موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: الاقتِصادُ في المُزاحِ


يَنبَغي أن يَقتَصِدَ المَرءُ في المَزحِ، ولا يُفرِطَ فيه، وذلك لأنَّ الإفراطَ فيه، والمداوَمة عليه تورِثُ قَسوةَ القَلبِ، وتشغَلُ عن ذِكرِ اللهِ، والفِكرِ في مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وتَؤولُ في كثيرٍ من الأوقاتِ إلى الإيذاءِ، وتورِثُ الأحقادَ، وتُسقِطُ المهابةَ والوَقارَ [1040] يُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 326). .
فوائِدُ:
1- قال سَعيدُ بنُ العاصِ لابنِه: (اقتَصِدْ في مُزاحِك؛ فإنَّ الإفراطَ فيه يُذهِبُ البَهاءَ، ويُجَرِّئُ عليك السُّفَهاءَ، وإنَّ التَّقصيرَ فيه يَفُضُّ عنك المُؤانِسينَ، ويوحِشُ مِنك المُصاحِبينَ) [1041] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 310، 311)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 346). .
(وقال بَعضُ الحُكَماءِ: مَن كَثُرَ مُزاحُه زالت هَيبَتُه. وقال بَعضُ البُلغاءِ: مَن قَلَّ عَقلُه كَثُرَ هَزلُه. وذَكَرَ خالِدُ بنُ صَفوانَ المُزاحَ فقال: يَصُكُّ أحَدُكُم صاحِبَه بأشَدَّ مِنَ الجَندَلِ [1042] الجَندَلُ: الحِجارةُ قَدْرَ ما يُرمى بالمِقذافِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (6/ 206). ، ويُنشِقُه [1043] نَشِقتُ الشَّيءَ أنشَقُه نَشقًا ونَشَقًا: إذا شَمِمتَه. والنَّشوقُ: كُلُّ ما استَنْشَقتَه، وسَعوطٌ يُجعَلُ في المِنخَرينِ، وقد أنشَقْتُه إيَّاه ونَشِقَه. يُنظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/ 876)، ((المخصص)) لابن سيده (1/ 492). أحرَفَ مِنَ الخَردَلِ [1044] الخَرْدَلُ: نباتٌ عُشبيٌّ حِرِّيفٌ مِنَ الفَصيلةِ الصَّليبيَّةِ، يَنبُتُ في الحقولِ وعلى حواشي الطُّرُقِ، بُذورُه لاذعةٌ تُستعمَلُ في الطِّبِّ، ويُتبَّلُ بها الطَّعامُ، وبحَبِّه يُضرَبُ المثَلُ في الصِّغَرِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (7/ 274)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 225)، ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) لأحمد مختار عمر وفريقه (1/ 629). ، ويُفرِغُ عليه أحَرَّ مِنَ المِرجَلِ [1045] المِرجَلُ: القِدْرُ. وقيل: هي من نُحاسٍ. يُنظر: ((العين)) للخليل (6/ 208)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 121). ، ثُمَّ يَقولُ: إنَّما كُنتُ أُمازِحُك!) [1046] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 310، 311). .
2- قال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ أن يَستَميلَ قُلوبَ النَّاسِ إليه بالمُزاحِ وتَركِ التَّعَبُّسِ.
والمُزاحُ على ضَربَينِ، فمُزاحٌ مَحمودٌ، ومُزاحٌ مَذمومٌ؛ فأمَّا المُزاحُ المَحمودُ فهو الذي لا يَشوبُه ما كَرِهَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، ولا يَكونُ بإثمٍ ولا قَطيعةِ رَحِمٍ، وأمَّا المُزاحُ المَذمومُ فالذي يُثيرُ العَداوةَ، ويُذهِبُ البَهاءَ، ويَقطَعُ الصَّداقةَ، ويُجَرِّئُ الدَّنيءَ عليه، ويَحقِدُ الشَّريفُ به.
والمُزاحُ في غَيرِ طاعةِ اللهِ مَسلَبةٌ للبَهاءِ، مَقطَعةٌ للصَّداقةِ، يورِثُ الضِّغنَ، ويُنبِتُ الغِلَّ، وكَم مِنِ افتِراقٍ بَينَ أخَوينِ وهجرانٍ بَينَ مُتَآلِفَينِ كان أوَّلَ ذلك المُزاحُ!
والمُزاحُ إذا كان فيه إثمٌ فهو يُسَوِّدُ الوَجهُ، ويُدمي القَلبَ، ويورِثُ البَغضاءَ، ويُحيي الضَّغينةَ، وإذا كان مِن غَيرِ مَعصيةٍ يُسَلِّي الهَمَّ، ويُوقِعُ الخُلَّةَ، ويُحيي النُّفوسَ، ويُذهبُ الحِشمةَ.
فالواجِبُ على العاقِلِ أن يَستَعمِلَ مِنَ المُزاحِ ما يُنسَبُ بفِعلِه إلى الحَلاوةِ، ولا يَنويَ به أذى أحَدٍ ولا سُرورَ أحَدٍ بمَساءةِ أحَدٍ.
ومَن مازَحَ رَجُلًا مِن غَيرِ جِنسِه هانَ عليه واجتَرَأ عليه، وإن كان المُزاحُ حَقًّا؛ لأنَّ كُلَّ شَيءٍ لا يَجِبُ أن يُسلَكَ به غَيرُ مَسلكِه، ولا يَظهَرَ إلَّا عِندَ أهلِه.
على أنِّي أكرَهُ استِعمالَ المُزاحِ بحَضرةِ العامِّ كما أكرَهُ تَركَه عِندَ حُضورِ الأشكالِ) [1047] يُنظر: ((روضة العقلاء)) (ص: 77-81). .

انظر أيضا: