موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: السَّلامُ إذا دَخَل بَيتَه


يُستَحَبُّ أن يُسَلِّمَ إذا دَخَل بَيته، حتَّى وإن لم يَكُنْ فيه أحَدٌ [504] قال يَحيى بنُ سَلامٍ: (عن قتادةَ قال: إذ دَخَلتَ فسَلِّمْ على أهلِك فهم أحَقُّ مَن سَلَّمتَ عليه، فإذا دَخَلتَ بَيتًا لا أحَدَ فيه فقُلْ: سَلامٌ عَلينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ؛ فإنَّه كان يُؤمَرُ بذلك، حُدِّثْنا أنَّ المَلائِكةَ تَرُدُّ عليه. وإن دَخل على قَومٍ سَلَّمَ عَليهم، وإذا خَرَجَ مِن عِندِهم سَلَّمَ، وإن مَرَّ بهم أو لقيَهم سَلَّم عَليهم، وإن كان رَجُلًا واحِدًا سَلَّمَ عليهم... وإذا دَخَل الرَّجُلُ بَيتَه سَلَّم عليهم). ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/ 464). قال النَّوويُّ: (يُستَحَبُّ إذا دَخَل بَيتَه أن ... يُسَلِّمَ سَواءٌ كان في البَيتِ آدَميٌّ أم لا؛ لقَولِ اللهِ تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] . ((الأذكار)) (ص: 23). وقال أيضًا: (يُستَحَبُّ إذا دَخَل بَيتَه أن يُسَلِّمَ وإن لم يَكُنْ فيه أحَدٌ، وليَقُلِ: السَّلامُ عَلينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ... وكَذا إذا دَخَل مَسجِدًا أو بَيتًا لغَيرِه ليسَ فيه أحَدٌ يُستَحَبُّ أن يُسَلِّمَ، وأن يَقولَ: السَّلامُ عَلينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ، السَّلامُ عَليكُم أهلَ البَيتِ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه). ((الأذكار)) (ص: 257، 258). وقال ابنُ حَجَرٍ: (ويَدخُلُ في عُمومِ إفشاءِ السَّلامِ: السَّلامُ على النَّفسِ لمَن دَخَل مَكانًا ليسَ فيه أحَدٌ؛ لقَولِه تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ الآيةَ. وأخرج البخاريُّ في الأدَبِ المُفرَدِ، وابنُ أبي شَيبةَ بسَنَدٍ حَسَنٍ، عن ابنِ عُمَرَ: «فيُستَحَبُّ إذا لم يَكُنْ أحَدٌ في البَيتِ أن يَقولَ: السَّلامُ عَلينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ»، وأخرج الطبريُّ عن ابنِ عبَّاسٍ، ومِن طَريقِ كُلٍّ مِن عَلقَمةَ وعَطاءٍ ومُجاهدٍ، نَحوَه). ((فتح الباري)) (11/20). وقال البِقاعيُّ: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا أي: مَأذونًا فيها، أيَّ بُيوتٍ كانت، مَملوكةً أو لا، مَساجِدَ أو غَيرَها، فَسَلِّمُوا عَقِبَ الدُّخولِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أي: أهلِها الذينَ هم مِنكُم دينًا وقُربًا، وعَبَّرَ بذلك تَرغيبًا في السَّلامِ، والإحسانِ في الإكرامِ، ولتَصلُحَ العِبارةُ لِما إذا لم يَكُنْ فيها أحَدٌ، فيُقالُ حينَئِذٍ: «السَّلامُ عَلينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ»). ((نظم الدرر)) (13/ 318، 319). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النُّور: 61] .
أي: فإذا دَخَلتُم -أيُّها المُسلمونَ- بُيوتَكُم أو بُيوتَ غَيرِكُم، فليُسَلِّمْ بَعضُكُم على بَعضٍ [505] قال ابنُ العَرَبيِّ: (أي: ليُسَلِّمْ بَعضُكُم على بَعضٍ، وأطلقَ القَولَ؛ لأنَّه قد بَيَّنَ الحُكمَ في بُيوتِ الغَيرِ؛ ليَدخُلَ تَحتَ هَذا العُمومِ كُلُّ بَيتٍ كان للغَيرِ أو لنَفسِه... فإذا دَخَل بَيتًا لغَيرِه استَأذَنَ كَما تَقدَّمَ، وإن دَخَل بَيتًا لنَفسِه... إذا كان فيه أهلُه وعيالُه وخَدَمُه، فليَقُلِ: السَّلامُ عَليكُم؛ فإنَّهم أهلٌ للتَّحيَّةِ مِنه... والذي أختارُه إذا كان البَيتُ فارِغًا أنَّه لا يَلزَمُ السَّلامُ). ((أحكام القرآن)) (3/427). وقال السَّعديُّ: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا نَكِرةٌ في سياقِ الشَّرطِ؛ يَشمَلُ بَيتَ الإنسانِ وبَيتَ غَيرِه، سَواءٌ كان في البَيتِ ساكِنٌ أم لا). ((تفسير السعدي)) (ص: 575). .
تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً أي: ليُحَيِّ بَعضُكُم بَعضًا -أيُّها المُسلِمونَ- بالسَّلامِ تَحيَّةً شَرَعَها اللهُ لكُم كثيرةَ الخَيراتِ والبَرَكاتِ، عَظيمةَ الثَّوابِ والحَسَناتِ، جَميلةً في ألفاظِها، حَسَنةً في مَعانيها، تَجلِبُ المَحَبَّةَ والمَودَّةَ، وتَطيبُ بها نَفسُ سامِعيها [506] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرَر السَّنيَّة (19/ 488، 489). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ثَلاثةٌ كُلُّهم ضامِنٌ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ غازيًا في سَبيلِ اللهِ، فهو ضامِنٌ على اللهِ حتَّى يَتَوفَّاه فيُدخِلَه الجَنَّةَ، أو يَرُدَّه بما نال مِن أجرٍ وغَنيمةٍ، ورَجُلٌ راحَ إلى المَسجِدِ، فهو ضامِنٌ على اللهِ حتَّى يَتَوفَّاه فيُدخِلَه الجَنَّةَ، أو يَرُدَّه بما نال مِن أجرٍ وغَنيمةٍ، ورَجُلٌ دَخل بَيتَه بسَلامٍ فهو ضامِنٌ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ)) [507] أخرجه أبو داود (2494) واللَّفظُ له، وابن حبان (499)، والحاكِم (2400). صَحَّحه ابنُ حبان، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/348)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2494)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (486). .
وفي رِوايةٍ: ((ثَلاثةٌ كُلُّهم ضامِنٌ على اللهِ، إن عاشَ كُفِي، وإن ماتَ دَخَل الجَنَّةَ: مَن دَخَل بَيتَه بسَلامٍ فهو ضامِنٌ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ومَن خَرَجَ إلى المَسجِدِ فهو ضامِنٌ على اللهِ، ومَن خَرَجَ في سَبيلِ اللهِ فهو ضامِنٌ على اللهِ)) [508] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (1094). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (832). .
قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: «ضامِنٌ على اللهِ» مَعناه مَضمونٌ، فاعِلٌ بمَعنى مَفعولٍ [509] وقال النَّوويُّ: (مَعنى «ضامِنٌ على اللهِ تعالى»: أي: صاحِبُ ضَمانٍ، والضَّمانُ: الرِّعايةُ للشَّيءِ، كَما يُقالُ: تامِرٌ ولابنٌ، أي: صاحِبُ تَمرٍ ولبَنٍ. فمَعناه: أنَّه في رِعايةِ اللهِ تعالى، وما أجزَلَ هذه العَطيَّةَ! اللهُمَّ ارزُقْناها). ((الأذكار)) (ص: 24). .. وقَولُه: «ثَلاثةٌ كُلُّهم ضامِنٌ» يُريدُ به كُلَّ واحِدٍ مِنهم.
وقَولُه: «ورَجُلٌ دَخَل بَيتَه بسَلامٍ» يَحتَمِلُ وجهَينِ؛ أحَدُهما: أن يُسَلِّمَ إذا دَخَل مَنزِلَه، كما قال تعالى فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] ، والوَجهُ الآخَرُ: أن يَكونَ أرادَ بدُخولِ بَيتِه بسَلامٍ، أي: لَزِمَ البَيتَ طَلَبَ السَّلامةِ مِنَ الفِتَنِ، يُرَغِّبُ بذلك في العُزلةِ، ويَأمُرُه بالإقلالِ مِنَ الخُلطةِ) [510] ((معالم السنن)) (2/ 238، 239). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((الإسلامُ أن تَعبُدَ اللَّهَ لا تُشرِكُ به شَيئًا، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، وتَصومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيتَ، والأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ، وتَسليمُك على أهلِك، فمَنِ انتَقَصَ شَيئًا مِنهنَّ فهو سَهمٌ مِنَ الإسلامِ يَدَعُه، ومِن تَرَكَهنَّ كُلَّهنَّ فقد ولَّى الإسلامَ ظَهرَه)) [511] أخرجه أبو الحاكِمِ (53) واللَّفظُ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8458). صَحَّحه لغَيرِه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2324). .
ج- مِنَ الآثارِ
1- عَن أبي الزُّبيرِ، أنَّه سَمِعَ جابرًا رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ: (إذا دَخَلتَ على أهلِك فسَلِّمْ عليهم تَحيَّةً مِن عِندِ اللهِ مُبارَكةً طيِّبةً...) [512] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1095) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (15663)، والطبري في ((التفسير)) (19/225). صَحَّحَ إسنادهَ الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (833). .
2- عن نافِعٍ، أنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (إذا دَخَل البَيتَ غَيرَ المَسكونِ فليَقُلِ: السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ) [513] أخرجه ابن أبي شيبة كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/228)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (1055). حسن إسناده الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (806). .

انظر أيضا: