موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّالِثُ: هَل يَدخُلُ الإجمالُ في الأفعالِ؟


كما يَكونُ الإجمالُ في اللَّفظِ؛ فإنَّه يَكونُ في الفِعلِ، بأن يَفعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا يَحتَمِلُ وجهَينِ [453] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 50)، ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/85). .
قال الإسنَويُّ: (المُجمَلُ قد يَكونُ فعلًا أيضًا، كما إذا قامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الرَّكعةِ الثَّانيةِ؛ فإنَّه يَحتَمِلُ أن يَكونَ عن تَعَمُّدٍ، فيَدُلُّ على جَوازِ تَركِ التَّشَهُّدِ الأوَّلِ، ويَحتَمِلُ أن يَكونَ عن سَهوٍ فلا يَدُلُّ عليه) [454] ((نهاية السول)) (ص: 226). .
ومِثالُه أيضًا: ما ورَدَ مِن أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَصَرَ في السَّفرِ [455] عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يَقولُ: ((صَحِبتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكان لا يَزيدُ في السَّفَرِ على رَكعَتَينِ، وأبا بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلك، رَضِيَ اللهُ عنهم)). أخرجه البخاري (1102) واللَّفظُ له، ومسلم (689). ، ولَم يُذكَرْ هَل هو سَفرٌ قَصيرٌ أم طَويلٌ؛ فصارَ مِن جِهةِ التَّرَدُّدِ بَينَ وُقوعِه على وجهَينِ مُختَلِفينِ، كاللَّفظِ المُتَرَدِّدِ بَينَ مَعنيَيَنِ، فلا يَجوزُ حَملُه على أحَدِهما دونَ الآخَرِ إلَّا بدَليلٍ [456] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 50)، ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 312). .
ويُمكِنُ حَصرُ وُجوهِ الإجمالِ في دَلالةِ الفِعلِ فيما يَلي:
1- أنَّه قد يَدورُ حُكمُه بَينَ الاختِصاصِ بفاعِلِه، كما في الخَصائِصِ النَّبَويَّةِ، وبَينَ أن يَكونَ عامًّا له وللأُمَّةِ، وكَذا الاختِصاصُ بالمَكانِ والزَّمانِ والحالِ التي فُعِلَ فيها وبَينَ سائِرِ الأمكِنةِ والأزمِنةِ والأحوالِ.
2- أنَّه قد يَدورُ حُكمُه بَينَ الوُجوبِ والنَّدبِ والإباحةِ.
3- أنَّه قد يَدورُ بَينَ أن يَكونَ مَقصودًا به التَّعَبُّدُ والتَّشريعُ، وبَينَ أن يُفعَلَ على حَدِّ الإباحةِ العَقليَّةِ.
4- أنَّه حتَّى لَو كان مَقصودًا به التَّشريعُ يَدورُ بَينَ أن يَكونَ بَيانًا لمُجمَلٍ مُعَيَّنٍ أو لا يَكونُ بَيانًا له.
5- أنَّه قد يَدورُ بَينَ الارتِباطِ بسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وبَينَ عَدَمِ الارتِباطِ به، كالخُروجِ في صَلاةِ العيدِ إلى المُصَلَّى في الصَّحراءِ، هَل كان لعُذرِ ضِيقِ المَسجِدِ؛ فلا يُسَنُّ إلَّا عِندَ الضِّيقِ، أو لَم يَكُنْ لذلك؛ فيُسَنُّ مُطلَقًا [457] يُنظر: ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/86). ؟
وقيلَ: لا إجمالَ في الأفعالِ. وبه قال السَّمعانيُّ [458] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (1/170). .

انظر أيضا: