موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: تَوقيرُ المُعَلِّمِ والشَّيخِ


مِنَ الأدَبِ مَعَ المُعَلِّمِ أوِ الشَّيخِ: تَوقيرُه وتَعظيمُه، والنَّظَرُ إليه بعَينِ الإجلالِ والاحتِرامِ [972] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/ 36)، ((التبيان في آداب حملة القرآن)) للنووي (ص: 47). قال الزَّرْنوجيُّ: (اعلَمْ أنَّ طالبَ العِلمِ لا يَنالُ العِلمَ ولا يَنتَفِعُ به إلَّا بتَعظيمِ العِلمِ وأهلِه، وتَعظيمِ الأُستاذِ وتَوقيرِه. قيلَ: ما وصَلَ مَن وصَلَ إلَّا بالحُرمةِ، وما سَقَطَ مَن سَقَطَ إلَّا بتَركِ الحُرمةِ... ومِن تَعظيمِ العِلمِ تَعظيمُ الأُستاذِ، قال عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه: "أنا عَبدُ مَن عَلَّمَني حَرفًا، إن شاءَ باعَ، وإن شاءَ استَرَقَّ"... ومِن تَوقيرِ المُعَلِّمِ ألَّا يَمشيَ أمامَه، ولا يَجلسَ مَكانَه، ولا يَبتَدِئَ بالكَلامِ عِندَه إلَّا بإذنِه، ولا يُكثِرَ الكَلامَ عِندَه، ولا يَسألَ شَيئًا عِندَ مَلالَتِه، ويُراعيَ الوقتَ، ولا يَدُقَّ البابَ بَل يَصبرُ حَتَّى يَخرُجَ الأُستاذُ... فالحاصِلُ أنَّه يَطلُبُ رِضاه، ويَجتَنِبُ سَخَطَه، ويَمتَثِلُ أمرَه في غَيرِ مَعصيةٍ للَّهِ تعالى؛ فإنَّه لا طاعةَ للمَخلوقِ في مَعصيةِ الخالقِ. ومِن تَوقيرِه: تَوقيرُ أولادِه ومَن يَتَعَلَّقُ به... فمَن تَأذَّى مِنه أُستاذُه يُحرَمُ بَرَكةَ العِلمِ، ولا يَنتَفِعُ بالعِلمِ إلَّا قَليلًا). ((تعليم المتعلم طريق التعلم)) (ص: 78-81). .
مِن أقوالِ السَّلفِ في توقيرِ المعلِّمِ:
1- عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: (مِن حَقِّ العالِمِ ألَّا تُكثِرَ عليه بالسُّؤالِ، ولا تُعنِتَه بالجَوابِ، وألَّا تُلِحَّ عليه إذا كَسِلَ، ولا تَأخُذَ بثَوبِه إذا نَهَضَ، ولا تُفشِينَّ له سِرًّا، ولا تَغتابَنَّ عِندَه أحَدًا، ولا تَطلُبَنَّ عَثرتَه، وإن زَلَّ قَبِلتَ مَعذِرَتَه، وعليك أن توقِّرَه وتُعَظِّمَه للَّهِ ما دامَ يَحفظُ أمرَ اللهِ، ولا تَجلِسَنَّ أمامَه، وإن كانت له حاجةٌ سَبَقتَ القَومَ إلى خِدمَتِه) [973] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 519). .
2- عَنِ ابنِ طاوُسٍ، عن أبيه، قال: (مِنَ السُّنَّةِ أن يُوَقَّرَ أربَعةٌ: العالِمُ، وذو الشَّيبةِ، والسُّلطانُ، والوالِدُ) [974] ((الجامع)) لمعمر بن راشد (11/ 137). .
3- عَنِ الشَّعبيِّ، قال: (رَكِب زَيدُ بنُ ثابتٍ فدَنا عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ ليَأخُذَ برِكابِه، فقال: لا تَفعَلْ يا ابنَ عَمِّ رَسولِ اللهِ! فقال: هكذا أُمِرْنا أن نَفعَلَ بعُلَمائِنا. فقال زَيدٌ: أرِني يَدَك، فأخرَجَ يَدَه فقَبَّلَها زَيدٌ! ثُمَّ قال: هكذا أُمِرْنا أن نَفعَلَ بأهلِ بَيتِ نَبيِّنا عليه السَّلامُ) [975] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 380). ويُنظر: ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (2/ 310)، ((المستدرك)) للحاكم (5785)، ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 514)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (19/ 325، 326). .
4- عَنِ الزُّهريِّ، قال: (كُنتُ آتي بابَ عُروةَ، فأجلِسُ بالبابِ، ولَو شِئتُ أن أدخُلَ لَدَخَلتُ، ولَكِنْ إجلالًا له) [976] ((سنن الدارمي)) (1/ 467). .
5- عن أبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ، قال: (ما استَأذَنتُ قَطُّ على مُحدِّثٍ، كُنتُ أنتَظِرُه حَتَّى يَخرُجَ إليَّ، وتَأوَّلتُ قَولَه تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [الحجرات: 5] ) [977] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 158). وهو في ((سؤالات السلمي للدارقطني)) (ص: 268، 269) بلَفظِ: (أدرَكتُ مِنَ العِلمِ ما أدرَكتُ، وما استَأذَنتُ على أحَدٍ مِنَ الشُّيوخِ قَطُّ، إنَّما كُنتُ أصبرُ أن يَخرُجَ؛ أتَأوَّلُ فيه قَولَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [الحجرات: 5] ). .
فائِدةٌ:
كان بعضُ المتقَدِّمين إذا ذهب إلى مُعَلِّمِه تصَدَّق بشَيءٍ، وقال: (اللَّهُمَّ استُرْ عَيبَ مُعَلِّمي عني، ولا تُذهِبْ بَرَكةَ عِلمِه منِّي) [978] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/ 36)، ((التبيان)) للنووي (ص: 47). .

انظر أيضا: