موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الأولى: تعريفُ الواجِبِ


أوَّلًا: تعريفُ الواجِبِ لُغةً
الواوُ والجيمُ والباءُ: أصلٌ واحِدٌ يَدُلُّ على سُقوطِ الشَّيءِ ووُقوعِه، يُقالُ: وجَبَ البيعُ وُجوبًا: حَقَّ ووقَعَ. ووجَبَ الحائِطُ: سَقَطَ [118] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/89)، ((تاج العروس)) للزبيدي (4/333). .
ويَأتي الواجِبُ أيضًا بمَعنى الثُّبوتِ، ومِنه قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قَد وجَبَ أجرُكِ)) [119] لَفظُه: عَن عبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ، عَن أبيه رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((بَينا أنا جالسٌ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ أتَته امرَأةٌ، فقالت: إنِّي تَصَدَّقتُ على أُمِّي بجاريةٍ، وإنَّها ماتَت، قال: فقال: وجَبَ أجرُكِ، ورَدَّها عليكِ الميراثُ. قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه كان عليها صَومُ شَهرٍ، أفأصومُ عَنها؟ قال: صومي عنها. قالت: إنَّها لَم تَحُجَّ قَطُّ، أفأحُجُّ عَنها؟ قال: حُجِّي عنها)). أخرجه مسلم (1149). ، أي: ثَبَت [120] يُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم أبادي (5/ 51). .
ويَأتي أيضًا بمَعنى اللُّزومِ، ومِنه قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا تَبايَعَ الرَّجُلانِ فكُلُّ واحِدٍ مِنهما بالخيارِ ما لَم يَتَفرَّقا، وكانا جَميعًا، أو يُخيِّرُ أحَدُهما الآخَرَ، فإن خيَّرَ أحَدُهما الآخَرُ فتَبايَعا على ذلك فقَدَ وجَبَ البيعُ)) [121] أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531) واللفظُ له من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، أي: لَزِم [122] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور، (1/793). ويُنظر أيضًا: ((طرح التثريب)) للعراقي (6/ 158)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/ 45). .
ثانيًا: تعريفُ الواجِبِ اصطِلاحًا
الواجِبُ: هو ما طَلَبَ الشَّرعُ فِعلَه طَلَبًا جازِمًا [123] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/ 141)، ((تقريب الوصول)) لابن جزي (ص: 169). .
وقيلَ: هو ما يُثابُ على فِعلِه، ويُعاقَبُ على تَركِه [124] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (2/374)، ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 37). .
وقيلَ: هو الذي يُذَمُّ شَرعًا تارِكُه قَصدًا مُطلَقًا [125] يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 55). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- جُملةُ "ما طَلَبَ الشَّرعُ فِعلَه": يَدخُلُ فيها المَندوبُ؛ فإنَّ فيه طَلَبًا.
ويُحتَرَزُ بها عنِ الحَرامِ والمَكروهِ؛ لأنَّ الطَّلَبَ فيهما طَلَبُ تَركٍ. كما يُحتَرَزُ بها عنِ المُباحِ، ففيه تَخييرٌ بينَ الفِعلِ والتَّركِ.
- جُملةُ "طَلَبًا جازِمًا": يَخرُجُ بها المَندوبُ؛ لأنَّ الطَّلَبَ فيه ليس جازِمًا [126] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/305). .
ثالثًا: العَلاقةُ بينَ المَعنى اللُّغَويِّ والمَعنى الاصطِلاحيِّ للواجِبِ
المَعنى الاصطِلاحيُّ للواجِبِ لا يَبعُدُ عنِ المَعاني اللُّغَويَّةِ لَه، وهذا ما لاحَظَه الأُصوليُّونَ عِندَ تَعريفِه؛ فحَقيقةُ ما وُضِعَ لَه اللَّفظُ في اللُّغةِ مَوجودٌ فيه؛ لأنَّ مَعناه أنَّه لَزِمَ لُزومًا لا يَنفَكُّ مِنه المُكلَّفُ به ولا يَتَخَلَّصُ عنه إلَّا بأدائِه [127] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/285). .
وقد ذَكرَ السَّمَرقَنديُّ بناءَ التَّعريفِ الاصطِلاحيِّ على اللُّغَويِّ، فقال: (وأمَّا في عُرفِ الشَّرعِ فمُقَرَّرٌ على وضعِ اللُّغةِ؛ فإنَّ الواجِبَ يُلازِمُ الذي عليه، بحيثُ لا يَخرُجُ عن عُهدَتِه إلَّا بإسقاطِه عن نَفسِه، ويَكونُ كالسَّاقِطِ عليه، فيَحتاجُ إلى تَفريغِ نَفسِه عنه) [128] ((ميزان الأصول)) (ص: 26). .
وقال ابنُ عَقيلٍ: (الواجِبُ في أصلِ اللُّغةِ: السَّاقِطُ، مِن قَولِهم: وجَبَ الحائِطُ، ووجَبَتِ الشَّمسُ. والإيجابُ: الإسقاطُ، وهو الإلزامُ، وهاهنا هو إلزامُ الشَّرعِ) [129] ((الواضح)) (1/29). .
وقال أيضًا: (فإذا قيلَ: وجَبَتِ العِبادةُ. فالمُرادُ به: وقَعَ الخِطابُ بها على المُخاطَبِ، وسَقَطَ كسُقوطِ الجِدارِ وثَباتِه) [130] ((الواضح)) (3/165). .
رابعًا: أسماءُ الواجِبِ
يُسَمَّى الواجِبُ بعِدَّةِ أسماءٍ؛ مِنها: الفَرضُ، والمَفروضُ، واللَّازِمُ، والحَتمُ، والمَحتومُ، والمَكتوبُ، والمُستَحَقُّ [131] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (1/294)، ((رسالة العكبري في أصول الفقه)) (ص: 24)، ((تقريب الوصول)) لابن جزي (ص: 169)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 240). .

انظر أيضا: