موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الرَّابعُ: تَطبيقاتٌ فِقهيَّةٌ


1- مَسألةُ الخارِجِ مِن غَيرِ السَّبيلَينِ، كالرُّعافِ والحِجامةِ والقَيءِ، ونَحوِ ذلك:
فذَهَبَ مالِكٌ [2373] يُنظر: ((التلقين في الفقه المالكي)) للقاضي عبد الوهاب (1/22)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/236). ، والشَّافِعيُّ [2374] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/199)، ((بحر المذهب)) للروياني (1/156). إلى أنَّه لا يَنتَقِضُ الوُضوءُ بالخارِجِ مِن غَيرِ السَّبيلينِ، واستَدَلُّوا على ذلك بالاستِصحابِ؛ حَيثُ إنَّ الطَّهارةَ المُجمَعَ على وُجودِها يُحكَمُ ببَقائِها استِصحابًا للحالِ السَّابقةِ حتَّى يَرِدَ دَليلٌ يَرفعُ السَّابقَ، قال النَّوويُّ: (وأحسَنُ ما أعتَقِدُه في المَسألةِ أنَّ الأصلَ أنْ لا نَقضَ حتَّى يَثبُتَ بالشَّرعِ، ولم يَثبُتْ، والقياسُ مُمتَنِعٌ في هذا البابِ؛ لأنَّ عِلَّةَ النَّقضِ غَيرُ مَعقولةٍ) [2375] ((المجموع)) (2/55). .
وقال الآمِديُّ: (وصورَتُه ما لو قال الشَّافِعيُّ مَثَلًا في مَسألةِ الخارِجِ النَّجِسِ مِن غَيرِ السَّبيلينِ: إذا تَطَهَّرَ ثُمَّ خَرَجَ مِنه خارِجٌ مِن غَيرِ السَّبيلينِ فهو بَعدَ الخُروجِ مُتَطَهِّرٌ، ولو صَلَّى فصَلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّ الإجماعَ مُنعَقِدٌ على هَذَينِ الحُكمَينِ قَبلَ الخارِجِ، والأصلُ في كُلِّ مُتَحَقِّقٍ دَوامُه لِما تَحَقَّق في المَسألةِ التي قَبلَها، إلَّا أن يوجَدَ المُعارِضُ النَّافي، والأصلُ عَدَمُه، فمَنِ ادَّعاه يَحتاجُ إلى الدَّليلِ) [2376] ((الإحكام)) (4/136). .
وقال التِّلِمسانيُّ: (الضَّربُ الثَّاني: استِصحابُ حُكمِ الشَّرعِ، وهذا كاحتِجاجِ أصحابِنا على: أنَّ الرُّعافَ لا يَنقُضُ الوُضوءَ، بأنَّا لمَّا أجمَعنا على أنَّه مُتَطَهِّرٌ قَبلَ الرُّعافِ، فوجَبَ استِصحابُ الطَّهارةِ بَعدَه حتَّى يَدُلَّ دَليلٌ على النَّقضِ) [2377] ((مفتاح الوصول)) (ص:650). .
2- مَسألةُ المُتَيَمِّمِ الذي يَجِدُ الماءَ أثناءَ الصَّلاةِ:
اختَلف الفُقَهاءُ فيما إذا تَيَمَّمَ وشَرَعَ في الصَّلاةِ، ثُمَّ وجَدَ الماءَ أثناءَ صَلاتِه؛ فذَهَبَ مالكٌ [2378] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (1/164). ، والشَّافِعيُّ [2379] يُنظر: ((الأم)) (1/64)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/253). إلى أنَّ رُؤيةَ الماءِ أثناءَ الصَّلاةِ لا تَنقُضُ التَّيَمُّمَ ولا الصَّلاةَ؛ لأنَّ الإجماعَ انعَقدَ على صِحَّةِ الصَّلاةِ حالَ الشُّروعِ فيها، فيُستَصحَبُ هذا الحُكمُ حتَّى آخِرِ صَلاتِه، قال الزِّنجانيُّ: (المُتَيَمِّمُ إذا رَأى الماءَ في أثناءِ صَلاتِه لا تَبطُلُ صَلاتُه عِندَ الشَّافِعيِّ؛ لأنَّ الإجماعَ قدِ انعَقدَ على صَلاتِه حالةَ الشُّروعِ، والدَّليلُ الدَّالُّ على صِحَّةِ الشُّروعِ دالٌّ على دَوامِه إلَّا أن يَقومَ دَليلُ الانقِطاعِ) [2380] ((تخريج الفروع على الأصول)) (ص:73). .
ما لا مَجالَ فيه للاحتِجاجِ بالاستِصحابِ:
1- لا يَجوزُ الاحتِجاجُ بالاستِصحابِ فيما ثَبَتَ بَقاؤُه أوِ انتِفاؤُه بدَليلٍ شَرعيٍّ مُغايِرٍ للاستِصحابِ. فالاستِصحابُ يُؤخَذُ به حَيثُ لا دَليلَ [2381] يُنظر: ((أصول الفقه)) لأبي زهرة (ص: 304)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (2/860). .
فإذا كان الدَّليلُ المُثبِتُ للحُكمِ الشَّرعيِّ دالًّا في نَفسِ الوقتِ على بَقاءِ الحُكمِ واستِمرارِه يَقينًا -إمَّا لوُجودِ قَرينةٍ دالَّةٍ على البَقاءِ وعَدَمِ الزَّوالِ قَطعًا، وإمَّا لقيامِ الدَّليلِ الصَّريحِ الدَّالِّ على ذلك البَقاءِ والاستِمرارِ- فإنَّ ثُبوتَ هذا الحُكمِ وبَقاءَه واستِمرارَه يَكونُ بمُقتَضى الدَّليلِ الموجِبِ للحُكمِ الشَّرعيِّ ابتِداءً، وليسَ بمُقتَضى الاستِصحابِ [2382] يُنظر: ((الاستصحاب)) لعوني مصاروة (ص: 121). .
2- إذا كان الدَّليلُ المُثبِتُ للحُكمِ الشَّرعيِّ دالًّا في ذاتِ الوقتِ على بَقاءِ الحُكمِ واستِمرارِه مُدَّةً مُحَدَّدةً مَعلومةً، كعَقدِ الإجارةِ مَثَلًا؛ فإنَّ بَقاءَ هذا الحُكمِ المُؤَقَّتِ يَبقى قائِمًا ومُستَمِرًّا خِلالَ تلك المُدَّةِ المُحَدَّدةِ ويَنتَهي بانتِهائِها، ولا مَجالَ للاستِدلالِ بالاستِصحابِ في مِثلِ هذه الأحكامِ والعُقودِ المُؤَقَّتةِ [2383] يُنظر: ((الاستصحاب)) لعوني مصاروة (ص: 121). .

انظر أيضا: