موسوعة الآداب الشرعية

تاسعًا: الإشهادُ في البَيعِ


يُستَحَبُّ الإشهادُ في البَيعِ [1850] قال ابنُ قُدامةَ: (ويَختَصُّ ذلك بما له خَطَرٌ، فأمَّا الأشياءُ القَليلةُ الخَطَرِ، كَحَوائِجِ البَقَّالِ والعَطَّارِ وشِبهِهما، فلا يُستَحَبُّ ذلك فيها؛ لأنَّ العُقودَ فيها تَكثُّرٌ، فيَشُقُّ الإشهادُ عليها، وتَقبُحُ إقامةُ البَيِّنةِ عليها، والتَّرافُعُ إلى الحاكِمِ مِن أجلِها، بخِلافِ الكَثيرِ). ((المغني)) (4/ 205). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أمرٌ، وأقَلُّ أحوالِ الأمرِ الاستِحبابُ، ودَلَّ على الاستِحبابِ قَولُه تعالى بَعدَ ذلك: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة: 283] ، فصارَ الأمرُ إلى الأمانةِ؛ فدَلَّ على أنَّ الأمرَ بالشَّهادةِ في البَيعِ المُرادُ به الإرشادُ إلى حِفظِ الأموالِ والتَّعليمِ، كما أمرَ بالرَّهنِ والكاتِبِ، وليسَ بواجِبٍ [1851] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/4)، ((المغني)) لابن قدامة (4/205، 206). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اشتَرى مِن يَهوديٍّ طَعامًا إلى أجَلٍ ورَهَنَه دِرعَه)) [1852] أخرجه البخاري (2509) واللَّفظُ له، ومسلم (1603). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديث:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد حُفِظَ عنه البَيعُ في هذه المَواضِعِ مِن غَيرِ إشهادٍ [1853] ((المغني)) لابن قدامة (4/ 205). ؛ فدَلَّ على عَدَمِ وُجوبِه.
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- أنَّ الصَّحابةَ كانوا يَتَبايَعونَ في عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأسواقِ، فلم يَأمُرْهم بالإشهادِ، ولا نُقِل عنهم فِعلُه، ولم يُنكِرْ عليهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو كانوا يُشهِدونَ في كُلِّ بياعاتِهم لما أخلَّ بنَقلِه [1854] ((المغني)) لابن قدامة (4/ 205). .
2- لأنَّ الإشهادَ أقطَعُ للنِّزاعِ، وأبعَدُ مِنَ التَّجاحُدِ؛ فكان أَولى [1855] ((المغني)) لابن قدامة (4/ 206). .
3- لأنَّ المُبايَعةَ تَكثُرُ بَينَ النَّاسِ في أسواقِهم وغَيرِها، فلو وجَبَ الإشهادُ في كُلِّ ما يتبايعونَه أفضى إلى الحَرَجِ المَحطوطِ عنَّا بقَولِه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] [1856] ((المغني)) لابن قدامة (4/ 206). .

انظر أيضا: