موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: أيُّهما يُقدَّمُ في التَّعَلُّمِ: أُصولُ الفِقهِ أمِ الفِقهُ؟


لا خِلافَ بَينَ العُلَماءِ في أهَمِّيَّةِ تَعَلُّمِ الفِقهِ وأُصولِه؛ حَيثُ إنَّ بهما يُعرَفُ الحَلالُ والحَرامُ مِنَ الأحكامِ، وإنَّما الخِلافُ بَينَهم في: أيُّهما يَبدَأُ به المُتَعَلِّمُ؟ هَل يَبدَأُ بعِلمِ الأُصولِ ليَتَوصَّلَ به إلى عِلمِ الفِقهِ، أو يَبدَأُ بعِلمِ الفِقهِ؟
اختَلَفوا في ذلك على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: تَقديمُ تعَلُّمِ أُصولِ الفِقهِ
وهو قَولُ القَفَّالِ الشَّاشيِّ [121] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/22). قال القَفَّالُ: (اعلَمْ أنَّ النَّصَّ على حُكمِ كُلِّ حادِثةٍ عَينًا مَعدومٌ، وأنَّ للأحكامِ أُصولًا وفُروعًا، وأنَّ الفُروعَ لا تُدرَكُ إلَّا بأُصولِها، وأنَّ النَّتائِجَ لا تُعرَفُ حَقائِقُها إلَّا بَعدَ تَحصيلِ العِلمِ بمُقدِّماتِها؛ فحُقَّ أن يُبدَأَ بالإبانةِ عنِ الأُصولِ لتكونَ سَبَبًا إلى مَعرِفةِ الفُروعِ). ((المصدر السابق)). ، وممَّن ذهَب إليه ابنُ البَنَّاءِ [122] يُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/ 68). ، وابنُ عَقيلٍ [123] يُنظر: ((الواضح)) (1/ 272). ، وأبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ [124] يُنظر: ((شرح اللمع)) (1/ 162- 163). ، وأبو البَقاءِ العَكبَريُّ [125] يُنظر: ((صفة المفتي والمستفتي)) لابن حمدان (ص: 152)، ((الإنصاف)) للمرداوي (28/ 313)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 48). ، وغيرُهم [126] يُنظر: ((إتحاف ذوي البصائر)) لعبدالكريم النملة (1/114). .
وذلك على اعتِبارِ أنَّ المُتَعَلِّمَ للأُصولِ أوَّلًا يكونُ قادِرًا على فهمِ مَرامي جُزئيَّاتِ الفِقهِ، فالفُروعُ لا تُدرَكُ إلَّا بأُصولِها، والنَّتائِجُ لا تُعرَفُ حَقائِقُها إلَّا بَعدَ تَحصيلِ العِلمِ بمُقدِّماتِها، وعلى هذا: يَنبَغي أن تُحفَظَ الأدِلَّةُ، وتُحكَمَ الأُصولُ، ثُمَّ حينَئذِ تُبنى عليها الفُروعُ [127] يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 571)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 47-48)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 53). .
وذَكَرَ البَعضُ أنَّه يَبدَأُ أوَّلًا بتَعَلُّمِ فروضِ العَينِ مِنَ الأحكامِ الفِقهيَّةِ، ثُمَّ يتَعَلَّمُ أُصولَ الفِقهِ، وهو ظاهرُ كَلامِ ابنِ قاضي الجَبَلِ؛ إذ قال في تَقديمِ أُصولِ الفِقه على الفِقهِ: (قُلتُ: في غَيرِ فَرضِ العَينِ) [128] يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (11/ 112)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/ 69). .
القَولُ الثَّاني: تَقديمُ تعلُّمِ الفِقهِ
ومِمَّن ذَهَبَ إليه أبو يَعلى [129] يُنظر: ((العدة)) (1/ 70). ، وابنُ حَمدانَ الحَرَّانيُّ [130] يُنظر: ((صفة المفتي والمستفتي)) (ص: 152). ، وابنُ المِبرَدِ [131] يُنظر: ((شرح غاية السول)) (ص: 88). ، وابنُ عُثَيمين [132] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (26/ 170). .
وذلك على اعتِبارِ أنَّه لا يُتمَكَّنُ مِنَ الاستِفادةِ مِن عِلمِ الأُصولِ إلَّا بَعدَ النَّظَرِ في الفِقهِ؛ فمَن لَم يَعتَدْ طُرُقَ الفُروعِ والتَّصَرُّفَ فيها، لا يُمكِنُه الوُقوفُ على ما يَبتَغي بهذه الأُصولِ مِنَ الاستِدلالِ والتَّصَرُّفِ في وُجوهِ القياسِ وغَيرِ ذلك [133] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/ 70). ويُنظر أيضًا: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 571). ، فبتَعَلُّمِ الفُروعِ تَحصُلُ الدُّربةُ والمَلَكةُ التي تَجعَلُه يَستَفيدُ مِن تلك الأُصولِ والقَواعِدِ استِفادةً صَحيحةً [134] يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 53). .

انظر أيضا: