تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أوَّلًا: السُّنَّةُ في اصطِلاح الأُصوليِّينَ السُّنَّةُ في اصطِلاحِ الأُصوليِّينَ هيَ: ما صَدَرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيرَ القُرآنِ مِن قَولٍ، أو فِعلٍ، أو تَقريرٍ مِمَّا يَخُصُّ الأحكامَ التَّشريعيَّةَ [98] يُنظر: ((شرح العضد على مختصر المنتهى)) (2/ 290)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/ 1749)، ((فصول البدائع)) للفناري (2/ 223)، ((التحبير)) للمرداوي (3/ 1433)، ((التلويح)) للتفتازاني (2/ 3)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 122)، ((نخب الأفكار)) للعيني (1/ 40)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/ 95)، ((الشامل)) لعبد الكريم النملة (1/392). . وقيل: (ما صَدَر عن الرَّسولِ مِن الأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ مِمَّا ليسَ بمَتلوٍّ، ولا هو مُعجِزٌ، ولا داخِلٌ في المُعجِزِ) [99] ((الإحكام)) للآمدي (1/ 169). . شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبَيانُ مُحتَرزاتِه [100] يُنظر: ((الشامل)) (1/392-395)، ((المهذب)) (2/ 634) كلاهما لعبد الكريم النملة. ويُنظر أيضًا: ((التحبير)) للمرداوي (3/1424-1436). : - جُملةُ "ما صَدَرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم": تَمنَعُ مِن دُخولِ ما صَدَرَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ بعثَتِه، وتَمنَعُ مِن دُخولِ ما صَدَرَ عن الأنبياءِ والرُّسُلِ مِن قَبلِه، وتَمنَعُ مِن دُخولِ ما صَدَرَ عن الصَّحابةِ وغَيرِهم. - "غَيرَ القُرآنِ": قيْدٌ في التَّعريفِ يُخرِجُ القُرآنَ دونَ الحديثِ القُدسيِّ لأنَّه ليسَ قُرآنًا. - "مِن قَولٍ": وتُسَمَّى السُّنَّةَ القَوليَّةَ، مِثلُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) [101] أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ، ويَدخُلُ في الأقوالِ الكِتابةِ. - "أو فِعلٍ": وتُسَمَّى السُّنَّةَ الفِعليَّةَ، مِثلُ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا دَخَل بَيتَه بَدَأ بالسِّواكِ)) [102] أخرجه مسلم (253) من حديث عائشة رضي الله عنها. ، ويَدخُلُ في الأفعالِ الإشارةُ، وأعمالُ القُلوبِ، ويَدخُلُ فيها التَّركُ. - "أو تَقريرٍ": وتُسَمَّى السُّنَّةَ التَّقريريَّةَ، وهيَ أن يُفعَلَ أو يُقالَ شَيءٌ بحَضرَتِه، أو بغَيبَتِه، وعَلِمَ به -مِن غَيرِ كافِرٍ- وأقَرَّه وسَكَتَ عن إنكارِه، فهذا يَدُلُّ على جَوازِ ذلك الفِعلِ أو القَولِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَسكُتُ عن باطِلٍ، ولأنَّه لا يَجوزُ تَأخيرُ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ، والسُّنَّةُ التَّقريريَّةُ مِثلُ: تَقريرِه الجاريةَ حينَ سَألها: ((أينَ اللهُ؟)) قالت: في السَّماءِ، فأقَرَّها على ذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [103] أخرجه مسلم (537) من حديثِ مُعاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((وكانت لي جاريةٌ تَرعى غَنَمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والجوَّانيَّةِ، فاطَّلعتُ ذاتَ يَومٍ فإذا الذيبُ قد ذَهَبَ بشاةٍ مِن غَنَمِها، وأنا رَجُلٌ مِن بَني آدَمَ، آسَفُ كَما يَأسَفونَ، لكِنِّي صَكَكتُها صَكَّةً، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعَظَّمَ ذلك عليَّ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أفلا أُعتِقُها؟ قال: ائتِني بها، فأتَيتُه بها، فقال لها: أينَ اللهُ؟ قالت: في السَّماءِ، قال: مَن أنا؟ قالت: أنتَ رَسولُ اللهِ، قال: أعتِقْها؛ فإنَّها مُؤمِنةٌ)). . - "مِمَّا يَخُصُّ الأحكامَ التَّشريعيَّةَ": تَمنَعُ مِن دُخولِ الأقوالِ والأفعالِ والتَّقريراتِ الطَّبيعيَّةِ التي لا صِلةَ لها بالتَّشريعِ، كنَوعِ أكلِه. ثانيًا: إطلاقاتٌ أُخرى للسُّنَّةِ 1- تُطلَقُ السُّنَّةُ عِندَ الفُقَهاءِ على ما ليسَ بواجِبٍ [104] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 5). ويُنظر أيضًا: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 160). . 2- تُطلقُ السُّنَّةُ في مُقابِلِ البدعةِ، كقَولِهم: فلانٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ [105] يُنظر: ((التمسك بالسنن)) للذهبي (ص: 96)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 5). ويُنظر أيضًا: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 160). قال ابنُ رَجَبٍ: (السُّنَّةُ: هيَ الطَّريقةُ المسلوكةُ، فيَشمَلُ ذلك التَّمَسُّكَ بما كان عليه هو وخُلفاؤُه الرَّاشِدونَ مِنَ الاعتِقاداتِ والأعمالِ والأقوالِ، وهذه هيَ السُّنَّةُ الكامِلةُ؛ ولهذا كان السَّلَفُ قديمًا لا يُطلِقونَ اسمَ السُّنَّةِ إلَّا على ما يَشمَلُ ذلك كُلَّه... وكَثيرٌ مِن العُلماءِ المُتَأخِّرينَ يَخُصُّ اسمَ السُّنَّةِ بما يَتَعَلَّقُ بالاعتِقاداتِ؛ لأنَّها أصلُ الدِّينِ، والمُخالِفُ فيها على خَطَرٍ عَظيمٍ). ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 120). وقال الشَّاطِبيُّ: (يُطلَقُ لفظُ "السُّنَّةِ" على ما جاءَ مَنقولًا عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الخُصوصِ، مِمَّا لم يُنَصَّ عليه في الكِتابِ العَزيزِ، بَل إنَّما نُصَّ عليه مِن جِهَتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، كان بَيانًا لِما في الكِتابِ أو لا. ويُطلَقُ أيضًا في مُقابَلةِ البدعةِ؛ فيُقالُ: "فلانٌ على سُنَّةٍ" إذا عَمِلَ على وَفقِ ما عَمِل عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كان ذلك مِمَّا نُصَّ عليه في الكِتابِ أو لا، ويُقالُ: "فلانٌ على بِدعةٍ" إذا عَمِلَ على خِلافِ ذلك، وكأنَّ هذا الإطلاقَ إنَّما اعتُبرَ فيه عَمَلُ صاحِبِ الشَّريعةِ؛ فأُطلِقَ عليه لفظُ السُّنَّةِ مِن تلك الجِهةِ، وإن كان العَمَلُ بمُقتَضى الكِتابِ. ويُطلَقُ أيضًا لفظُ السُّنَّةِ على ما عَمِل عليه الصَّحابةُ، وُجِدَ ذلك في الكِتابِ أو السُّنَّةِ، أو لم يوجَدْ). ((الموافقات)) (4/ 289). . 3- تُطلَقُ السُّنَّةُ عِندَ المُحَدِّثينَ على: ما أُثِرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قَولٍ أو فِعلٍ أو تَقريرٍ أو صِفةٍ خِلقيَّةٍ أو خُلُقيَّةٍ أو سيرةٍ [106] يُنظر: ((توجيه النظر)) للجزائري (1/ 40)، ((السنة ومكانتها)) للسباعي (1/ 47)، ((الحديث والمحدثون)) لأبي زهو (ص: 10)، ((مصطلح الحديث)) لابن عثيمين (ص: 30). .