موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الرَّابِعُ: إطلاقُ النَّصِّ على الظَّاهِرِ


لا يَصِحُّ إطلاقُ النَّصِّ على الظَّاهرِ؛ حَيثُ إنَّ النَّصَّ له تَعريفُه الخاصُّ به، والظَّاهِرُ له تَعريفُه الخاصُّ به؛ وذلك لأنَّ اسمَ النَّصِّ لَو أُطلِقَ على الظَّاهرِ لَلَزِمَ مِن ذلك أمرانِ هما على خِلافِ الأصلِ عِندَ أهلِ اللُّغةِ.
الأوَّلُ: التَّرادُفُ؛ حَيثُ يَكونُ مَعنى النَّصِّ والظَّاهرِ واحِدًا، وهذا التَّرادُفُ على خِلافِ الأصلِ.
الثَّاني: الاشتِراكُ؛ حَيثُ إنَّا لَو أطلَقنا اسمَ النَّصِّ على الظَّاهرِ لَثَبَتَ أنَّ الذي يَحتَمِلُ مَعنَيَينِ هو في أحَدِهما أظهَرُ: النَّصُّ والظَّاهرُ، وهذا الاشتِراكُ على خِلافِ الأصلِ [386] يُنظر: ((الجامع)) لعبد الكريم النملة (ص: 191). .
وقد أطلَقَ الشَّافِعيُّ النَّصَّ على الظَّاهرِ بمَعنى اللَّفظِ الذي يَحتَمِلُ مَعنَيَينِ هو في أحَدِهما أظهَرُ؛ فقد بَوَّبَ في كِتابِه "الرِّسالة" فقال: (بابُ الفرائِضِ التي أنزَلَ اللهُ نَصًّا)، ثُمَّ أورَدَ تَحتَ هذا البابِ آياتِ القَذفِ واللِّعانِ والصِّيامِ... ويَأتي ببَعضِ الإيضاحاتِ بَعدَ كُلِّ آيةٍ [387] ((الرسالة)) (ص: 147). .
ثُمَّ ذَكَرَ عُنوانًا آخَرَ تَحتَ هذا البابِ، فقال: (الفرائِضُ المنصوصةُ التي سَنَّ رَسولُ اللهِ مَعَها)، ثُمَّ أورَدَ آيةَ الوُضوءِ، وعَرَضَ لأحاديثَ نَبَويَّةٍ تُبَيِّنُ مُجمَلَ الآيةِ، مُستَدِلًّا لكُلِّ ما عَرَضَ له مِن أحكامٍ فِقهيَّةٍ؛ لأنَّ الآيةَ الكَريمةَ لَم تُبَيِّنْ تَفصيلَ الأحكامِ، فبَيَّنَتِ السُّنَّةُ ذلك [388] ((الرسالة)) (ص: 161). .
ثُمَّ عنونَ لـ (الفَرض المَنصوص الذي دَلَّتِ السُّنَّةُ على أنَّه إنَّما أرادَ الخاصَّ)، وأورَدَ آياتِ المَواريثِ، ثُمَّ أطنَبَ في بَيانِ هذا الخاصِّ الوارِدِ في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ [389] ((الرسالة)) (ص: 167). .
وقد وجَّهَ الأُصوليُّونَ كَلامَ الشَّافِعيِّ بأنَّه صحيحٌ مِن جِهةِ اللُّغةِ.
قال إمامُ الحَرَمَينِ: (فأمَّا الشَّافِعيُّ فإنَّه يُسَمِّي الظَّواهرَ نُصوصًا في مَجاري كَلامِه، وكذلك القاضي أبو بَكرٍ، وهو صحيحٌ في أصلِ وَضعِ اللُّغةِ؛ فإنَّ النَّصَّ مَعناه الظُّهورُ) [390] ((البرهان)) (1/152). .
وقال الغَزاليُّ: (وأمَّا الشَّافِعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه فإنَّه سَمَّى الظَّاهرَ نَصًّا)، ثُمَّ قال: (النَّصُّ يَنقَسِمُ إلى ما يَقبَلُ التَّأويلَ، وإلى ما لا يَقبَلُه. والمُختارُ عِندَنا أن يَكونَ النَّصُّ ما لا يَتَطَرَّقُ إليه التَّأويلُ... وتَسميةُ الظَّاهرِ نَصًّا مُنطَلِقٌ على اللُّغةِ، لا مانِعَ في الشَّرعِ مِنه؛ إذ مَعنى النَّصِّ قَريبٌ مِنَ الظُّهورِ) [391] ((المنخول)) (ص: 243). .

انظر أيضا: