موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: تَعريفُ الشَّرطِ اصطِلاحًا


الشَّرطُ في الاصطِلاحِ هو: ما يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ، ولا يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ لذاتِه [911] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 82)، ((التحرير)) للمرداوي (ص: 122). ويُنظر أيضًا: ((البحر المحيط)) (4/437)، ((تشنيف المسامع)) (2/760) كلاهما للزركشي. .
وقيلَ في تَعريفِ الشَّرطِ أيضًا: هو ما لَزِمَ مِنِ انتِفائِه انتِفاءُ أمرٍ على غيرِ جِهةِ السَّبَبيَّةِ [912] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/430). .
وقيلَ: هو ما يَلزَمُ مِن نَفيِه نَفيُ أمرٍ ما على وَجهٍ لا يَكونُ سَبَبًا لوُجودِه ولا داخِلًا في السَّبَبِ [913] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/ 309). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- جُملةُ: "ما يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ": احتِرازٌ عنِ المانِعِ؛ لأنَّ المانِعَ لا يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ، كما سيَأتي، ويَدخُلُ السَّبَبُ في هذا القيدِ؛ لأنَّ السَّبَبَ يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ.
- جُملةُ: "ولا يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ": احتِرازٌ عنِ السَّبَبِ والمانِعِ أيضًا؛ لأنَّ السَّبَبَ يَلزَمُ مِن وُجودِه الوُجودُ، والمانِعُ يَلزَمُ مِن وُجودِه العَدَمُ.
- كَلِمةُ: "لذاتِه": احتِرازٌ عن مُقارَنةِ الشَّرطِ لوُجودِ السَّبَبِ، فيَلزَمُ الوُجودُ ويوجَدُ المَشروطُ عِندَ وُجودِ شَرطِه، لَكِنَّه ليس لذاتِ الشَّرطِ، بَل لمُقارَنَتِه وُجودَ السَّبَبِ.
مِثالُ ذلك: الحَولُ في الزَّكاةِ، إذا قارَنَه وُجودُ النِّصابِ فإنَّه يَلزَمُ وُجوبُ الزَّكاةِ، لَكِن لا لذاتِ الشَّرطِ الذي هو وُجودُ الحَولِ، بَل لذاتِ وُجودِ السَّبَبِ الذي هو النِّصابُ [914] ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/ 98). .
وأيضًا احتِرازٌ عن مُقارَنةِ الشَّرطِ لوُجودٍ مانِعٍ، فيَلزَمُ العَدَمُ لَكِن لا لذاتِ الشَّرطِ، بَل لأمرٍ خارِجٍ، وهو قيامُ المانِعِ [915] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 82)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/435)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/523).
مِثالُ ذلك: إذا قارَنَ الحَولَ في الزَّكاةِ وُجودُ الدَّينِ الذي هو المانِعُ -على القَولِ بأنَّه مانِعٌ مِن وُجوبِ الزَّكاة- فلا تَجِبُ الزَّكاةُ، ولَكِنْ ذلك لعارِضٍ -وهو: وُجودُ المانِعِ- لا لذاتِ الشَّرطِ؛ لأنَّ الشَّرطَ بالنَّظَرِ إلى نَفسِه لا يَلزَمُ مِن وُجودِه شيءٌ لا وُجودٌ ولا عَدَمٌ، وإنَّما يَأتي اللُّزومُ مِن أُمورٍ خارِجةٍ عن ذاتِ الشَّرطِ [916] ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/ 98). .
ومثالُ الشَّرطِ: الإحصانُ: فهو شَرطٌ لرَجمِ الزَّاني يَلزَمُ مِنِ انتِفائِه انتِفاءُ الرَّجمِ؛ إذ لا يُرجَمُ في الزِّنا إلَّا مُحصَنٌ، ولا يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودُ الحُكمِ ولا عَدَمُه؛ فقَد يوجَدُ الإحصانُ ولا يوجَدُ الحُكمُ -وهو وُجوبُ الرَّجمِ- إذا لَم يَكُنِ الشَّخصُ زانيًا، وقد يوجَدُ ويوجَدُ الحُكمُ كما إذا زنى المُحصَنُ.
وأيضًا الحَولُ فهو شَرطٌ لوُجوبِ الزَّكاةِ، فيَنتَفي وُجوبُ الزَّكاةِ بانتِفائِه، فلا تَجِبُ الزَّكاةُ إلَّا بَعدَ تَمامِ الحَول [917] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/430). .
ويُلاحَظُ أنَّ الشَّرطَ يُؤَثِّرُ في حالةِ العَدَمِ، فإذا فُقِدَ انتَفى الحُكمُ، ولا يُؤَثِّرُ في حالةِ الوُجودِ؛ فقَد يوجَدُ الشَّرطُ ولا يوجَدُ الحُكمُ؛ لتَخَلُّفِ السَّبَبِ، وقد يوجَدُ الشَّرطُ ويوجَدُ الحُكمُ لوُجودِ السَّبَبِ وعَدَمِ المانِعِ.

انظر أيضا: