موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: السَّلامُ عِندَ الدُّخولِ والانصِرافِ


مِن السُّنَّةِ السَّلامُ عِندَ الدخولِ إلى المجلسِ وعندَ الانصِرافِ منه [128] قال ابنُ عَقيلٍ الحَنبَليُّ: (يُستَحَبُّ السَّلامُ عِندَ الانصِرافِ، كما يُستَحَبُّ عِندَ الدُّخولِ، والدُّخولُ أشَدُّ استِحبابًا). ((فصول الآداب)) (ص: 41). وقال النَّوويُّ: (إذا كان جالسًا مَعَ قَومٍ ثُمَّ قامَ ليُفارِقَهم، فالسُّنَّةُ أن يُسَلِّمَ عليهم...؛ لأنَّ السَّلامَ سُنَّةً عِندَ الانصِرافِ كما هو سُنَّةٌ عِندَ الجُلوسِ). ((الأذكار)) (ص: 258). وقال الألبانيُّ: (السَّلامُ عِندَ القيامِ مِنَ المَجلِسِ أدَبٌ مَتروكٌ في بَعضِ البلادِ، وأحَقُّ مَن يَقومُ بإحيائِه هم أهلُ العِلمِ وطُلَّابُه، فيَنبَغي لهم إذا دَخَلوا على الطُّلَّابِ في غُرفةِ الدَّرسِ مَثَلًا أن يُسَلِّموا، وكذلك إذا خَرَجوا؛ فليستِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الأخرى، وذلك مِن إفشاءِ السَّلامِ المَأمورِ به). ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/ 357). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا انتَهى أحَدُكُم إلى المَجلِسِ فليُسلِّمْ، فإذا أرادَ أن يَقومَ فليُسلِّمْ، فليستِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)) [129] أخرجه أبو داود (5208) واللفظ له، والترمذي (2706)، وأحمد (7142). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (494)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5208)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5208): حسن صحيح، وحسنه الترمذي. .
وفي رِوايةٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا مَرَّ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في مَجلسٍ فقال: السَّلامُ عليكُم، فقال: عَشرُ حَسَناتٍ، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فقال: عِشرونَ حَسَنةً، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فقال: ثَلاثونَ حَسَنةً، فقامَ رَجُلٌ مِنَ المَجلِسِ ولم يُسَلِّمْ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما أوشَكَ ما نَسيَ صاحِبكُم! إذا جاءَ أحَدُكُم المَجلِسَ فليُسَلِّمْ، فإن بَدا له أن يَجلِسَ فليَجلِسْ، وإذا قامَ فليُسَلِّمْ، ما الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)) [130] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (986) واللفظ له، وابن حبان (493). صَحَّحها ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (757)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1414). .
2- عن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينَما هو جالِسٌ في المَسجِدِ والنَّاسُ مَعَه إذ أقبَل نَفرٌ ثَلاثةٌ، فأقبَل اثنانِ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذَهَب واحِدٌ، فلمَّا وقَفا على مَجلِسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَلَّما، فأمَّا أحَدُهما فرَأى فُرجةً في الحَلقةِ فجَلسَ فيها، وأمَّا الآخَرُ فجَلسَ خَلفَهم، وأمَّا الثَّالِثُ فأدبَر ذاهبًا، فلمَّا فرَغَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ألا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثةِ: أمَّا أحَدُهم فأوى إلى اللهِ فآواه اللهُ، وأمَّا الآخَرُ فاستَحيا فاستَحيا اللهُ منه، وأمَّا الآخَرُ فأعرَضَ فأعرَضَ اللَّهُ عنه)) [131] أخرجه الترمذي (2724)، ومالك (2/960) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5900). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (86)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (1/315)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (2724). والحديث أخرجه البخاري (66)، ومسلم (2176) دونَ ذِكرِ السَّلامِ. .
قال عِياضٌ: (في هذا الحَديثِ أبوابٌ مِنَ الفِقهِ والعِلمِ؛ مِنها: تَسليمُ الوارِدِ على القَومِ، وأنَّه ابتدأهم بالسَّلامِ، وتَسليمُ القائِمِ على القاعِدِ، ولم يُذكَرْ فى الحَديثِ رَدُّ السَّلامِ عليهما اكتِفاءً بشُهرةِ الأمرِ) [132] ((إكمال المعلم)) (7/ 67). .
ب- مِنَ الآثارِ
عَن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ، قال: قال لي أبي: (يا بُنَيَّ، إن كُنتَ في مَجلِسٍ تَرجو خيرَه، فعَجِلَت بك حاجةٌ، فقُلْ: سَلامٌ عليكُم، فإنَّك تَشرَكُهم فيما أصابوا في ذلك المَجلِسِ، وما مِن قَومٍ يَجلِسونَ مَجلسًا فيَتَفرَّقونَ عنه لم يُذكَرِ اللَّهُ، إلَّا كأنَّما تَفرَّقوا عن جيفةِ حِمارٍ) [133] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1009). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (771). .

انظر أيضا: