلَّا الإذخِرَ [92] نَوعٌ مِنَ الحَشائِشِ ذو ريحٍ طَيِّبةٍ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 76). لصاغَتِنا وقُبورنا. فقال: إلَّا الإذخِرَ)) [93] أخرجه البخاري (1349) واللفظ له، ومسلم (1353). . وفي رِوايةِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((لقُبورِنا وبُيوتِنا)) [94] لَفظُها: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لَمَّا فتَحَ اللهُ على رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَكَّةَ قامَ في النَّاسِ فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ الفيلَ، وسَلَّطَ عليها رَسولَه والمُؤمِنينَ؛ فإنَّها لا تَحِلُّ لأحَدٍ كان قَبلي، وإنَّها أُحِلَّت لي ساعةً مِن نَهارٍ، وإنَّها لا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعدي، فلا يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا يُختَلى شَوكُها، ولا تَحِلُّ ساقِطَتُها إلَّا لِمُنشِدٍ، ومَن قُتِلَ لَه قَتيلٌ فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ، إمَّا أن يُفدى، وإمَّا أن يُقِيدَ، فقال العَبَّاسُ: إلَّا الإذخِرَ؛ فإنَّا نَجعَلُه لِقُبورِنا وبُيوتِنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إلَّا الإذخِرَ) أخرجها البخاري (2434) واللفظ له، ومسلم (1355). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا الحَديثَ يَدُلُّ على وُقوعِ الاجتِهادِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وذلك لمَّا راجَعَه العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عنه في الإذخِرِ؛ فإنَّه لمَّا بُيِّنَت له الحاجةُ إليه أباحَه للمَصلَحةِ؛ اجتِهادًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [95] يُنظَر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/ 344)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 436). .

انظر أيضا: