موسوعة أصول الفقه

تمهيدٌ: حولَ الحُكمِ الوَضعيِّ


لمَّا كانت رِسالةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتِمةَ الشَّرائِعِ السَّماويَّةِ، كان التَّكليفُ بالشَّريعةِ مُستَمِرًّا إلى قيامِ السَّاعةِ، وهذا التَّكليفُ يُعرَفُ بخِطابِ الشَّارِعِ سُبحانَه وتعالى، وخِطابُه لا يُعرَفُ إلَّا مِن جِهةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو غيرُ مُخَلَّدٍ في الدُّنيا، فكي لا يَتَعَذَّرَ على المُكلَّفينَ مَعرِفةُ حُكمِ اللهِ على ما يَستَجِدُّ مِن حَوادِثَ على مَرِّ الزَّمانِ اقتَضَت حِكمةُ الشَّرعِ نَصْبَ أشياءَ تَكونُ عَلاماتٍ على حُكمِ اللهِ، وتلك العَلاماتُ هي الأسبابُ والشُّروطُ والمَوانِعُ ونَحوُها.
إنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كان يُمكِنُهم في عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَسألوا عن حُكمِ كُلِّ حادِثةٍ بعَينِها؛ لوُجودِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينَهم، فكان يَحكُمُ في كُلِّ مَسألةٍ بحُكمِ اللهِ تعالى، أمَّا مَن لَم يَكُنْ بحَضرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّهم يَتَعَذَّرُ عليهم مَعرِفةُ حُكمِ اللهِ في كُلِّ حادِثةٍ بعَينِها؛ فكان مِنَ الحِكمةِ والرَّحمةِ وَضعُ أُمورٍ كُلِّيَّةٍ تَكونُ عَلاماتٍ مُعَرِّفاتٍ لأحكامِ الشَّرعِ على الدَّوامِ [853] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 75، 76)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/412- 414). .
وهذه العَلاماتُ الثَّابتةُ بخِطابِ اللهِ تعالى اصطَلَحَ العُلَماءُ على تَسميَتِها بخِطابِ الوَضعِ، أوِ الحُكمِ الوَضعيِّ، وميَّزوا بينَها وبينَ الحُكمِ التَّكليفيِّ.

انظر أيضا: