موسوعة الآداب الشرعية

سادِسًا: عَدَمُ دُخولِ غَيرِ المَحارِمِ على المَرأةِ عِندَ غيابِ زَوجِها


يَحرُمُ أن يَدخُلَ رَجُلٌ ليسَ بذي مَحرَمٍ على امرَأةٍ أجنَبيَّةٍ عنه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكُم والدُّخولَ على النِّساءِ، فقال رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ: يا رَسولَ اللهِ، أفرَأيتَ الحَمْوَ [452] رَوى مُسلم (2172) عنِ اللَّيثِ بنِ سَعدٍ، قال: (الحَمْوُ أخُ الزَّوجِ، وما أشبَهَه مِن أقارِبِ الزَّوجِ، ابنُ العَمِّ ونَحوُه). وقال التِّرمِذيُّ: (إنَّما مَعنى كَراهيةِ الدُّخولِ على النِّساءِ على نَحوِ ما رُويَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: «لا يَخلوَنَّ رَجُلٌ بامرَأةٍ إلَّا كان ثالِثَهما الشَّيطانُ». ومَعنى قَولِه: «الحَمْوُ»، يُقالُ: هو أخو الزَّوجِ، كَأنَّه كرِهَ له أن يَخلوَ بها). ((سنن الترمذي)) (3/ 466). ؟ قال: الحَمْوُ الموتُ)) [453] أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172). .
قال الخَطَّابيُّ: (مَعنى قَولِه: «الحَمْوُ المَوتُ» أيِ احذَرِ الحَمْوَ كَما تَحذَرُ المَوتَ. والحَمْوُ: واحِدُ الأحْماءِ، وهمُ الأصهارُ مِن قِبَلِ الزَّوجِ) [454] ((أعلام الحديث)) (3/ 2025). .
وقال النَّوويُّ: (اتَّفقَ أهلُ اللُّغةِ على أنَّ الأحْماءَ: أقارِبُ زَوجِ المَرأةِ، كَأبيه وعَمِّه وأخيه، وابنِ أخيه وابنِ عَمِّه ونَحوِهم، والأَخْتانُ: أقارِبُ زَوجةِ الرَّجُلِ، والأصهارُ: يَقَعُ على النَّوعَينِ.
وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الحَمْوُ المَوتُ» فمَعناه أنَّ الخَوفَ مِنه أكثَرُ مِن غَيرِه، والشَّرَّ يُتَوقَّعُ مِنه، والفِتنةَ أكثَرُ؛ لتَمَكُّنِه مِنَ الوُصولِ إلى المَرأةِ والخَلوةِ مِن غَيرِ أن يُنكَرَ عليه، بخِلافِ الأجنَبيِّ.
والمُرادُ بالحَمْوِ هنا أقارِبُ الزَّوجِ غَيرُ آبائِه وأبنائِه، فأمَّا الآباءُ والأبناءُ فمَحارِمُ لزَوجَتِه، تَجوزُ لهمُ الخَلوةُ بها، ولا يوصَفونَ بالمَوتِ، وإنَّما المُرادُ الأخُ وابنُ الأخِ والعَمُّ وابنُه ونَحوُهم مِمَّن ليسَ بمَحرَمٍ، وعادةُ النَّاسِ المُساهَلةُ فيه، ويَخلو بامرَأةِ أخيه، فهذا هو المَوتُ، وهو أَولى بالمَنعِ مِنَ الأجنَبيِّ؛ لِما ذَكَرناه) [455] ((شرح مسلم)) (14/ 153، 154). .
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ألَا لا يَبيتَنَّ رَجُلٌ عِندَ امرَأةٍ ثَيِّبٍ، إلَّا أن يَكونَ ناكِحًا [456] ناكِحًا: أي: زوجًا. يُنظر: ((شرح مسلم)) (14/ 153). أو ذا مَحرَمٍ)) [457] أخرجه مسلم (2171). .
قال النَّوويُّ: (مَعناه: لا يَبيتَنَّ رَجُلٌ عِندَ امرَأةٍ إلَّا زَوجُها أو مَحرَمٌ لها. قال العُلماءُ: إنَّما خَصَّ الثَّيِّبَ لكَونِها التي يُدخَلُ إليها غالبًا، وأمَّا البِكرُ فمَصونةٌ مُتَصَوِّنةٌ في العادةِ، مُجانِبةٌ للرِّجالِ أشَدَّ مُجانَبةٍ، فلم يُحتَجْ إلى ذِكرِها، ولأنَّه مِن بابِ التَّنبيهِ لأنَّه إذا نُهيَ عنِ الثَّيِّبِ التي يَتَساهَلُ النَّاسُ في الدُّخولِ عليها في العادةِ فالبِكرُ أَولى.
وفي هذا الحَديثِ والأحاديثِ بَعدَه تَحريمُ الخَلوةِ بالأجنَبيَّةِ، وإباحةُ الخَلوةِ بمَحارِمِها، وهذان الأمرانِ مُجمَعٌ عليهما... والمَحرَمُ هو كُلُّ مَن حَرُمَ عليه نِكاحُها على التَّأبيدِ لسَبَبٍ مُباحٍ لحُرمَتِها) [458] ((شرح مسلم)) (14/ 153). .
3- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ نَفرًا مِن بَني هاشِمٍ دَخَلوا على أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ، فدَخَل أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، وهيَ تَحتَه يَومَئِذٍ، فرَآهم، فكَرِهَ ذلك، فذَكَر ذلك لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: لم أرَ إلَّا خَيرًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ قد بَرَّأها مِن ذلك، ثُمَّ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ، فقال: لا يَدخُلَنَّ رَجُلٌ بَعدَ يَومي هذا على مُغِيبةٍ [459]المُغِيبةُ: المَرأةُ التي غابَ عنها زَوجُها، يُقالُ: أغابَتِ المَرأةُ، فهيَ مُغِيبةٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 126). وقال عِياضٌ: (المُغِيبةُ: هيَ التي غابَ عنها زَوجُها، وسَواءٌ كان مَغيبُه عنِ البَلدِ أوِ المَنزِلِ، بدَليلِ هذا الحَديثِ الذي في الكِتابِ، وأنَّ القِصَّةَ التي قال فيها عليه السَّلامُ: إنَّما كان أبو بَكرٍ غائِبًا عن مَنزِلِه لا في سَفَرٍ، فأنكَرَ دُخولَ مَن دَخَل مَنزِلَه في غَيبَتِه، وذَكَر ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: لم أرَ إلَّا خَيرًا). ((إكمال المعلم)) (7/ 62). إلَّا ومَعَه رَجُلٌ أوِ اثنانِ [460] قال النَّوويُّ: (ظاهِرُ هذا الحَديثِ جَوازُ خَلوةِ الرَّجُلينِ أوِ الثَّلاثةِ بالأجنَبيَّةِ، والمَشهورُ عِندَ أصحابِنا تَحريمُه، فيُتَأوَّلُ الحَديثُ على جَماعةٍ يَبعُدُ وُقوعُ المواطَأةِ مِنهم على الفاحِشةِ لصَلاحِهم أو مُروءَتِهم أو غَيرِ ذلك، وقد أشارَ القاضي إلى نَحوِ هذا التَّأويلِ). ((شرح مسلم)) (14/ 153). ونَصُّ كَلامِ القاضي عياضٍ: (قَولُه: «لا يَدخُلْ رَجُلٌ على امرَأةٍ مُغِيبةٍ إلَّا مَعَه رَجُلٌ أوِ اثنانِ»: هذا لئَلَّا يَحصُلَ الخُلوُّ مَعَها، فإذا كانوا جَماعةً ارتَفعَتِ التُّهمةُ وما وقَعَ بالنَّفسِ، وهذا في ذلك [الزَّمانِ]، وصَلاحِ العامَّةِ والخاصَّةِ، واستِتارِ مَن عَساه يُلمُّ بأمرٍ عن غَيرِه، فأمَّا في الأزمِنةِ الفاسِدةِ فلا يَجِبُ أن يَخلوَ بالمَرأةِ لا واحِدٌ ولا أكثَرُ؛ للُحوقِ المَظِنَّةِ بهم، إلَّا أن يَكونَ الجَماعةُ الكَثيرةُ، أو يَكونَ فيها قَومٌ صالحونَ، ومَن يُعرَفُ أنَّه لا يَتَواطَأُ على ريبةٍ، فتَزولُ المَظِنَّةُ بحُضورِه). ((إكمال المعلم)) (7/ 61، 62). ) [461] أخرجه مسلم (2173). .
4- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نَهانا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن نَدخُلَ على المُغِيباتِ)) [462] أخرجه أحمد (17761) واللفظُ له، وأبو يعلى (7348)، وابن حبان (5584). صحَّحه ابنُ حبانَ، وشعيب الأرناؤوط بطرقِه وشواهدِه في تخريج ((مسند أحمد)) (17761). .
5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَخلونَّ رَجُلٌ بامرَأةٍ إلَّا مَعَ ذي مَحرَمٍ. فقامَ رَجُلٌ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، امرَأتي خَرَجَت حاجَّةً، واكتُتِبتُ في غَزوةِ كَذا وكَذا، قال: ارجِعْ فحُجَّ مَعَ امرَأتِك)) [463] أخرجه البخاري (5233) واللفظُ له، ومسلم (1341). .
6- عن عامِرِ بنِ رَبيعةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... ألَا لا يَخلوَنَّ رَجُلٌ بامرَأةٍ لا تَحِلُّ له -فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ- إلَّا مَحرَمٌ؛ فإنَّ الشَّيطانَ مَعَ الواحِدِ، وهو مِنَ الاثنَينِ أبعَدُ، مَن ساءَته سَيِّئَتُه وسَرَّته حَسَنَتُه فهو مُؤمِنٌ)) [464] أخرجه أحمد (15696) واللفظُ له، والبزار والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (5/226). صحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15696). وقال الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (6/216): هذا سندٌ لا بأسَ به في الشواهدِ. .
7- عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألَا لا يَخلوَنَّ رَجُلٌ بامرَأةٍ إلَّا كان ثالِثَهما الشَّيطانُ)) [465] أخرجه الترمذي (2165) واللَّفظُ له، وأحمد (114). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (7254)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2165)، والوادعي بمجموع طرقه في ((أحاديث معلة)) (323)، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/26): حسن صحيح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/401): له طرقٌ، وهو حديثٌ مشهور جِدًّا. .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على حُرمةِ الخَلوةِ بالأجنَبيَّةِ: أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ [466] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (وبالجُملةِ فالخَلوةُ بالأجنَبيَّةِ حَرامٌ بالاتِّفاقِ في كُلِّ الأوقاتِ، وعلى كُلِّ الحالاتِ). ((المفهم)) (5/ 500). ، والنَّوَويُّ [467] قال النَّوويُّ: (في هذا الحَديثِ والأحاديثِ بَعدَه تَحريمُ الخَلوةِ بالأجنَبيَّةِ، وإباحةُ الخَلوةِ بمَحارِمِها، وهذان الأمرانِ مُجمَعٌ عليهما). ((شرح مسلم)) (14/ 153). .

انظر أيضا: