موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: رَفعُ الخِلافِ بالإجماعِ


رَفعُ الخِلافِ بالإجماعِ له صورَتانِ:
الصُّورةُ الأولى: أن يحدُثَ الإجماعُ بَعدَ تَقدُّمِ الخِلافِ في عَصرٍ واحِدٍ
فهذا الإجماعُ الحادِثُ يَرفعُ الخِلافَ المُتَقدِّمَ. وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [280] قال الجراعيُّ: (إذا اختَلَف أهلُ العَصرِ على قَولَينِ، تَمَّ اتَّفقوا فله... أن يَكونَ قَبلَ استِقرارِ الخِلافِ؛ فالجُمهورُ على جَوازِه). ((شرح مختصر أصول الفقه)) (1/ 644). وقال ابنُ النَّجَّارِ: (واتِّفاقُ مُجتَهِدي عَصرٍ بَعدَ اختِلافِهم وقدِ استَقَرَّ اختِلافُهم إجماعٌ وحُجَّةٌ عِندَنا، وعِندَ الأكثَرِ). ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 276). ، واختارَه الماوَرديُّ [281] يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) (16/ 115). ، والمَرداويُّ [282] يُنظَر: ((التحبير)) (4/ 1661). ويُنظَر أيضًا: ((العدة)) لأبي يعلى (4/ 1108- 1112)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 324). ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 276). .
مِثالُه: اختِلافُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم في قَتلِ مانِعي الزَّكاةِ، ثُمَّ وافقوا عليه أبا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ تَقدُّمِ خِلافِهم له [283] أنَّ أبا هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِف أبو بكرٍ، وكَفَر من كَفَر من العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد عَصَم منِّي مالَه ونَفْسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ)) قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو منَعوني عَناقًا كانوا يُؤَدُّونها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ. أخرجه البخاري (1399، 1400) واللَّفظُ له، ومسلم (20). ، فارتَفعَ الخِلافُ بالإجماعِ [284] يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/ 115)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/ 644). .
الصُّورةُ الثَّانيةُ: أن يحدُثَ الإجماعُ بَعدَ الخِلافِ في عَصرَينِ مُختَلِفَينِ
والمُرادُ: (إذا اختَلَف أهلُ العَصرِ الأوَّلِ في مَسألةٍ على قَولَينِ، واستَقَرَّ الخِلافُ بَينَهم بحَيثُ صارَ أحَدُ القَولَينِ مَذهَبًا لبَعضٍ، والآخَرُ مَذهَبًا للباقينَ، هَل يَمتَنِعُ أن يَتَّفِقَ أهلُ العَصرِ الثَّاني على أحَدِ القَولَينِ أو لا) [285] ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/ 599). .
فهذه المَسألةُ سَبَقَ تَناوُلُها في مَباحِثِ الإجماعِ (إذا اختَلَف الصَّحابةُ على قَولَينِ وأجمَعَ التَّابِعونَ على أحَدِهما). والمُختارُ أنَّه لا يَرفعُ الخِلافَ، ولا يَكونُ إجماعًا.

انظر أيضا: