موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الثَّالثُ: أقسامُ السُّنَّةِ باعتِبارِ ذاتِها


قَسَّمَ العُلماءُ السُّنَّةَ باعتِبارِ ذاتِها إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: قَولٌ، وفِعلٌ، وتَقريرٌ [157] يُنظر: ((رسالة العكبري في أصول الفقه)) (ص: 35- 36)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/ 15- 24)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 298)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/ 61- 62)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 12، 23، 54)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير حاج (2/ 223)، ((المدخل)) لابن بدران (ص: 143). وزاد بعضُهم التَّركَ والهَمَّ والإشارةَ والكتابةَ، وهي راجِعةٌ إلى قِسمِ الأفعالِ، وإن كانت ذاتَ صِفاتٍ خاصَّةٍ تميِّزُها عن سائِرِ الأفعالِ. يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (3/ 1435)، ((أفعال الرسول صلى اللهُ عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/50). ، وتَفصيلُها كالآتي:
1- السُّنَّةُ القَوليَّةُ:
وهيَ ما صَدَرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قَولٍ غَيرَ القُرآنِ [158] ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 104). ويُنظر أيضًا: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 12). .
وهيَ أحاديثُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التي قالها في مُختَلِفِ الأغراضِ والمُناسَباتِ [159] ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 36). .
مِثالُ السُّنَّةِ القَوليَّةِ [160] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/ 61). :
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي)) [161] لفظُه: عن أبي قِلابةَ، قال: حَدَّثَنا مالِكٌ: ((أتَينا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَحنُ شَبَبةٌ مُتَقارِبونَ، فأقَمنا عِندَه عِشرينَ يَومًا وليلةً، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا رَفيقًا، فلمَّا ظَنَّ أنَّا قدِ اشتَهَينا أهلَنا -أو قدِ اشتَقنا- سَألَنا عَمَّن تَرَكْنا بَعدَنا، فأخبَرْناه، قال: ارجِعوا إلى أهليكُم، فأقيموا فيهم وعَلِّموهم ومُروهم وذَكَرَ أشياءَ أحفَظُها أو لا أحفَظُها- وصَلُّوا كَما رَأيتُموني أُصَلِّي، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليُؤَذِّنْ لكُم أحَدُكُم، وليَؤُمَّكُم أكبَرُكُم)) أخرجه البخاري (631) واللَّفظُ له، ومسلم (674) دونَ قَوله: "وصَلُّوا كَما رَأيتُموني أُصَلِّي". ، وقَولُه: ((مَن كَذَب عليَّ مُتَعَمِّدًا فليتبَوَّأْ مَقعَدَه مِن النَّارِ)) [162] أخرجه البخاري (110)، ومسلم (3) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
2- السُّنَّة الفِعليَّة:
وهيَ ما صَدَرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فِعلٍ [163] ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 104). ؛ فالسُّنَنُ الفِعليَّةُ هيَ أفعالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [164] يُنظر: ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 36). .
مِثالُ السُّنَّةِ الفِعليَّةِ [165] ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 36). :
أداؤُهُ الصَّلواتِ الخَمسَ بهَيئاتِها وأركانِها، ومَناسِكَ الحَجِّ.
3- السُّنَّةُ التَّقريريَّةُ:
تَقريرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أن يَسكُتَ عن إنكارِ قَولٍ أو فِعلٍ قيلَ، أو فُعِل بَينَ يَدَيه أو في عَصرِه، وعَلِم به. فذلك مُنَزَّلٌ مَنزِلةَ فِعلِه في كَونِه مُباحًا؛ إذ لا يُقِرُّ على باطِلٍ [166] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 54). ويُنظر أيضًا: ((التلخيص)) للجويني (2/ 246). .
فتَشمَلُ سائِرَ ما رَأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم يَقولونَه أو يَفعَلونَه، فلا يَنهاهم، ولا يُنكِرُ عليهم أو يَضُمُّ إلى عَدَمِ الإنكارِ تَحسينًا له، أو مَدحًا عليه، أو ضَحِكًا مِنه على جِهةِ السُّرورِ به، وشَرطُ كَونِ إقرارِه حُجَّةً: عِلمُه بالفِعلِ وقُدرَتُه على الإنكارِ؛ لأنَّه بدونِ العِلمِ لا يوصَفُ بأنَّه مُقِرٌّ أو مُنكِرٌ، ومَعَ العَجزِ لا يَدُلُّ على أنَّه مُقِرٌّ، كحالِه مَعَ الكُفَّارِ في مَكَّةَ قَبلَ ظُهورِ كَلمَتِه [167] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/ 61- 62)، ((شرح الورقات)) للمحلي (ص: 154). .
مِثالُ السُّنَّةِ التَّقريريَّةِ [168] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/ 61). ويُنظر أيضًا: ((البرهان)) للجويني (1/ 187). :
قَولُ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (كُنَّا نُصَلِّي على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَكعَتَينِ بَعدَ غُروبِ الشَّمسِ قَبلَ صَلاةِ المَغرِبِ، فقُلتُ له: أكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّاهما؟ قال: كان يَرانا نُصَلِّيهما فلم يَأمُرْنا ولم يَنهَنا [169] أخرجه مسلم (836). ، وكاحتِجاجِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما على إباحةِ الضَّبِّ بأنَّه أُكِلَ على مائِدةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو كان حَرامًا لنَهى عنه [170] لفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أهدَت أُمُّ حُفَيدٍ خالةُ ابنِ عبَّاسٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقِطًا وسَمنًا وأضُبًّا، فأكَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الأقِطِ والسَّمنِ، وتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا، قال ابنُ عبَّاسٍ فأُكِل على مائِدةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو كان حَرامًا ما أُكِل على مائِدةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) أخرجه البخاري (2575) واللَّفظُ له، ومسلم (1947). .

انظر أيضا: