الفَرعُ الثَّاني: قادِحُ المَنعِ
المُرادُ به:! امتِناعُ السَّائِلِ (المُعتَرِضِ) عن قَبولِ ما أوجَبَه المُعَلِّلُ (المُستَدِلُّ) مِن غَيرِ دَليلٍ
[1831] يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 231). .
ويُعَدُّ قادِحُ المَنعِ مِن أهَمِّ قَوادِحِ القياسِ؛ قال السَّمعانيُّ: (أمَّا المُمانَعةُ فاعلَمْ أنَّها أوقَعُ سُؤالٍ على المُعَلِّلِ، وقيل: إنَّها أساسُ المُناظَرةِ، وبها يَتَبَيَّنُ العَوارُ، والمُجيبُ مِن السَّائِلِ، والمُلزمُ مِن الدَّافِعِ)
[1832] ((قواطع الأدلة)) (2/205). .
وقال ابنُ أميرِ الحاجِّ: (المُمانَعةُ أساسُ المُناظَرةِ، وبها يُعرَفُ فِقهُ الرَّجُلِ)
[1833] ((التقرير والتحبير)) (3/269). .
ويَتَطَرَّقُ قادِحُ المَنعِ إلى جَميعِ مُقدِّماتِ القياسِ؛ فتارةً يَمنَعُ حُكمَ الأصلِ، وتارةً يَمنَعُ كونَه مُعَلِّلًا، وبتَقديرِ كونِه مُعَلِّلًا يَمنَعُ كونَه مُعَلَّلًا بالوَصفِ الذي أبداه، إمَّا لعَدَمِ صَلاحيَتِه للعِلِّيَّةِ، وبتَقديرِ صَلاحيَتِه لها لكِن يَمنَعُ كونَه مُعَلَّلًا به لاحتِمالِ أن يَكونَ مُعَلَّلًا بغَيرِه، وبتَقديرِ أن يَكونَ مُعَلَّلًا به، لكِنْ يَمنَعُ وُجودَه في الأصلِ، وبتَقديرِ وجودِه فيه يَمنَعُ كونَه وصفًا مُتَعَدِّيًا، بَل هو قاصِرٌ على تلك الصُّورةِ، وبتَقديرِ كونِه مُتَعَدِّيًا يَمنَعُ كونهَ حاصِلًا في الفَرعِ. فهذه مَمنوعاتٌ مَحضةٌ تَتَوجَّهُ إلى مُقدِّماتِ القياسِ، وأجوِبَتُها تَكونُ بإزالةِ تلك المَمنوعاتِ بطُرُقِها المَشهورةِ عِندَ الأُصوليِّينَ
[1834] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3584). .
وفيما يَلي بَيانُ أنواعِ المَنعِ: أوَّلًا: قادِحُ مَنعِ الحُكمِ في الأصلِ:المُرادُ مِنه: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ ثُبوتَ الحُكمِ في أصلِ القياسِ الذي ذَكَرَه المُستَدِلُّ، فيَمتَنِعُ ثُبوتُه في الفرعِ فلا يَصِحُّ القياسُ
[1835] يُنظر: ((الاعتراضات الواردة على القياس)) لمحمد نيازي (ص: 128). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ في عَدَمِ إزالةِ النَّجاسةِ بالخَلِّ: مائِعٌ لا يَرفعُ الحَدَثَ، فلا يَرفعُ حُكمَ النَّجاسةِ؛ قياسًا على الدُّهنِ؛ فكُلٌّ مِنهما مائِعٌ لا يَرفعُ الحَدَثَ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) الحُكمَ في الأصلِ ويَقولُ: لا أُسَلِّمُ الحُكمَ في الأصلِ؛ فإنَّ الدُّهنَ عِندي مُزيلٌ لحُكمِ النَّجاسةِ
[1836] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/75)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/187)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/599). .
والاعتِراضُ بمَنعِ الحُكمِ في الأصلِ اعتِراضٌ صَحيحٌ مَقبولٌ عِندَ الأُصوليِّينَ؛ لأنَّ المُستَدِلَّ إن قَصَدَ إثباتَه على خَصمِه فلا يَستَقيمُ مَعَ مَنعِ الخَصمِ حُكمَ الأصلِ
[1837] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (7/408). .
هَل يَنقَطِعُ المُستَدِلُّ بمُجَرَّدِ مَنعِ حُكمِ الأصلِ؟
لا يَنقَطِعُ المُستَدِلُّ بمُجَرَّدِ تَوجيهِ المُعتَرِضِ مَنعَ حُكمِ الأصلِ عليه. وهو مَذهَبُ جُمهورِ الأُصوليِّينَ
[1838] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1355)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3568)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/246). .
لأنَّ المُعتَرِضَ بهذا المَنعِ مَنَعَ مُقدِّمةً مِن مُقدِّماتِ القياسِ، فإنَّ حُكمَ الأصلِ مُقدِّمةٌ مِن مُقدِّماتِ القياسِ، وكَما أنَّ المُستَدِلَّ لا يَنقَطِعُ بمَنعِ غَيرِها مِن المُقدِّماتِ، كمَنعِ عِلِّيَّةِ الوَصفِ الجامِعِ، وكمَنعِ وُجودِ العِلَّةِ في الفَرعِ، بَل له أن يُثبِتَها بَعدَ المَنعِ بالدَّليلِ بالاتِّفاقِ. فكذلك له أن يُثبِتَ حُكمَ الأصلِ بالدَّليلِ بَعدَ المَنعِ
[1839] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/189)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/599). .
وقيل: يَنقَطِعُ المُستَدِلُّ بهذا المَنعِ
[1840] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/75)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1355)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 623). .
وقيل: لا يَنقَطِعُ، إلَّا إذا كان المَنعُ جَليًّا ظاهرًا يَعرِفُه أكثَرُ الفُقَهاءِ
[1841] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/383)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/247). . وقيل غَيرُ ذلك
[1842] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/76)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (3/307). .
هَل يَنقَطِعُ المُعتَرِضُ إذا أقامَ المُستَدِلُّ دَليلًا على حُكمِ الأصلِ؟
لا يَنقَطِعُ المُعتَرِضُ إذا أثبَتَ المُستَدِلُّ الحُكمَ في الأصلِ، بل للمُعتَرِضِ أن يَسعى إلى إبطالِ دَليلِ المُستَدِلِّ. وهو قَولُ الآمِديِّ
[1843] يُنظر: ((الإحكام)) (4/76). ، وابنِ الحاجِبِ
[1844] يُنظر: ((مختصر منتهى السول والأمل)) (2/1140). ، وابنِ مُفلِحٍ
[1845] يُنظر: ((أصول الفقه)) (3/1356). ، وابنِ عبدِ الشَّكور
[1846] يُنظر: ((مسلم الثبوت)) (2/291). ، وغَيرِهم.
وذلك لأنَّه لا يَلزَمُ مِن صورةِ دَليلٍ صِحَّتُه؛ فإنَّ المُستَدِلَّ إذا عَلِمَ أنَّ المُعتَرِضَ لا يُمكِنُ مِن الاعتِراضِ عليه إذا أورَدَ الدَّليلَ لإثباتِ الحُكمِ في الأصلِ، فإنَّه رُبَّما يورِدُ دَليلًا لا يَصلُحُ أن يَكونَ مُثبِتًا للحُكمِ، وهذا يَجعَلُ المُعتَرِضَ لا يورِدُ الاعتِراضَ ابتِداءً؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّه سيَقبَلُ مِن المُستَدِلِّ أيَّ دَليلٍ يَثبُتُ به الحُكمُ في الأصلِ، وعلى هذا لا يَكونُ لمَنعِ الحُكمِ ابتِداءً مَعنًى، ومَنعًا لهذا الاحتِمالِ فللمُعتَرِضِ أن يَسعى إلى إبطالِ دَليلِ المُستَدِلِّ الذي أورَدَه لإثباتِ الحُكمِ في الأصلِ حتَّى يَعجِزَ
[1847] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3587)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2176). .
وقيل: يَنقَطِعُ المُعتَرِضُ إذا أقامَ المُستَدِلُّ دَليلًا على ثُبوتِ الحُكمِ في الأصلِ
[1848] يُنظر: ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/428) ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/601). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن مَنعِ الحُكمِ في الأصلِ:إذا مَنَعَ المُعتَرِضُ ثُبوتَ الحُكمِ في الأصلِ، وأرادَ المُستَدِلُّ الجَوابَ عن هذا المَنعِ، فإنَّ الجَوابَ عنه مِن أربَعةِ طُرُقٍ:
الطَّريقُ الأوَّلُ: أن يُبَيِّنَ أنَّ مَوضِعَها مُسَلَّمٌ.
والثَّاني: أن يُفسِّرَ الحُكمَ بتَفسيرٍ مُسَلَّمٍ.
والثَّالثُ: أن يَستَدِلَّ عليه
[1849] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 92). .
والرَّابعُ: أن يُبَيِّنَ أنَّ الصَّحيحَ مِن مَذهَبِه صِحَّةُ الحُكمِ والتَّسليمُ به
[1850] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/218). .
وفيما يَلي بَيانُ الأمثِلةِ لكُلِّ وجهٍ مِنها:الطَّريقُ الأوَّلُ: أن يُبَيِّنَ أنَّ مَوضِعَها مُسَلَّمٌ، أي: يُبَيِّنَ المُستَدِلُّ مَحَلًّا مِن المَسألةِ مُتَّفَقًا عليه بَينَه وبَينَ المُعتَرِضِ.
مِثالُه: استِدلالُ الشَّافِعيِّ على إيجابِ التَّرتيبِ في الوُضوءِ بأنَّ الوُضوءَ عِبادةٌ يُفسِدُها الحَدَثُ، فيَكونُ التَّرتيبُ فيها واجِبًا؛ قياسًا على الصَّلاةِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ): أنا أمنَعُ الحُكمَ في الأصلِ، فلا أُسَلِّمُ أنَّ التَّرتيبَ شَرطٌ في الصَّلاةِ؛ فإنَّه لو تَرَكَ أربَعَ سَجَداتٍ مِن أربَعِ رَكَعاتٍ، فأتى بهنَّ في آخِرِ صِلاتِه أجزَأه.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بأنَّه لا خِلافَ أنَّه إذا قدَّمَ الرُّكوعَ على القِراءةِ، أو السُّجودَ على الرُّكوعِ، لا يَصِحُّ، وهذا كافٍ في التَّسليمِ؛ فدَلَّ على وُجوبِ التَّرتيبِ
[1851] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 92)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/427). .
الطَّريقُ الثَّاني: أن يُفسِّرَ المُستَدِلُّ حُكمَ الأصلِ بتَفسيرٍ يُسَلِّمُ به المُعتَرِضُ:
مِثالُه: استِدلالُ (الحَنَفيِّ) على أنَّ الإجارةَ تَبطُلُ بالمَوتِ، فيَقولُ: لأنَّها عَقدٌ على مَنفَعةٍ، فتَبطُلُ بمَوتِ المَعقودِ له؛ قياسًا على النِّكاحِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ (الشَّافِعيُّ): أنا أمنَعُ الحُكمَ في الأصلِ؛ حَيثُ إنَّ النِّكاحَ لا يَبطُلُ بالمَوتِ، وإنَّما يَنتَهي بالمَوتِ كما تَنتَهي الإجارةُ بانقِضاءِ المُدَّةِ، فإنَّه لا يُقالُ: بَطَلَت، وإنَّما يُقالُ: انتَهَت وانقَضَت.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بتَفسيرِ الحُكمِ بقَولِه: إنِّي أرَدتُ ببُطلانِ العَقدِ بالمَوتِ: أنَّه يَرتَفِعُ بالمَوتِ ولا يَبقى بَعدَه. وحينَئِذٍ يُسَلَّمُ حُكمُ المُستَدِلِّ مِن وُرودِ المَنعِ عليه؛ لأنَّه لا خِلافَ بَينَ المُعتَرِضِ والمُستَدِلِّ في أنَّ العَقدَ يَرتَفِعُ بالمَوتِ؛ فصَحَّ الأصلُ وسَقَطَ المَنعُ
[1852] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 93)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/427). .
الطَّريقُ الثَّالثُ: أن يورِدَ المُستَدِلُّ دَليلًا على ثُبوتِ الحُكمِ في الأصلِ.
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ (الشَّافِعيِّ) في غَسلِ الإناءِ مِن وُلوغِ الخِنزيرِ سَبعًا: إنَّه حَيَوانٌ نَجِسُ العَينِ في حالِ حَياتِه، فوجَبَ غَسلُ الإناءِ مِن وُلوغِه سَبعًا؛ قياسًا على الكَلبِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) الحُكمَ في الأصلِ، وهو غَسلُ الإناءِ مِن وُلوغِ الكَلبِ سَبعًا، ويَقولُ: الكَلبُ عِندي لا يُغسَلُ مِن وُلوغِه سَبعًا.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بإثباتِ الحُكمِ في الأصلِ بالدَّليلِ، وهو قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا شَرِبَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم فليَغسِلْه سَبعًا)) [1853] أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279) بلفظ: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)). . فإذا ثَبَتَ الأصلُ بالخَبَرِ صَحَّ قياسُ الخِنزير عليه
[1854] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 93)، ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 723)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/427). .
الطَّريقُ الرَّابعُ: أن يُبَيِّنَ المُستَدِلُّ أنَّ الصَّحيحَ مِن مَذهَبِ المُعتَرِضِ صِحَّةُ الحُكمِ والتَّسليمُ به.
بمَعنى أن يُبَيِّنَ المُستَدِلُّ أنَّ الرِّوايةَ الصَّحيحةَ مِن مَذهَبِ المُعتَرِضِ هيَ التَّسليمُ بالحُكمِ في الأصلِ. وهذا لا يَجوزُ أن يَكونَ مِن طَريقِ الدَّلالةِ على صِحَّةِ الرِّوايةِ، لكِن يُبَيِّنُ أنَّ المَرويَّ عن صاحِبِ المَذهَبِ هو التَّسليمُ
[1855] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/218). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ (الشَّافِعيِّ): مَن أحرَمَ بالحَجِّ تَطَوُّعًا وعليه فرضُه، فإنَّ إحرامَه يَنعَقِدُ فرضًا؛ لأنَّه إحرامٌ بالحَجِّ مِمَّن عليه فَرضُه، فوقَعَ عن فرضِه؛ قياسًا على ما لو أحرَمَ بالحَجِّ مُطلَقًا.
فيَقولُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ): لا أُسَلِّمُ الحُكمَ في الأصلِ؛ بلْ عندَ أبِي حَنيفَةَ أنَّ الإحرامَ الذي أطلَقَ فيه النِّيَّةَ يَكونُ تَطَوُّعًا ولا يَقَعُ عن فَرضِه، كما نَقَله عنه الحَسَنُ بنُ زيادٍ.
فالجَوابُ عنه: أن يُبَيِّنَ المُستَدِلُّ صِحَّةَ رِوايةِ التَّسليمِ، وأنَّها هيَ المَذهَبُ المُعَوَّلُ عليه؛ ولذلك يُجيبُ بأنَّ أبا الحَسَنِ الكَرخيَّ -وهو الذي يَنقُلُ الرِّوايةَ الصَّحيحةَ عن أبي حَنيفةَ- قد نَقَل عن أبي حَنيفةَ التَّسليمَ بحُكمِ الأصلِ، فإذا ثَبَتَ أنَّها الرِّوايةُ الصَّحيحةُ فإنَّ المَنعَ يَبطُلُ؛ لأنَّ أبا الحَسَنِ الكَرخيَّ ذَكَرَها، ولم يَذكُرْ رِوايةَ الحَسَنِ بنِ زيادٍ؛ لأنَّه ضَمِنَ أنَّه لا يَذَكُرُ إلَّا الصَّحيحَ، وليسَ أبو حَنيفةَ مِمَّن يَقولُ بقَولَينِ، فلا بُدَّ مِن تَقديمِ إحدى الرِّوايَتَينِ عنه على الأُخرى، فيَجِبُ تَقديمُ التي عَوَّل عليها أبو الحَسَنِ الكَرخيُّ؛ حَيثُ بَيَّنَها فيما ضَمِنَ فيه على نَفسِه الصِّحَّةَ وإثباتَ مَذهَبِه بها
[1856] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/218). .
ثانيًا: قادِحُ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الأصلِ:المُرادُ مِنه: مَنعُ كَونِ ما يُدَّعى عِلَّةً لحُكمِ الأصلِ مَوجودًا في الأصلِ
[1857] يُنظر: ((شرح العضد)) (3/493)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3576)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/162). .
أقسامُ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الأصلِ:يَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: المَنعُ على مَذهَبِ المُعتَرِضِ، والمَنعُ على مَذهَبِ المُستَدِلِّ.
القِسمُ الأوَّلُ: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ على مَذهَبِه هو، بأن يَدَّعيَ المُعتَرِضُ أنَّ العِلَّةَ لا يَصِحُّ وُجودُها في الأصلِ على مَذهَبِه
[1858] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96). .
مِثالُه: قَول المُستَدِلِّ: الكَلبُ حَيَوانٌ يُغسَلُ الإناءُ مِن وُلوغِه سَبعًا، فلا يَطهُرُ جِلدُه بالدِّباغِ؛ قياسًا على الخِنزيرِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: أنا أمنَعُ الوَصفَ في الأصلِ؛ حَيثُ إنَّ الخِنزيرَ عِندي لا يُغسَلُ الإناءُ مِن وُلوغِه سَبعًا
[1859] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/254)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2181). .
القِسمُ الثَّاني: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ على مَذهَبِ المُستَدِلِّ بأن يَدَّعيَ المُعتَرِضُ أنَّ العِلَّةَ لا يَصِحُّ وُجودُها في الأصلِ على مَذهَبِ المُستَدِلِّ أيضًا
[1860] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/226)، ((الاعتراضات الواردة على القياس)) لمحمد نيازي (ص: 157). .
مِثالُه: قَولُ الحَنَفيَّةِ في تَحريمِ اللِّعانِ: إنَّ اللِّعانَ فُرقةٌ تَختَصُّ بالقَولِ، فوجَبَ ألَّا يَتَأبَّدَ تَحريمُه؛ قياسًا على الطَّلاقِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: عِلَّة الأصلِ مَعدومةٌ عِندَك؛ لأنَّ عِندَك الطَّلاقَ لا يَختَصُّ بالقَولِ، فإنَّه يَقَعُ بالكِتابةِ مَعَ النِّيَّةِ مِمَّن هو ناطِقٌ مُتَمَكِّنٌ مِن القَولِ.
وهذا الإنكارُ على الأصلينِ جَميعًا؛ لأنَّ عِندَنا أنَّ الطَّلاقَ لا يَختَصُّ بالقَولِ، ويَقَعُ بالكِتابةِ مِن غَيرِ نيَّةٍ
[1861] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (5/1509)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/226). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن قادِحِ مَنعِ وُجودِ الوصفِ في الأصلِ:إذا مَنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ، فإنَّ جَوابَ المُستَدِلِّ يَختَلفُ باختِلافِ القِسمَينِ السَّابقَينِ:
أمَّا القِسمُ الأوَّلُ: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ على أصلِه هو، فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عن هذا المَنعِ بأحَدِ طَريقَينِ:
الطَّريقُ الأوَّلُ: أن يُفسِّرَ لفظَ الوَصفِ بما يُسَلِّمُ به المُعتَرِضُ
[1862] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 97)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1359). .
مِثالُه: استِدلالُ الشَّافِعيِّ على أنَّ التَّرتيبَ واجِبٌ في الوُضوءِ بقَولِه: الوُضوءُ عِبادةٌ يُبطِلُها الحَدَثُ، فكان التَّرتيبُ فيها واجِبًا؛ قياسًا على الصَّلاةِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ، فيَقولُ: لا أُسَلِّمُ وُجودَ الوَصفِ -الذي هو الحَدَثُ- في الأصلِ الذي هو الصَّلاةُ؛ لأنَّ الحَدَثَ عِندَنا لا يُبطِلُ الصَّلاةَ، وإنَّما يُبطِلُ الطَّهارةَ، ثُمَّ ببُطلانِ الطَّهارةِ تَبطُلُ الصَّلاةُ؛ لأنَّ المُصَلِّيَ إذا سَبَقَه الحَدَثُ يَتَوضَّأُ ويُتِمُّ صَلاتَه مِن حَيثُ نَقضُ وُضوئِه فيها.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ ببَيانِ مَعنى أنَّ الصَّلاةَ يُبطِلُها الحَدَثُ: أنَّ الحَدَثَ يَمنَعُ مِن إتمامِها والاعتِدادِ بها، وهذا مُسَلَّمٌ
[1863] يُنظر: ((المنهاج)) للباجي (ص: 166)، ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 724). .
الطَّريقُ الثَّاني: أن يَذكُرَ المُستَدِلُّ دَليلًا على وُجودِ الوصفِ في الأصلِ
[1864] يُنظر: ((المنهاج)) للباجي (ص: 166)، ((المعونة)) للشيرازي (ص: 97)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1359). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: الكَلبُ حَيَوانٌ يُغسَلُ الإناءُ مِن وُلوغِه سَبعًا فلم يَطهُرْ جِلدُه بالدِّباغِ؛ قياسًا على الخِنزيرِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ، وهو غَسلُ الإناءِ سَبعًا مِن وُلوغِ الخِنزيرِ، فيَقولُ: لا أُسَلِّمُ أنَّ الخِنزيرَ يُغسَلُ الإناءُ مِن وُلوغِه سَبعًا.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ باستِدلالِه على وُجودِ الوَصفِ في الأصلِ بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا ولغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم فليَغسِلْه سَبعًا)) [1865] أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مُسلمٍ: عن أبي هرَيرةَ قال: ((إذا ولغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم فليَغسِلْه سَبعَ مِرارٍ)). ، فإذا وجَبَ الغَسلُ سَبعًا في الكَلبِ، وهو أدنى مِن الخِنزيرِ، فأَولى أن يَجِبَ الغَسلُ مِن وُلوغِ الخِنزيرِ
[1866] يُنظر: ((شرح العضد)) (3/493)، ((تحفة المسؤول)) للرهوني (4/170)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2182). .
وأمَّا القِسمُ الثَّاني: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ بناءً على أصلِ المُستَدِلِّ، فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عنه بأن يُفسِّرَ لفظَ الوَصفِ بما يُسَلِّمُ به المُعتَرِضُ
[1867] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2183). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ (الحَنَفيِّ) في المَنعِ مِن إضافةِ الطَّلاقِ إلى الشِّعرِ: الطَّلاقُ مَعنًى تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ، فلم يَصِحَّ تَعليقُه على الشِّعرِ؛ قياسًا على البَيعِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ (الشَّافِعيُّ): إنَّ الوَصفَ الذي تَدَّعيه في الأصلِ غَيرُ مَوجودٍ بناءً على مَذهَبِك؛ فعِندَك الطَّلاقُ لا تَتَعَيَّنُ صِحَّتُه بالقَولِ؛ فإنَّه يَصِحُّ بالكِتابةِ، وكذلك البَيعُ يَصِحُّ عِندَك بالكِتابةِ، فلا يَصِحُّ الوَصفُ على أصلِك.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بأن يُفسِّرَ بما يُسَلِّمُ، بأن يَقولَ: أرَدتُ بقَولي: "تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ": أنَّه يَصِحُّ بالقَولِ، لا أنِّي أُريدُ أنَّه لا يَصِحُّ إلَّا بالقَولِ، فصِحَّتُه بالقَولِ لا تَنفي صِحَّتَه بغَيرِه، وهيَ الكِتابةُ، فلا خِلافَ أنَّه يَصِحُّ بالقَولِ
[1868] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96). .
ثالثًا: قادِحُ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الفَرعِ:المُرادُ به: مَنعُ وُجودِ الوصفِ الذي جَعَله المُستَدِلُّ عِلَّةً في الفَرعِ، وهو أن يَقولَ: لا أُسَلِّمُ وُجودَ الوَصفِ المُعَلَّلِ به في الفَرعِ
[1869] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/226)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/629). .
ويُسَمَّى إثباتُ الوَصفِ في الفرعِ: تَحقيقَ المَناطِ
[1870] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/397)، ((المقترح في المصلح)) للبروي (ص: 262). .
أقسامُ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الفَرعِ:يَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: المَنعُ على مَذهَبِ المُعتَرِضِ، والمَنعُ على مَذهَبِ المُستَدِلِّ.
القِسمُ الأوَّلُ: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الفَرعِ بناءً على أصلِه هو.
مِثالُه: استِدلالُ المالِكيِّ على أنَّ الإجارةَ على الحَجِّ عن المَيِّتِ جائِزةٌ، بأنَّ الحَجَّ فِعلٌ يَجوزُ أن يَفعَلَه الغَيرُ عن الغَيرِ، فجازَت فيه الإجارةُ؛ قياسًا على الخياطةِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) وُجودَ الوَصفِ في الفَرعِ، ويَقولُ: لا أُسَلِّمُ وُجودَ الوَصفِ -الذي هو جَوازُ فِعلِه عن الغَيرِ- في الفَرعِ، الذي هو الحَجُّ؛ فإنَّه لا يَجوزُ عِندَنا أن يَحُجَّ عن الغَيرِ
[1871] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 728). .
القِسمُ الثَّاني: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الفرعِ بناءً على أصلِ المُستَدِلِّ.
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: الطَّلاقُ مَعنًى تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ، فلم يَصِحَّ تَعليقُه في الشِّعرِ؛ قياسًا على البَيعِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: الوَصفُ الذي ذَكَرته في الفَرعِ غَيرُ مَوجودٍ فيه بناءً على مَذهَبِك؛ لأنَّ الطَّلاقَ يَصِحُّ عِندَك بالكِتابةِ مَعَ النِّيَّةِ
[1872] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2187). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن قادِحِ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الفَرعِ:إذا مَنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الفَرعِ، فإنَّ جَوابَ المُستَدِلِّ يَختَلفُ باختِلافِ القِسمَينِ السَّابقَينِ:
فأمَّا القِسمُ الأوَّلُ: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ في الفَرعِ بناءً على أصلِه، فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عن هذا بأحَدِ طَريقَينِ:
الطَّريقُ الأوَّلُ: أن يُفسِّرَ المُستَدِلُّ لفظَ الوَصفِ بما يوافِقُ عليه المُعتَرِضُ [1873] يُنظر: ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/630)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2188). :مِثالُه: قَولُ (الشَّافِعيِّ) في تَعليلِ أمانِ العَبدِ غَيرِ المَأذونِ له: أمانٌ صَدَرَ مِن أهلِه في مَحَلِّه، فيَصِحُّ؛ قياسًا على أمانِ العَبدِ المَأذونِ له في القِتالِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) الأهليَّةَ في الفَرعِ، أي: في العَبدِ المَأذونِ، بأن يَقولَ: لا أُسَلِّمُ أنَّ العَبدَ أهلٌ للأمانِ، أي: أنَّ العِلَّةَ -وهيَ قَولُك: "أمانٌ صَدَرَ مِن أهلِه"- غَيرُ مَوجودةٍ في الفرعِ، وهو أمانُ عَبدٍ غَيرِ مَأذونٍ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بأنِّي أُريدُ بالأهليَّةِ كَونَه مَظِنَّةً لرِعايةِ مَصلحةِ الأمانِ، وبإسلامِه وبُلوغِه تَتَحَقَّقُ فيه هذه الرِّعايةُ عَقلًا.
فإذا أرادَ المُعتَرِضُ بَعدَ ذلك أن يُفسِّرَ مَعنى الأهليَّةِ مُبيِّنًا عَدَمَها في الفَرعِ فالمُختارُ عِندَ كثيرٍ مِن الأُصوليِّينَ أنَّه يَمنَعُ مِن ذلك؛ لأنَّ تَفسيرَها وظيفةُ مَن تَلفَّظ بها؛ إذ هو العالِمُ بمُرادِ نَفسِه، فيَتَولَّى تَعيينَ ما ادَّعاه؛ وذلك لئَلَّا يَنتَشِرَ الجَدَلُ
[1874] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/226)، ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 264)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/317)، ((الاعتراضات الواردة على القياس)) لمحمد نيازي (ص: 282). .
الطَّريقُ الثَّاني: أن يُقيمَ المُستَدِلُّ دَليلًا يَدُلُّ على وُجودِ الوَصفِ في الفَرعِ [1875] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2188). :مِثالُه [1876] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 728). : استِدلالُ المالِكيِّ على أنَّ الإجارةَ على الحَجِّ عن المَيِّتِ جائِزةٌ، بأنَّ الحَجَّ فِعلٌ يَجوزُ أن يَفعَلَه الغَيرُ عن الغَيرِ، فجازَت فيه الإجارةُ؛ قياسًا على الخياطةِ.
فيَمنَعُ المُعتَرِضُ (الحَنَفيُّ) وُجودَ الوَصفِ في الفَرعِ، ويَقولُ: لا أُسَلِّمُ وُجودَ الوَصفِ -الذي هو جَوازُ فِعلِه عن الغَيرِ- في الفَرعِ الذي هو الحَجُّ؛ فإنَّه لا يَجوزُ عِندَنا أن يُحَجَّ عن الغَيرِ.
فيُجيبُ المالِكيُّ بإثباتِ وُجودِ الوَصفِ في الفرعِ بما رُويَ
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ أعرابيًّا يَقولُ: لبَّيكَ اللهُمَّ عن شُبرُمةَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحَجَجتَ عن نَفسِك؟ قال: لا. قال: حُجَّ عن نَفسِك، ثُمَّ حُجَّ عن شُبرُمةَ)) [1877] أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُ أبي داودَ: عن ابنِ عبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمع رجلًا يقولُ: لبَّيك عن شُبرُمةَ، قال: «مَن شُبرُمةُ؟» قال: أخٌ لي -أو قريبٌ لي- قال: حَجَجتَ عن نفسِك؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسِك ثمَّ حُجَّ عن شُبرُمةَ)). ضعَّفه العراقي في ((طرح التثريب)) (2/17)، وقال الإمام أحمد كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/836): رَفعُه خَطأٌ، وقال ابنُ المُنذِر كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/836): لا يَثبُتُ رَفعُه. وأخرجه البَيهَقيُّ (9943) مَوقوفًا، ولفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّه سَمِعَ رَجُلًا يَقولُ: لبَّيكَ عن شُبرُمةَ، فقال: وَيلَك! وما شُبرُمةُ؟ فقال أحَدُهما: قال: أخي. وقال الآخَرُ: فذَكَرَ قَرابةً. فقال: أحَجَجتَ عن نَفسِك؟ قال: لا. قال: فاجعَلْ هذه عن نَفسِك، ثُمَّ احجُجْ عن شُبرُمةَ. قال محمد بن عبد الهادي في ((المحرر في الحديث)) (251): صحَّح الإمامُ أحمد وقفَه، وقال ابنُ الملقن في ((شرح البخاري)) (11/25): الصَّحيحُ أنَّه موقوفٌ على ابنِ عَبَّاسٍ. .
وأمَّا القِسمُ الثَّاني: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ في الفرعِ بناءً على أصلِ المُستَدِلِّ؛ فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عن هذا بتَفسيرِ لَفظِ الوَصفِ في الفرعِ بما يُسَلِّمُ به المُعتَرِضُ
[1878] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2189). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: الطَّلاقُ مَعنًى تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ، فلم يَصِحَّ تَعليقُه على الشِّعرِ؛ قياسًا على البَيعِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: الوَصفُ الذي ذَكَرتَه في الفرعِ غَيرُ مَوجودٍ فيه بناءً على مَذهَبِك؛ حَيثُ إنَّ الطَّلاقَ يَصِحُّ عِندَك بالكِتابةِ مَعَ النِّيَّةِ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بقَولِه: إنِّي أرَدتُ بقَولي: "تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ"، أي: يَصِحُّ بالقَولِ، لا أنَّه لا يَصِحُّ إلَّا بالقَولِ، فصِحَّتُه بالقَولِ لا تَنفي صِحَّتَه بغَيرِه، وهيَ الكِتابةُ
[1879] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2189). .
رابعًا: قادِحُ مَنعِ وُجودِ الوصفِ في الأصلِ والفَرعِ مَعًا:المُرادُ به: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوَصفِ في الأصلِ والفَرعِ مَعًا
[1880] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2193). .
مِثالُه: قَولُ الحَنَفيَّةِ في المُتَمَتِّعِ إذا تَرَكَ الصَّومَ في الحَجِّ: إذا لم يَصُمِ المُتَمَتِّعُ في الحَجِّ سَقَطَ الصَّومُ؛ لأنَّه بَدَلٌ مُؤَقَّتٌ، فوجَبَ أن يَسقُطَ بفَواتِ وقتِه؛ قياسًا على صَلاةِ الجُمُعةِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: عِلَّةُ الأصلِ غَيرُ مُسَلَّمةٍ؛ لأنَّ الجُمُعةَ ليسَت ببَدَلٍ عن الظُّهرِ، وإنَّما الظُّهرُ بَدَلٌ عن الجُمُعةِ؛ لأنَّ البَدَلَ ما وجَبَ الانتِقالُ إليه لتَعَذُّرِ غَيرِه. فهذا مَنعُ عِلَّةِ الأصلِ.
وكذلك عِلَّةُ الفَرعِ غَيرُ مُسَلَّمةٍ؛ لأنَّ الصَّومَ لا يُسَلَّمُ فيه التَّوقيتُ؛ إذ الصَّومُ المُؤَقَّتُ هو المُختَصُّ بزَمانٍ، فصَومُ الثَّلاثةِ بَدَلٌ غَيرُ مُؤَقَّتٍ؛ لأنَّه مَأمورٌ في الحَجِّ دونَ غَيرِه مِن الأوقاتِ
[1881] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (5/1510)، ((التلخيص)) لإمام الحرمين (3/268)، ((التمهيد)) للكلوذاني (4/124). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن قادِحِ مَنعِ وُجودِ الوَصفِ في الأصلِ والفَرعِ مَعًا:إذا مَنَعَ المُعتَرِضُ وُجودَ الوصفِ في الأصلِ والفَرعِ مَعًا، فإنَّ جَوابَ المُستَدِلِّ يَختَلفُ بناءً على ما إذا كان مَنعُ المُعتَرِضِ بناءً على أصلِه هو، أو على أصلِ المُستَدِلِّ، وبَيانُ ذلك:
أمَّا القِسمُ الأوَّلُ: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ فيهما بناءً على أصلِه هو، فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عن ذلك بأحَدِ طَريقَينِ:
الطَّريقُ الأوَّلُ: أن يُفسِّرَ المُستَدِلُّ لفظَ الوَصفِ بما يوافِقُ عليه المُعتَرِضُ
[1882] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 97)، ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 263)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2194). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: الكَلبُ حَيَوانٌ يُغسَلُ الإناءُ مِن وُلوغِه عَدَدًا فلم يَطهُرْ جِلدُه بالدِّباغِ؛ قياسًا على الخِنزيرِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: أنا أمنَعُ الوَصفَ في الأصلِ والفَرعِ، فالغَسلُ عَدَدًا لا يَجِبُ في وُلوغِ الخِنزيرِ، ولا في وُلوغِ الكَلبِ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بقَولِه: عِندَكُم أنَّه إذا غَلبَ على الظَّنِّ عَدَمُ طَهارةِ الإناءِ بغَسلةٍ واحِدةٍ، فإنَّ الغَسلَ يُكَرَّرُ حتَّى تَحصُلَ غَلبةُ الظَّنِّ بالطَّهارةِ، وعِندَنا العَدَدُ مُعتَبَرٌ في حالةِ غَلبةِ الظَّنِّ وعَدَمِها، فيَصِحُّ -على هذا- اعتِبارُ العَدَدِ في الغَسلِ مِن وُلوغِ الكَلبِ في الجُملةِ
[1883] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2194). .
الطَّريقُ الثَّاني: أن يُقيمَ المُستَدِلُّ دَليلًا على وُجودِ الوَصفِ في الأصلِ والفَرعِ [1884] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (4/124) ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 263)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2194). .مِثالُه: المِثالُ السَّابقُ، فإذا قال المُعتَرِضُ: أمنَعُ الوَصفَ في الأصلِ والفَرعِ، فالكَلبُ والخِنزيرُ لا يَجِبُ غَسلُ الإناءِ مِن وُلوغِهما سَبعًا
[1885] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2195). .
فيَستَدِلُّ المُستَدِلُّ على وُجودِ الوصفِ في الأصلِ والفَرعِ بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا ولغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم فليَغسِلْه سَبعًا)) [1886] أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مُسلمٍ: عن أبي هرَيرةَ قال: ((إذا ولغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم فليَغسِلْه سَبعَ مِرارٍ)). . فإذا نَصَّ على وُجوبِ غَسلِ الإناءِ مِن وُلوغِ الكَلبِ سَبعًا، وهو أدنى مِن الخِنزيرِ، فالخِنزيرُ أَولى أن يَجِبَ فيه هذا الحُكمُ.
أمَّا القِسمُ الثَّاني: وهو مَنعُ المُعتَرِضِ وُجودَ الوَصفِ فيهما بناءً على أصلِ المُستَدِلِّ، فإنَّ المُستَدِلَّ يُجيبُ عن ذلك بأن يُفسِّرَ لفظَ الوَصفِ بما يُسَلِّمُ به المُعتَرِضُ
[1887] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2195). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: الطَّلاقُ مَعنًى تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ، فلم يَصِحَّ تَعليقُه على الشِّعرِ؛ قياسًا على البَيعِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: ما ذَكَرتَه في قياسِك مِن الوصفِ غَيرُ مَوجودٍ في الأصلِ على مَذهَبِك؛ فالبَيعُ الذي هو الأصلُ يَصِحُّ عِندَك بالكِتابةِ ولا يَتَعَيَّنُ بالقَولِ.
وكذلك ما ذَكَرتَه في قياسِك مِن الوصفِ غَيرُ مَوجودٍ في الفرعِ على مَذهَبِك؛ فالطَّلاقُ -الذي هو الفرعُ- يَصِحُّ عِندَك بالكِتابةِ مَعَ النِّيَّةِ، ولا يَتَعَيَّنُ بالقَولِ.
فيُجيبُ المُستَدِلُّ بأن يُفسِّرَ الوَصفَ بما يُسَلِّمُه له، فيَقولُ: إنِّي أرَدتُ بقَولي: "تَتَعَلَّقُ صِحَّتُه بالقَولِ" أنَّه يَصِحُّ بالقَولِ لا أنَّه لا يَصِحُّ إلَّا بالقَولِ، فصِحَّته بالقَولِ لا تَنفي صِحَّتَه بغَيرِه، وهيَ الكِتابةُ، وبهذا لا يَنتَفي الوَصفُ عن الأصلِ والفَرعِ
[1888] يُنظر: ((المعونة)) للشيرازي (ص: 96)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2195). .
خامِسًا: قادِحُ مَنعِ كَونِ الوَصفِ عِلَّةً:المُرادُ منه: مَنعُ ما يَدَّعيه الخَصمُ أنَّه عِلَّةٌ
[1889] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (7/404). . ومَعناه: أن يَمنَعَ المُعتَرِضُ كونَ الوَصفِ الذي ذَكَرَه المُستَدِلُّ عِلَّةً للحُكمِ؛ لأنَّ مِن النَّاسِ مَن يَتَمَسَّكُ بما لا يَصِحُّ أن يَكونَ عِلَّةً فيَجعَلُه عِلَّةً، فإذا قاسَ المُستَدِلُّ الفَرعَ على الأصلِ بجامِعِ عِلَّةٍ سَمَّاها وذَكَرَها، فإنَّ المُعتَرِضَ يَقولُ: أنا أمنَعُ كونَ هذا الوَصفِ عِلَّةً لهذا الحُكمِ. أو يَقولُ: ما الدَّليلُ على كونِ هذا الوَصفِ عِلَّةً للحُكمِ؟ أو يَقولُ: لمَ قُلتَ
[1890] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/205)، ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/397)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2199). ؟
ولذلك عَرَّفه البِرماويُّ بأنَّه: مَنعُ العِلِّيَّةِ في الوَصفِ الذي عَلَّل به المُستَدِلُّ، والمُطالبةُ بتَصحيحِ ذلك
[1891] يُنظر: ((الفوائد السنية)) (5/2060) وبمثله قال المرداوي في ((التحبير)) (7/3577). .
ومِن هنا أطلَقَ كثيرٌ مِن الأُصوليِّينَ على هذا القادِحِ مُصطَلَحَ (المُطالَبةِ)
[1892] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/397)، ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 287)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/2060). ؛ لأنَّ المُعتَرِضَ يُطالبُ المُستَدِلَّ بتَصحيحِ العِلَّةِ وإثباتِها
[1893] يُنظر: ((التحقيق والبيان)) للأبياري (4/417)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/404). ، فإذا أُطلقَ لفظُ (المُطالَبةِ) لم يُفهَمْ مِنه في العُرفِ سِواه، ومَتى أُريدَ غَيرُه ذُكِرَ مُقَيَّدًا، فيُقالُ: المُطالَبةُ بوُجودِ الوصفِ، أو ثُبوتِ الحُكمِ في الأصلِ، ونَحوِه
[1894] يُنظر: ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/431)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/404)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3578). .
قال إمامُ الحَرَمَينِ: (مِن وُجوهِ المَنعِ في الأصلِ: المُطالَبةُ بأنَّ ما أظهَرَه المُستَنبِطُ يَصلُحُ لكَونِه عِلَّةً)
[1895] ((البرهان)) (2/99). .
أهَمِّيَّتُه:كثرةُ المُمارَسةِ والدُّربةِ لمُمانِعاتِ العِلَّةِ لها دَورٌ كبيرٌ في بناءِ المَلَكةِ الفِقهيَّةِ وتَنميَتِها لدى الفقيهِ، وهذا ما بَيَّنَه السَّمعانيُّ بقَولِه: (هذه مُمانَعاتٌ عائِدةٌ إلى مَحضِ الفِقهِ، وبهذا السُّؤالِ يَتَبَيَّنُ المُحَقِّقُ مِن الفُقَهاءِ مِن غَيرِه)
[1896] ((قواطع الأدلة)) (2/206). .
ويُعَدُّ قادِحُ المُمانَعةِ لكَونِ الوَصفِ عِلَّةً مِن أهَمِّ قَوادِحِ العِلَّةِ لسَبَبَينِ، ذَكَرَهما الآمِديُّ بقَولِه: (هذا هو أعظَمُ الأسئِلةِ الوارِدةِ على القياسِ؛ لعُمومِ وُرودِه على كُلِّ ما يُدَّعى كونُه عِلَّةً، واتِّساعِ طُرُقِ إثباتِه، وتَشَعُّبِ مَسالِكِه)
[1897] ((الإحكام)) (4/82). .
فالأوَّلُ: عُمومُ وُرودِه على كُلِّ ما يُدَّعى أنَّه عِلَّةٌ لعُمومِه في الأقيِسةِ؛ إذ العِلَّةُ قَلَّما تَكونُ قَطعيَّةً.
والثَّاني: تَشَعُّبُ الطُّرُقِ التي يُثبتُ المُستَدِلُّ بها عِلِّيَّةَ الوَصفِ، فتَتَعَدَّدُ طُرُقِ الانفِصالِ عنها، وعلى كُلِّ واحِدٍ مِنها أبحاثٌ، فيَطولُ القالُ والقيلُ فيه ما لا يَطولُ في غَيرِه، ومَن استَقرَأ ذلك عَلِمَه
[1898] يُنظر: ((شرح العضد)) (3/493)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/431). .
مِثالُه: قَولُ المُستَدِلِّ: تُقاسُ الفأرةُ على الهِرَّةِ، فيَكونُ سُؤرُ الفأرةِ طاهرًا كسُؤرِ الهرَّةِ؛ بجامِعِ كثرةِ التَّطوافِ في المَنزِلِ.
فيَقولُ المُعتَرِضُ: أنا أمنَعُ كونَ كَثرةِ التَّطوافِ عِلَّةً لطَهارةِ سُؤرِ الهرَّةِ، أو يَقولُ: ما الدَّليلُ على أنَّ كثرةَ التَّطوافِ عِلَّةً لطَهارةِ سُؤرِ الهرَّةِ
[1899] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2199). .
هَل يُقبَلُ مِن المُعتَرِضِ الاعتِراضُ بعَدَمِ صَلاحيةِ الوَصفِ للتَّعليلِ؟تُعتَبَرُ المُطالبةُ سُؤالًا صحيحًا مَقبولًا يَرِدُ على القياسِ، ويَجِبُ على المُستَدِلِّ الجَوابُ عليه، وهو مَذهَبُ كثيرٍ مِن الحَنَفيَّةِ؛ كالدَّبُوسيِّ
[1900] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) (ص: 327). ، والسَّرَخسيِّ
[1901] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/235). ، والسَّمَرقَنديِّ
[1902] يُنظر: ((ميزان الأصول)) (ص: 767). ، والبابَرتيِّ
[1903] يُنظر: ((الردود والنقود)) (2/604). . والمالكيَّةِ كالأبياريِّ
[1904] يُنظر: ((التحقيق والبيان)) (4/417). ، وابنِ المُنَيِّرِ
[1905] يُنظر: ((الكفيل بالوصول إلى ثمرات الأصول)) (ص: 258). ، وابنِ جُزَيٍّ
[1906] يُنظر: ((تقريب الوصول)) (ص: 189). ، والتِّلِمْسانيِّ
[1907] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) (ص: 725). . والشَّافِعيَّةِ كإمامِ الحَرَمَينِ
[1908] يُنظر: ((البرهان)) (2/99). ، والسَّمعانيِّ
[1909] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (2/205). ، والآمِديِّ
[1910] يُنظر: ((الإحكام)) (4/82). ، وابنِ السُّبكيِّ
[1911] يُنظر: ((رفع الحاجب)) (4/431). ، والزَّركَشيِّ
[1912] يُنظر: ((البحر المحيط)) (7/405)، ((تشنيف المسامع)) (3/380). . وهو مَذهَبُ الحَنابلةِ
[1913] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1359). ، وبه قال أكثَرُ الأُصوليِّينَ
[1914] يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 430)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1359). .
بَل أكَّد الآمِديُّ وغَيرُه على أنَّه مِن أعظَمِ الأسئِلةِ الوارِدةِ على القياسِ
[1915] يُنظر: ((الإحكام)) (4/82)، ((مختصر منتهى السول)) لابن الحاجب (2/1142)، ((نفائس الأصول)) للقرافي (8/3475)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1359). .
الدَّليلُ على قَبولِه:استَدَلُّوا على قَبولِه بأنَّ الحُكمَ لا بُدَّ له مِن عِلَّةٍ، لكِن مِن النَّاسِ مَن يَتَمَسَّكُ بما لا يَصلُحُ كونُه عِلَّةً، فيَجعَلُه عِلَّةً، فيَكونُ التَّمَسُّكُ بالقياسِ عَبَثٌ
[1916] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/194)، ((شرح العضد)) (3/493)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/404)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/2061). .
وقيل: لا يُقبَلُ، وإلَّا أدَّى إلى الانتِشارِ وعَدَمِ الضَّبطِ
[1917] يُنظر: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/380)، ((التحبير)) للمرداوي (7/3578). . وهو مَحكيٌّ عن بَعضِ العُلماءِ
[1918] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3593)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 430). .
كيفيَّةُ الجَوابِ عن قادِحِ مَنعِ كَونِ الوَصفِ عِلَّةً:
يُجيبُ المُستَدِلُّ عن هذا المَنعِ بإثباتِ كَونِ الوَصفِ عِلَّةً للحُكمِ، وذلك بالطُّرُقِ المُثبِتةِ للعِلِّيَّةِ، وهيَ مَسالكُ العِلَّةِ، ولا يُمكِنُ المُعتَرِضَ أن يَمنَعَ عِلِّيَّةَ ما يَكونُ كذلك؛ لِما ثَبَتَ مِن أنَّ تلك الطُّرُقَ دالَّةٌ على العِلِّيَّةِ
[1919] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/228)، ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 287)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (8/3593)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1360)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (4/431)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/605)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (3/380). . وقد سَبَقَ ذِكرُ الطُّرُقِ المُثبِتةِ للعِلَّةِ، وهيَ: النَّصُّ على العِلَّةِ، والإجماعُ على كَونِ الوَصفِ عِلَّةً، والإيماءُ والتَّنبيهُ، والاستِدلالُ على العِلِّيَّةِ بفِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمُناسَبةُ، والسَّبرُ والتَّقسيمُ، والدَّورانُ، وتَنقيحُ المَناطِ.
ومِثالُه: احتِجاجُ الحَنَفيَّةِ على أنَّ المُعتَقةَ تَحتَ الحُرِّ لها الخيارُ، كالمُعتَقةِ تَحتَ العَبدِ.
فيَقولُ المالكيَّةُ: لا نُسَلِّمُ أنَّ مِلكَها لنَفسِها بالعِتقِ هو العِلَّةُ في خيارِها.
والجَوابُ عِندَ الحَنَفيَّةِ: النَّصُّ، وهو قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لبَريرةَ رَضِيَ اللهُ عنها:
((مَلَكْتِ نَفسَكِ فاختاري)) [1920] أخرجه ابنُ سعد في ((الطبقات الكبرى)) (10669) عن عامرٍ الشَّعبيِّ ((أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لبَريرةَ لمَّا أُعتِقَت: قد أُعتِقَ بُضْعُك معك فاختاري)). قال الزيلعي في ((نصب الراية)) (3/204): مرسَلٌ، وقال ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/1203): مرسَلٌ، ووصله الدارقطني من طريقِ أبانَ بنِ صالِحٍ عن هشامٍ عن أبيه عن عائشةَ. ورواية الدارقطني (4/444) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، بلفظِ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لبَريرةَ: اذهَبي؛ فقد عَتَقَ مَعَك بُضْعُك)). ، والنَّصُّ مَسلَكٌ مِن مَسالِكِ العِلَّةِ
[1921] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 725). .
مَوقِفُ المُعتَرِضِ مِن جَوابِ المُستَدِلِّ:
إن اقتَنَعَ المُعتَرِضُ بهذا الطَّريقِ أو المَسلَكِ، والدَّليلِ المُثبِتِ لعِلِّيَّةِ الوَصفِ، صَحَّ قياسُ المُستَدِلِّ، وانقَطَعَ المُعتَرِضُ. وإن لم يَقتَنِعْ فإنَّ له أن يَنظُرَ في هذا الدَّليلِ أو المَسلَكِ الذي أقامَه المُستَدِلُّ، ويَعتَرِضَ عليه إذا أمكَنَه ذلك بأن يورِدَ الاعتِراضاتِ المُناسِبةَ لكُلِّ دَليلٍ أو مَسلَكٍ مِن المَسالكِ التي ذَكَرَها المُستَدِلُّ
[1922] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/397)، ((المقترح في المصطلح)) للبروي (ص: 287). .
فمَثَلًا إذا استَدَلَّ المُستَدِلُّ على كَونِ الوَصفِ يَصلُحُ أن يَكونَ عِلَّةً لهذا الحُكمِ عن طَريقِ الكِتابِ؛ فإنَّ المُعتَرِضَ يورِدُ عليه الاعتِراضاتِ التي تُورَدُ على الاستِدلالِ بالكِتابِ ابتِداءً، وإذا استَدَلَّ عليها عن طَريقِ السُّنَّةِ، فإنَّ المُعتَرِضَ يُورِدُ عليها الاعتِراضاتِ التي تُورَدُ على الاستِدلالِ بالسُّنَّةِ، وهَكَذا
[1923] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/2204). .