موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: العِلمُ والبَصيرةُ


ينبغي أن يكونَ الدَّاعي على بصيرةٍ وعِلمٍ وبَيِّنةٍ [2188] قال ابنُ بازٍ: (أمَّا أخلاقُ الدُّعاةِ وصِفاتُهمُ التي يَنبَغي أن يَكونوا عليها فقد أوضَحَها اللَّهُ جَلَّ وعَلا في آياتٍ كَثيرةٍ، في أماكِنَ مُتَعَدِّدةٍ مِن كِتابِه الكَريمِ؛ مِنها:  أوَّلًا: الإخلاصُ... ثانيًا: أن تَكونَ على بَيِّنةٍ في دَعوتِك، أي: على عِلمٍ، لا تَكُنْ جاهلًا بما تَدعو إليه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرةٍ [يوسف: 108] . فلا بُدَّ مِنَ العِلمِ؛ فالعِلمُ فريضةٌ، فإيَّاكَ أن تَدعوَ على جَهالةٍ، وإيَّاكَ أن تَتَكَلَّمَ فيما لا تَعلَمُ، فالجاهِلُ يَهدِمُ ولا يَبني، ويُفسِدُ ولا يُصلِحُ، فاتَّقِ اللَّهَ يا عَبدَ اللهِ، إيَّاكَ أن تَقولَ على اللهِ بغَيرِ عِلمٍ، لا تَدعو إلى شَيءٍ إلَّا بَعدَ العِلمِ به، والبَصيرةِ بما قاله اللهُ ورَسولُه، فلا بُدَّ مِن بَصيرةٍ، وهيَ العِلمُ، فعلى طالِبِ العِلمِ وعلى الدَّاعيةِ أن يَتَبَصَّرَ فيما يَدعو إليه، وأن يَنظُرَ فيما يَدعو إليه ودَليلِه، فإن ظَهَرَ له الحَقُّ وعَرَفه دَعا إلى ذلك، سَواءٌ كان ذلك فِعلًا أو تَركًا، فيَدعو إلى الفِعلِ إذا كان طاعةً للهِ ورَسولِه، ويَدعو إلى تَركِ ما نَهى اللهُ عنه ورَسولُه على بَيِّنةٍ وبَصيرةٍ). ((الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة)) (ص: 43، 44). قال ابنُ عُثَيمين: (قولُه: "على بصيرةٍ" ... يَشمَلُ: العِلمَ بالشَّرعِ، والعِلمَ بحالِ المدعوِّ، والعِلمَ بالسَّبيلِ الموصِلِ إلى المقصودِ، وهو الحِكمةُ، فيكونُ بصيرًا بحُكمِ الشَّرعِ، وبصيرًا بحالِ المدعوِّ، وبصيرًا بالطَّريقِ الموصِلةِ لتحقيقِ الدَّعوةِ). ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) (1/ 130). ويُنظر: ((كيفية دعوة عصاة المسلمين)) لسعيد بن وهف (ص: 64). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108] .
أي: قُلْ -يا رَسولَ اللهِ- للنَّاسِ: هذه طَريقَتي؛ أدعو إلى تَوحيدِ اللهِ على بَيِّنةٍ وعِلمٍ، ويَقينٍ مِنِّي بصِحَّةِ ذلك مِن غَيرِ شَكٍّ، أنا وكُلُّ مَنِ اتَّبَعني، كذلك نَدعو إلى عِبادةِ اللهِ وحدَه على بَيِّنةٍ وعِلمٍ [2189] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية (11/ 353). .
وهذا يَدُلُّ على أنَّ الدُّعاءَ إلى اللهِ تعالى إنَّما يَحسُنُ ويَجوزُ مَعَ هذا الشَّرطِ، وهو أن يَكونَ على بَصيرةٍ مِمَّا يَقولُ وعلى هُدًى ويَقينٍ، فإن لَم يَكُنْ كذلك فهو مَحضُ الغُرورِ [2190] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (18/ 520). وقال مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ فيما يُؤخَذُ مِنَ الآيةِ: (أنَّ البَصيرةَ مِنَ الفرائِضِ). ((التوحيد)) (ص: 21). قال ابنُ عُثَيمين شارِحًا: (البَصيرةُ مِنَ الفرائِضِ: وتُؤخَذُ مِن قَولِه تعالى: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرةٍ [يوسف: 108] ، ووَجهُ كَونِ البَصيرةِ مِنَ الفرائِضِ أنَّه لا بُدَّ للدَّاعيةِ مِنَ العِلمِ بما يَدعو إليه، والدَّعوةُ فريضةٌ؛ فيَكونُ العِلمُ بذلك فريضةً). ((القول المفيد)) (1/ 139). .

انظر أيضا: