موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: السَّماحةُ والسُّهولةُ في الاقتِضاءِ


يَنبَغي أن يكونَ المُقرِضُ سَمحًا عندَ مطالبةِ المقترضِ بقضاءِ حقِّه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمحًا إذا باعَ، وإذا اشتَرى، وإذا اقتَضى)) [1928] أخرجه البخاري (2076). .
وفي رِوايةٍ: ((غَفرَ اللهُ لرَجُلٍ كان قَبلَكُم؛ كان سَهلًا إذا باعَ، سَهلًا إذا اشتَرى، سَهلًا إذا اقتَضى)) [1929] أخرجها الترمذي (1320)، وأحمد (14658). صحَّحها ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/293)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1320)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (14658). .
قال البَيضاويُّ: (السَّمحُ: السَّهلُ، رَتَّبَ الدُّعاءَ عليه ليَدُلَّ على أنَّ السُّهولةَ والتَّسامُحَ في المُعامَلةِ سَبَبٌ لاستِحقاقِ الدُّعاءِ، ولكَونِه أهلًا للرَّحمةِ، والاقتِضاءُ: التَّقاضي، وهو طَلَبُ قَضاءِ الحَقِّ) [1930] ((تحفة الأبرار)) (2/ 219، 220). .
وقال ابنُ بَطَّالٍ: (فيه الحضُّ على السَّماحةِ، وحُسنِ المعاملةِ، واستعمالِ معالي الأخلاقِ ومَكارِمِها، وتَركِ المشاحَّةِ في البيعِ، وذلك سبَبٌ إلى وُجودِ البركةِ فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ لا يحُضُّ أمَّتَه إلَّا على ما فيه النَّفعُ لهم في الدُّنيا والآخِرةِ، فأمَّا فَضلُ ذلك في الآخِرةِ فقد دَعا عليه السَّلامُ بالرَّحمةِ لمَن فَعَل ذلك، فمَن أحَبَّ أن تَنالَه بركةُ دَعوةِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ فليَقتَدِ بهذا الحَديثِ ويَعمَلْ به.
وفي قَولِه عليه السَّلامُ: «إذا اقتَضى» حَضٌّ على تَركِ التَّضييقِ على النَّاسِ عِندَ طَلَبِ الحُقوقِ، وأخذِ العَفوِ مِنهم. وقد رَوى يَحيى بنُ أيُّوبَ عن عُبَيدِ اللهِ بنِ أبى جَعفَرٍ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ وعائِشةَ أنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ قال: ((مَن طَلبَ حَقًّا فليَطلُبْه في عَفافٍ وافٍ أو غَيرِ وافٍ)) [1931] أخرجه ابنُ ماجه (2421)، وابن حبان (5080) واللفظ لهما، والحاكم (2238). صحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط البخاري، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2421). .
قال ابنُ المُنذِرِ: وفي هذا الحَديثِ الأمرُ بحُسنِ المُطالَبةِ، وإن قُبِضَ هذا الطَّالِبُ دونَ حَقِّه) [1932] ((شرح صحيح البخاري)) (6/ 210، 211). .
2- عن عَطاءِ بنِ فَرُّوخَ مَولى القُرَشيِّينَ: أنَّ عُثمانَ اشتَرى مِن رَجُلٍ أرضًا، فأبطَأ عليه، فلقيَه فقال له: ما مَنعَك مِن قَبضِ مالِك؟ قال: إنَّك غَبَنْتَني، فما ألقى مِنَ النَّاسِ أحَدًا إلَّا وهو يَلومُني! قال: أوَذلك يَمنَعُك؟ قال: نَعَم. قال: فاختَرْ بَينَ أرضِك ومالِك، ثُمَّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أدخَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الجَنَّةَ رَجُلًا كان سَهلًا مُشتَريًا وبائِعًا، وقاضيًا ومُقتَضيًا)) [1933] أخرجه النسائي (4696)، وابن ماجه (2202)، وأحمد (410) واللفظ له. حسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (189)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2202)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (410). .
3- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اسمَحْ يُسمَحْ لك)) [1934] أخرجه عبد الله بن أحمد وِجادةً عن أبيه في ((المسند)) (2233)، والحارث كما في ((بغية الباحث)) للهيثمي (1081)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5112). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (982)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2233). .

انظر أيضا: