موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: مُراعاةُ مَقاماتِ المُخاطَبينَ


يَنبَغي مُراعاةُ مَقامِ المُخاطَبِ؛ فخِطابُ الكَبيرِ وذي الشَّأنِ يَختَلفُ عن خِطابِ غَيرِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رِجالًا مِنَ الأنصارِ استَأذَنوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: ائذَنْ لنا فلنَترُكْ لابنِ أُختِنا عبَّاسٍ فِداءَه، فقال: لا تَدَعونَ مِنه دِرهَمًا)) [1683] أخرجه البخاري (2537). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (الإشارةُ إلى العَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ؛ فإنَّه خَرَجَ يَومَ بَدرٍ مَعَ المُشرِكينَ مُكرَهًا، فأسَرَه أبو اليَسَرِ كَعبُ بنُ عَمرٍو، فقالتِ الأنصارُ هذا، وأرادوا بذلك أمرَينِ؛ أحَدُهما: إكرامُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. والثَّاني: لقَرابةِ العَبَّاسِ مِنهم؛ فإنَّ هاشِمًا كان قد تزَوَّج امرَأةً مِن بَني النَّجَّارِ فوَلَدَت له عَبدَ المُطَّلِبِ؛ فلذلك قالوا: ابنُ أُختِنا.
وإنَّما قالوا: ابنُ أُختِنا؛ لتَكونَ المِنَّةُ عليهم في إطلاقِه، ولو قالوا: عَمَّك، لكان مِنَّةً عليه.
وهذا مِن قوَّةِ الذَّكاءِ، وحُسنِ الأدَبِ في الخِطابِ) [1684] ((كشف المشكل)) (3/ 277). .
2- عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ رَجُلًا مَذَّاءً [1685] المِذَّاءُ: الكَثيرُ المَذيِ، والمَذيُ: ماءٌ رَقيقٌ يَظهَرُ عِندَ اللَّمسِ والسِّرِّ والفِكرِ، يُقالُ: مَذَيتُ وأمذَيتُ. ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 181). ، وكُنتُ أستَحيي أن أسألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَكانِ ابنَتِه، فأمَرَتِ المِقدادَ بنَ الأسوَدِ فسَأله، فقال: يَغسِلُ ذَكَرَه ويَتَوضَّأُ)) [1686] أخرجه البخاري (178)، ومسلم (303) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (إنَّما استَحيا عَليٌّ أن يَسأَلَ رَسولَ اللهِ لمَكانِ ابنَتِه، وهذا الحَياءُ مَحمودٌ؛ لأنَّه لا يَمتَنِعُ به مِن تَعلُّمِ ما جَهِل، وبَعثَ مَن يَقومُ مَقامَه في ذلك؛ ففيه: الحَياءُ مِنَ الأصهارِ في ذِكرِ أُمورِ الجِماعِ وشِبهِه) [1687] ((شرح صحيح البخاري)) (1/ 212). .

انظر أيضا: