موسوعة الآداب الشرعية

مَسائلُ


نَعْيُ [1625] النَّعْيُ: هو إذاعةُ موتِ الميِّتِ، والإخبارُ به، ونَدْبُه. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/447)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/85). الميِّتِ
يجوزُ الإعلامُ بموتِ الميِّتِ إذا كان مِن غيرِ نداءٍ، وذلك لأجلِ الصَّلاةِ عليه، ويُكرَهُ إذا كان بنداءٍ أو اشتَمَل على ذِكرِ مآثِرِه والتَّنويهِ بذِكرِه [1626] وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. وقيَّدَ الحَنَفيَّةُ الكراهةَ بما إذا كان مع تنويهٍ بذِكْرِه وتفخيمٍ له؛ قال ابنُ عابِدين: (وكَرِه بعضُهم أن ينادى عليه في الأزِقَّةِ والأسواقِ؛ لأنَّه يُشبِهُ نَعيَ الجاهليَّةِ، والأصحُّ أنَّه لا يُكرَهُ إذا لم يكُنْ معه تنويهٌ بذِكرِه وتفخيمٌ). ((حاشية ابن عابدين)) (2/239). ويُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 240)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهُمام (2/127). وقيَّد المالكيَّةُ الكراهةَ بالنِّداءِ في المساجدِ وأبوابِها، أمَّا ما كان إعلامًا بموتِ الميِّتِ من غيرِ نداءٍ فذلك جائزٌ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (2/241)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/139)، ((الشرح الصغير)) للدردير (1/570). وقيَّدها الشَّافعيَّةُ بما إذا كان نداءً بذِكْرِ مَفاخِرِ ومآثِرِ الميِّتِ. قال الشِّربينيُّ: («بخلافِ نَعْيِ الجاهليَّةِ» وهو بسُكونِ العَينِ، وبكسْرِها مع تشديدِ الياءِ: مَصدرُ نعاه، ومعناه -كما في المجموعِ-: النِّداءُ بذِكْرِ مفاخِرِ المَيِّتِ ومآثِرِه؛ فإنَّه يُكرَهُ للنَّهيِ عنه، كما صحَّحه التِّرمذيُّ، والمرادُ نَعيُ الجاهليَّةِ لا مجرَّدُ الإعلامِ بالموتِ، فإن قُصِدَ الإعلامُ بموتِه لِمَن لم يَعْلَمْ لم يُكْرَهْ، وإن قُصِد به الإخبارُ لكثرةِ المصلِّينَ عليه فهو مُستحَبٌّ). ((مغني المحتاج)) (1/357). وقال النَّوويُّ: (ويُكرَهُ نَعيُه بنَعيِ الجاهليَّةِ، ولا بأسَ بالإعلامِ بموتِه للصَّلاةِ عليه وغيرِها). ((روضة الطالبين)) (2/98). وقال الحنابلةُ: لا بأسَ أن يُعْلِمَ به أقاربَه وإخوانَه من غيرِ نداءٍ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/85). ويُنظر أيضًا: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/329)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/343). قال الزَّيلَعيُّ: (كانوا يَبعَثونَ إلى القبائِلِ يَنعَونَ مع ضجيجٍ وبكاءٍ وعويلٍ وتعديدٍ، وهو مكروهٌ بالإجماعِ). ((تبيين الحقائق)) (1/240). ولا بأسَ بالنَّعيِ في الصُّحُفِ والجرائدِ ونحوِهما قبلَ أن يُصَلَّى على الميِّتِ، إذا كان من أجلِ الصَّلاةِ عليه، كما نعى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّجاشيَّ حينَ مَوْتِه، وأمَرَ الصَّحابةَ أن يخرُجوا للمُصَلَّى، فصلَّى بهم. وأمَّا بعدَ موتِه والصَّلاةِ عليه فلا حاجةَ إلى ذلك، خاصَّةً وأنَّ مِن أهلِ العِلْمِ مَن عَدَّه في هذه الحالةِ مِنَ النَّعيِ المنهيِّ عنه. يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/344). .
ما يَنفعُ المَيِّتَ بَعدَ مَوتِه
يَنتَفِعُ المَيِّتُ بصَلاةِ الجِنازةِ عليه، وأداءِ الواجِبِ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ، والدُّعاءِ والاستِغفارِ له، والعِباداتِ الماليَّةِ، كالعِتقِ والصَّدَقةِ عنه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رَجُلًا قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أُمِّي افتُلِتَت نَفسُها [1627] افتُلِتَت نَفسُها: أي ماتَت فجأةً، وأخِذَت نَفسُها فَلتةً. يُقالُ: افتَلتَه: إذا استَلبَه. وافتُلِتَ فلانٌ بكَذا: إذا فوجِئَ به قَبلَ أن يَستَعِدَّ له. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/467). ، وأظُنُّها لو تَكَلَّمَت تَصَدَّقَت، فهَل لها أجرٌ إن تَصَدَّقتُ عنها؟ قال: نَعَم)) [1628] أخرجه البخاري (1388) واللفظ له، ومسلم (1004). .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَجُلًا قال لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أُمَّه توُفِّيَت: أينفَعُها إن تَصَدَّقتُ عنها؟ قال: نَعَم. قال: فإنَّ لي مِخرافًا [1629] هو حائِطُ النَّخلِ، وكذلك البُستانُ تَكونُ فيه الفاكِهةُ تُختَرَفُ، أي: تُجتَنى. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 425). ، وأُشهِدُك أنِّي قد تَصَدَّقتُ عنها)) [1630] أخرجه البخاري (2770). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ((نَعى لنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّجاشيَّ صاحِبَ الحَبَشةِ في اليَومِ الذي ماتَ فيه، فقال: استَغفِروا لأخيكُم)). [1631] أخرجه البخاري (1327)، ومسلم (951) واللفظ له.
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عنه عَمَلُه إلَّا مِن ثَلاثةٍ: إلَّا مِن صَدَقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ به، أو وَلَدٍ صالحٍ يَدعو له)). [1632] أخرجه مسلم (1631).
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك ابنُ قُدامةَ [1633] قال ابنُ قُدامةَ: (أيُّ قُربةٍ فعَلَها، وجَعَل ثَوابَها للمَيِّتِ المُسلمِ نَفَعَه ذلك إن شاءَ اللهُ، أمَّا الدُّعاءُ والاستِغفارُ والصَّدَقةُ وأداءُ الواجِباتِ، فلا أعلمُ فيه خِلافًا إذا كانتِ الواجِباتُ مِمَّا تَدخُلُه النِّيابةُ). ((المغني)) (2/423). ، والنَّوَويُّ [1634] قال النَّوويُّ: (أجمَع المُسلمونَ على أنَّ الصَّدَقةَ عنِ المَيِّتِ تَنفَعُه وتَصِلُه). ((المجموع)) (5/323). وقال: (فإنَّ الصَّدَقةَ تَصِلُ إلى المَيِّتِ ويَنتَفِعُ بها بلا خِلافٍ بَينَ المُسلمينَ، وهذا هو الصَّوابُ). ((شرح مسلم)) (1/89). وقال أيضًا: (وفيه: أنَّ الدُّعاءَ يَصِلُ ثَوابُه إلى المَيِّتِ، وكذلك الصَّدَقةُ، وهما مُجمَعٌ عليهما). ((شرح مسلم)) (11/85). ، وابنُ تيميَّةَ [1635] قال ابنُ تَيميَّةَ: (لا نِزاعَ بَينَ عُلماءِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في وُصولِ ثَوابِ العِباداتِ الماليَّةِ، كالصَّدَقةِ والعِتقِ، كَما يَصِلُ إليه أيضًا الدُّعاءُ والاستِغفارُ، والصَّلاةُ عليه صَلاةَ الجِنازةِ، والدُّعاءُ عِندَ قَبرِه). ((مجموع الفتاوى)) (24/366). وقال: (واتَّفقَتِ الأُمَّةُ على أنَّ الصَّدَقةَ تَنفعُ المَيِّتَ). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/248، 249). وقال أيضًا: (أمَّا الصَّدَقةُ عنِ المَيِّتِ فإنَّه يَنتَفِعُ بها باتِّفاقِ المُسلمينَ... وكذلك يَنفعُه الحَجُّ عنه، والأُضحيَّةُ عنه، والعِتقُ عنه، والدُّعاءُ والاستِغفارُ له، بلا نِزاعٍ بَينَ الأئِمَّةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (3/32، 33). ، وابنُ القَيِّمِ [1636] قال ابنُ القَيِّمِ: (هَل تَنتَفِعُ أرواحُ المَوتى بشَيءٍ مِن سَعيِ الأحياءِ أم لا؟... فالجَوابُ: أنَّها تَنتَفِعُ مِن سَعيِ الأحياءِ بأمرَينِ مُجمَعٍ عليهما بَينَ أهلِ السُّنَّةِ مِنَ الفُقَهاءِ وأهلِ الحَديثِ والتَّفسيرِ؛ أحَدُهما: ما تَسَبَّبَ إليه المَيِّتُ في حَياتِه. والثَّاني: دُعاءُ المُسلمينَ له، واستِغفارُهم له، والصَّدَقةُ). ((الروح)) لابن القيم (ص: 117). ، وابنُ مُفلِحٍ [1637] قال ابنُ مُفلحٍ: (كُلُّ قُربةٍ فَعَلها المُسلِمُ وجَعَل ثَوابَها للمُسلمِ، نَفعَه ذلك، وحَصَل له الثَّوابُ، كالدُّعاءِ [إجماعًا]، والاستِغفارِ [إجماعًا]، وواجِبٍ تَدخُلُه النِّيابةُ [إجماعًا]، وصَدَقةِ التَّطَوُّعِ [إجماعًا]، وكَذا العِتقُ، ذَكَره القاضي وأصحابُه أصلًا، وذَكَره أبو المَعالي وشَيخُنا [إجماعًا]، وصاحِبُ "المُحَرَّرِ"). ((الفروع)) (3/423). ، والمرداويُّ [1638] قال المرداويُّ: (الدُّعاءُ والاستِغفارُ، والواجِبُ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ، وصَدَقةُ التَّطَوُّعِ، والعِتقُ، وحَجُّ التَّطَوُّعِ، فإذا فعَلها المُسلمُ وجَعَل ثَوابَها للمَيِّتِ المُسلمِ نَفعَه ذلك إجماعًا). ((الإنصاف)) (2/393). وقَصَرَ الشَّوكانيُّ انتِفاعَ المَيِّتِ بالصَّدَقةِ والعِتقِ عنه على صُدورِها مِنَ الوَلَدِ لأبيه أو أُمِّه، كَما في ((نيل الأوطار)) (4/113)، وهذا خِلافُ الإجماعِ. .
أما التعليل: فلأنَّ دُعاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأمواتِ فِعلًا وتَعليمًا، ودُعاءَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ والمُسلمينَ عَصرًا بَعد عَصرٍ أكثَرُ مِن أن يُذكَرَ، وأشهَرُ مِن أن يُنكَرَ [1639] ((الروح)) لابن القيم (ص: 119). .
حُكمِ إهداءِ ثَوابِ القُرُباتِ للمَيِّتِ:
اختَلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ إهداءِ ثَوابِ القُرُباتِ للمَيِّتِ، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَجوزُ إهداءُ ثَوابِ القُرُباتِ إلى المَيِّتِ، كَقِراءةِ القُرآنِ [1640] وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ، والحَنابلةِ، وقَولُ بَعضِ الشَّافِعيَّةِ، واختارَه ابنُ تيميَّةَ، والصَّنعانيُّ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)) للزيلعي (2/83)، ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)) للزيلعي (2/83)، ((شرح النووي على مسلم)) (1/90)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/366)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/118)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/308). .
القَولُ الثَّاني: لا يُشرَعُ إهداءُ ثَوابِ القُرُباتِ إلى المَيِّتِ [1641] وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ، والمَشهورُ مِن مَذهَبِ الشَّافِعيَّةِ، وهو قَولُ ابنِ بازٍ. يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (2/201)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/69)، (مجموع فتاوى ابن باز)) (9/321). ويُنظر بَيانُ ذلك معَ أدِلَّتِه في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia .

انظر أيضا: