موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: الثَّناءُ على المُحتَضَرِ بمَحاسِنِ أعمالِه


ينبغي الثَّناءُ على المَريضِ بمَحاسِنِ أعمالِه ونَحوِها إذا رُؤي مِنه خَوفٌ؛ ليَذهَبَ خَوفُه، ويَحسُنَ ظَنُّه برَبِّه سُبحانَه وتعالى [1494] يُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 139). قال ابنُ علان: (قال الأشرَفُ: الخَوفُ والرَّجاءُ كالجَناحَينِ للسَّائِرينَ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى، لكِن في الصِّحَّةِ يَنبَغي أن يَغلبَ الخَوفُ ليَجتَهِدَ في الأعمالِ الصَّالحةِ، وإذا جاءَ المَوتُ وانقَطَعَ العَمَلُ يَنبَغي الرَّجاءُ وحُسنُ الظَّنِّ باللهِ تعالى، ولأنَّ الوِفادةَ حينَئِذٍ إلى مَلِكٍ كَريمٍ رؤوفٍ رَحيمٍ، وما أحسَنَ قَولَ مَن قال: إذا أمسى فِراشي مِن تُرابٍ وصِرتُ مُجاوِرَ الرَّبِّ الكَريمِ فهَنُّوني أحِبَّائي وقولوا لك البُشرى قَدِمتَ على كَريمِ قال العُلَماءُ: ويُسَنُّ لجُلساءِ المَريضِ والمُحتَضَرِ أن يُحَدِّثوه بأحاديثِ الرَّجاءِ؛ ليَموتَ وهو حَسَنُ الظَّنِّ باللهِ سُبحانَه). ((الفتوحات الربانية)) (4/ 84). ويُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/ 1159). .
الدَّليلُ على ذلك من الآثارِ:
1- عنِ المُسوَرِ بنِ مَخرَمةَ، قال: (لمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَل يَألمُ، فقال له ابنُ عبَّاسٍ وكَأنَّه يُجَزِّعُه [1495] وكَأنَّه يُجَزِّعُه، أي: يُزيلُ جَزَعَه ويُذهِبُه بما يُسَلِّيه، كقَولِه تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ: 23] أي: أُزيلَ عن قُلوبهمُ الفزَعُ والرَّوعُ، وكَما يُقالُ: مَرَّضَه: إذا عانى إزالةَ مَرَضِه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 120، 121)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 623). : يا أميرَ المُؤمِنينَ، ولَئِن كان ذاك، لقد صَحِبتَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأحسَنتَ صُحبتَه، ثُمَّ فارَقتَه وهو عنك راضٍ، ثُمَّ صَحِبتَ أبا بَكرٍ فأحسَنتَ صُحبتَه، ثُمَّ فارَقتَه وهو عنك راضٍ، ثُمَّ صَحِبتَ صُحبَتَهم فأحسَنتَ صُحبَتَهم، ولَئِن فارَقْتَهم لَتُفارقَنَّهم وهم عنك راضونَ، قال: أمَّا ما ذَكَرتَ مِن صُحبةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِضاه، فإنَّما ذاكَ مِن مَنِّ اللهِ تعالى مَنَّ به علَيَّ، وأمَّا ما ذَكَرتَ مِن صُحبةِ أبي بَكرٍ ورِضاه، فإنَّما ذاكَ مِن مَنِّ اللهِ جَلَّ ذِكرُه مَنَّ به علَيَّ، وأمَّا ما تَرى مِن جَزَعي فهو مِن أجلِك وأجلِ أصحابِك، واللهِ لو أنَّ لي طِلاعَ الأرضِ [1496] طِلاعُ الأرضِ: أي: مِلْأها، وأصلُ الطِّلاعِ ما طَلعَت عليه الشَّمسُ، والمُرادُ هنا: ما يَطلُعُ عليها ويُشرِفُ فوقَها مِنَ المالِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 52). ذَهَبًا لافتَدَيتُ به مِن عَذابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ قَبلَ أن أراه). [1497] أخرجه البخاري (3692).
2- عن ابنِ أبي مليكةَ، قال: (استَأذَنَ ابنُ عبَّاسٍ قَبلَ مَوتِها على عائِشةَ وهيَ مَغلوبةٌ [1498] وهيَ مَغلوبةٌ، أي: قد غَلبَها المَرَضُ فأضعَفها عنِ التَّصَرُّفِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 387). ، قالت: أخشى أن يُثنيَ عَلَيَّ [1499] قال ابنُ هُبَيرةَ: (في الحَديثِ جَوازُ التَّبشيرِ للمَريضِ لتَقوى نَفسُه؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ بشَّر عائِشةَ. وفيه كَراهيةُ الإنسانِ الثَّناءَ عليه؛ لأنَّ عائِشةَ قالت: أكرَه أن يُثنيَ علَيَّ). ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (3/ 108). ، فقيل: ابنُ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومِن وُجوهِ المُسلِمينَ، قالت: ائذَنوا له، فقال: كَيف تَجِدينَك؟ قالت: بخَيرٍ إنِ اتَّقَيتُ، قال: فأنتِ بخَيرٍ إن شاءَ اللهُ: زَوجةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَنكِحْ بِكرًا غَيرَك، ونَزَل عُذرُك مِنَ السَّماءِ. ودَخَل ابنُ الزُّبَيرِ خِلافَه، فقالت: دَخَل ابنُ عبَّاسٍ فأثنى علَيَّ، وودِدتُ أنِّي كُنتُ نَسيًا مَنسيًّا) [1500] أخرجه البخاري (4753). .
وفي رِوايةٍ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ (أنَّ عائِشةَ اشتَكَت، فجاءَ ابنُ عبَّاسٍ فقال: يا أُمَّ المُؤمِنينَ تَقدَمينَ على فَرَطِ صِدقٍ [1501] الفَرَطُ: المُتَقدِّمُ على القَومِ في المَسيرِ، وفي طَلَبِ الماءِ، فجَعَل ابنُ عبَّاسٍ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبا بَكرٍ مُتَقدِّمَينِ عليها في المَقصَدِ، وأضافهما إلى «صِدق» وصفًا لهما ومَدحًا، كَما قال اللهُ تعالى: قَدَمَ صِدقٍ [يونس: 2] . يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 142). ؛ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى أبي بَكرٍ) [1502] أخرجه البخاري (3771). .
3- عن ابنِ شَماسةَ المهريِّ، قال: (حَضَرنا عَمرَو بنَ العاصِ، وهو في سياقةِ المَوتِ [1503] في سياقةِ المَوتِ: أي: حالَ حُضورِ المَوتِ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (2/ 137). يَبكي طَويلًا، وحَوَّل وجهَه إلى الجِدارِ، فجَعَل ابنُه يَقولُ: يا أبَتاه، أمَا بشَّرَك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَذا؟ أما بَشَّرَك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَذا؟ قال: فأقبَل بوَجهِه، فقال: إنَّ أفضَلَ ما نُعِدُّ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ...) الحديث [1504] أخرجه مسلم (121). .

انظر أيضا: