موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: شُروطُ الفَرعِ


أوَّلًا: أن يَكونَ حُكمُ الفَرعِ مُماثِلًا لحُكمِ الأصلِ في عَينِه أو جِنسِه
فيُشتَرَطُ لإثباتِ الحُكمِ في الفرعِ بالقياسِ: أن يُساويَ حُكمُ الفرعِ حُكمَ الأصلِ فيما يُقصَدُ كونُه وسيلةً للحِكمةِ مِن عَينٍ أو جِنسٍ؛ ليَتَأدَّى به مِثلُ ما يَتَأدَّى بالحُكمِ في الأصلِ؛ لأنَّه إذا كان حُكمُ الفَرعِ مُخالفًا لحُكمِ الأصلِ فَسَد القياسُ.
مِثالُ كَونِ حُكمِ الفَرعِ مُماثِلًا لحُكمِ الأصلِ في عَينِه:
قياسُ وُجوبِ القِصاصِ في النَّفسِ في صورةِ القَتلِ بالمُثقلِ على وُجوبِه فيها في القَتلِ بالمُحَدَّدِ.
مِثالُ كَونِ حُكمِ الفَرعِ مُماثِلًا لحُكمِ الأصلِ في جِنسِه:
إثباتُ وِلايةِ النِّكاحِ على البِنتِ الصَّغيرةِ بالقياسِ على إثباتِ الوِلايةِ في مالِها؛ فإنَّ وِلايةَ النِّكاحِ مُساويةٌ لوِلايةِ المالِ في جِنسِ الوِلايةِ، لا في عَينِ تلك الوِلايةِ.
وهذا الشَّرطُ مُعتَبَرٌ في الفرعِ بلا شَكٍّ، ويَدُلُّ عليه قَولُنا في تَعريفِ القياسِ: القياسُ إثباتُ مِثلِ حُكمٍ مَعلومٍ في مَعلومٍ آخَرَ [1147] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (6/2590)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/137)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1878). .
ثانيًا: ألَّا يَكونَ حُكمُ الفَرعِ مَنصوصًا أو مُجمَعًا عليه
لأنَّ الحُكمَ الذي دَلَّ النَّصُّ عليه: إمَّا أن يَكونَ موافِقًا للحُكمِ الذي دَلَّ عليه القياسُ أو مُخالفًا:
فأمَّا إذا كان على موافقَتِه فإمَّا أن يَكونَ النَّصُّ الدَّالُّ على ثُبوتِ حُكمِ الفَرعِ هو بعَينِه الذي دَلَّ على حُكمِ الأصلِ، أو غَيرَه:
فإن كان النَّصُّ الدَّالُّ على ثُبوتِ حُكمِ الفَرعِ هو بعَينِه الذي دَلَّ على حُكمِ الأصلِ: فالقياسُ باطِلٌ؛ لأنَّه ليسَ جَعلُ تلك الصُّورةِ أصلًا والأُخرى فرعًا أَولى مِن العَكسِ.
وإن كان النَّصُّ الدَّالُّ على ثُبوتِ حُكمِ الفَرعِ غَيرَ الذي دَلَّ على حُكمِ الأصلِ: فالقياسُ فيه جائِزٌ عِندَ أكثَرِ الأُصوليِّينَ، نَسَبَه إليهم الرَّازيُّ [1148] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/372). ؛ لأنَّه ليسَ المَقصودُ إثباتَ الحُكمِ، بَل الاستِظهارَ بتَكثيرِ الحُجَجِ. وتَرادُفُ الأدِلَّةِ على المَدلولِ الواحِدِ جائِزٌ لإفادةِ زيادةِ الظَّنِّ.
وأمَّا إذا كان الحُكمُ المَنصوصُ عليه على خِلافِ القياسِ فهذا باطِلٌ؛ لأنَّه يَلزَمُ عليه تَقديمُ القياسِ على النَّصِّ [1149] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/372)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/137). .
ثالثًا: أن تَكونَ العِلَّةُ المَوجودةُ في الفَرعِ مِثلَ عِلَّةِ حُكمِ الأصلِ مِن غَيرِ تَفاوُتٍ واختِلافٍ.
والمُرادُ بهذا الشَّرطِ أن تَكونَ عِلَّةُ حُكمِ الفَرعِ مُساويةً لعِلَّةِ الأصلِ في الوَصفِ الذي هو مَقصودٌ في العِلَّةِ، أي: يَشتَمِلُ الفرعُ على عِلَّةِ حُكمِ الأصلِ بتَمامِها، حتَّى لو كانت ذاتَ أجزاءٍ، فلا بُدَّ مِن اجتِماعِ الكُلِّ في الفَرعِ.
والدَّليلُ على هذا الشَّرطِ: أنَّ القياسَ إثباتُ حُكمٍ مَعلومٍ في مَعلومٍ آخَرَ؛ لاشتِراكِهما في عِلَّةِ الحُكمِ، فإذا لم توجَدْ عِلَّةُ حُكمِ الأصلِ في الفَرعِ لا يَحصُلُ إثباتُ حُكمِه فيه.
ولا يُشتَرَطُ القَطعُ بوُجودِ العِلَّةِ فيه، وإنَّما يُشتَرَطُ أن تَكونَ العِلَّةُ المَوجودةُ فيه مِثلَ عِلَّةِ الأصلِ بلا تَفاوُتٍ: فإن كان وُجودُها بتَمامِها في الفَرعِ مقطوعًا به، ومِثالُه: قياسُ الضَّربِ للوالدَينِ على قَولِ: "أُفٍّ" بجامِعِ الإيذاءِ، وكالنَّبيذِ يُقاسُ بالخَمرِ بجامِعِ الإسكارِ، فيُسَمَّى الأوَّلُ: "قياسَ الأَولى"، ويُسَمَّى الثَّاني: "قياسَ المُساواةِ"، وكُلٌّ مِنهما قَطعيٌّ.
وإن كان وُجودُ العِلَّةِ بتَمامِها في الفَرعِ مظنونًا، فالقياسُ ظَنِّيٌّ، ويُسَمَّى: "قياسَ الأدوَنِ"، ومِثالُه: قياسُ التُّفَّاحِ على البُرِّ في أنَّه لا يُباعُ إلَّا يَدًا بيَدٍ، ونَحوُ ذلك؛ بجامِعِ الطُّعمِ. فإنَّه يَكفي في وُجودِ العِلَّةِ في الفرعِ: الظَّنُّ؛ لأنَّا إذا ظَننَّا وجُودَها في الفرعِ ظَننَّا الحُكمَ، والعَمَلُ بالظَّنِّ واجِبٌ، وليسَ المُرادُ بـ"الأدوَنِ" أن يَكونَ المَعنى الذي في الفَرعِ ناقِصًا عن المَعنى الذي في الأصلِ؛ فإنَّ القياسَ حينَئِذٍ يَكونُ فاسِدًا بالكُلِّيَّةِ [1150] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (5/371)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/84)، ((الإبهاج)) لابن السبكي والده (6/2589)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/137)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1877). .
رابعًا: أن يَكونَ خاليًا عن مُعارِضٍ راجِحٍ يَقتَضي نَقيضَ ما اقتَضَته عِلَّةُ القياسِ
وهذا الشَّرطُ على القَولِ بجَوازِ تَخصيصِ العِلَّةِ ليَكونَ القياسُ مُفيدًا، فأمَّا مَن لم يَجَوِّزْ ذلك فلا يَكونُ هذا شَرطًا للفَرعِ الذي يُقاسُ، بَل للفَرعِ الذي يَثبُتُ فيه الحُكمُ بمُقتَضى القياسِ [1151] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (3/248)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3563). .

انظر أيضا: