موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: إحالةُ المُفتي الفتوى على غَيرِه إذا لم يَعلَمِ الجَوابَ


مِن آدابِ المُفتي أن يُحيلَ إلى غَيرِه ليُفتيَ إذا سُئِلَ ولم يَعلَمِ الجَوابَ، أو لم يَجِبْ عليه عينًا وُجوبُ الفتوى في المَسألةِ، أو أنَّه أرادَ التَّورُّعَ والاحتياطَ، كَما كان دَأبُ السَّلَفِ في تَدافُعِ الفتوى [2396] يُنظر: ((أدب المفتي والمستفتي)) لابن الصلاح (ص: 74، 75). ، أو كان المُحالُ إليه أوسَعَ علمًا إمَّا بوجهٍ عامٍّ، أو في هذه المَسألةِ بعَينِها أو بابِها، كَأن يَكونَ مُختَصًّا بالمُعامَلاتِ والاقتِصادِ، أوِ الأحوالِ الشَّخصيَّةِ وغَيرِ ذلك مِن أبوابِ الفِقهِ [2397] يُنظر: ((الفتوى)) للدخيل (ص: 401). .
الدليلُ على ذلك مِن السنةِ:
عن شُرَيحِ بنِ هانِئٍ، قال: أتَيتُ عائِشةَ أسألُها عنِ المَسحِ على الخُفَّينِ، فقالت: عليك بابنِ أبي طالِبٍ فسَلْه؛ فإنَّه كان يُسافِرُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فسَألناه فقال: ((جَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَلاثةَ أيَّامِ ولَياليَهنَّ للمُسافِرِ، ويَومًا ولَيلةً للمُقيمِ)) [2398] أخرجه مسلم (276). .
فائدةٌ:
تَجوزُ الإحالةُ إلى المُجتَهِدِ المُخالِفِ في مَسألةٍ اجتِهاديَّةٍ تَتَجاذَبُها الأدِلَّةُ والنُّصوصُ لا في غَيرِها مِمَّا يَكونُ فيها الخِلافُ شاذًّا أو مُنكَرًا وغَيرَ مُعتَبَرٍ؛ فعنِ الحُسَينِ بنِ بَشَّارٍ المُخَرَّميِّ، قال: (سَألتُ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ عن مَسألةٍ في الطَّلاقِ، فقال: إن فَعَل كَذا حَنِثَ. فقُلتُ له: فإن أفتاني إنسانٌ لا أحنَثُ، فقال: تَعرِفُ حَلقةَ المَدَنيِّينَ؟ قُلتُ: فإن أفتَوني أدخُلُ؟ قال: نَعَمْ) [2399] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/ 1226). ، فدَلَّ أحمَدُ السَّائِلَ إلى مُفتٍ آخَرَ يُخالِفُه القَولَ في المَسألةِ، والمُحالُ إليه أهلٌ للفُتيا في نَظَرِه [2400] يُنظر: ((الفتوى)) للدخيل (ص: 403- 404). .
ولِما سَبَقَ فالإحالةُ لها ضَوابِطُ، نُجمِلُها على النَّحوِ الآتي [2401] يُنظر: ((الفتوى)) للدخيل (ص: 403). :
1- وُجودُ سَبَبٍ لتلك الإحالةِ، فلا يَصِحُّ أن يُحيلَ المُفتي المُستَفتيَ إلى غَيرِه مِنَ المُفتينَ مِن غَيرِ سَبَبٍ، ولا بُدَّ أن يَكونَ السَّبَبُ مَشروعًا، فلا يُحيلُه لأجلِ إرشادِ المُستَفتي لمَن يُفتيه لغَرَضِه، أو على حَسَبِ هَواه، أو يُحيلُه إلى غَيرِه لقَصدِ المَشَقَّةِ بالمُستَفتي، أو إلحاقِ العنَتِ به، ونَحوِ ذلك.
2- أن تَتَوافرَ في المُحالِ إليه صِفةُ المُفتي المَشروعةُ مِنَ العِلمِ والعَدالةِ بحَسَبِ أهلِ ذلك الزَّمانِ، فلا يُحيلُه إلى مُفتٍ جاهلٍ، أو مُفتٍ ماجِنٍ فاسِقٍ.
3- أن لا يَكونَ المُفتي المُحالُ إليه داعيةً إلى بدعةٍ أو ضَلالةٍ، أو مَشهورًا بالتَّسهيلِ مِن غَيرِ دَليلٍ، أو تَتبُّعِ الرُّخَصِ أوِ العَجَلةِ بالفتوى، فلا يُحيلُ إليه مُطلَقًا، بَل عليه النَّهيُ عنِ استِفتائِه إمَّا على نَحوِ الصِّفةِ، بأن يَقولَ: مَن كانت صِفتُه كَذا وكَذا فلا تَذهَبْ لاستِفتائِه واذهَبْ لغَيرِه، أو إنِ اشتَهَرَ أمرُه فبِالتَّنصيصِ عليه.

انظر أيضا: