موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: ألَّا تَخرُجَ المَرأةُ مُتَعَطِّرةً


يَحرُمُ على المرأةِ أن تخرُجَ مِن بَيتِها مُتعَطِّرةً إلى مكانٍ ستمُرُّ فيه برجالٍ [533] قال ابنُ حَجَرٍ الهَيتَميُّ: (الكبيرةُ التَّاسِعةُ والسَّبعونَ بعدَ المائتينِ: خروجُ المرأةِ من بيتِها متعَطِّرةً متزَيِّنةً ولو بإذنِ الزَّوجِ)، ثمَّ ذَكَر عدَّةَ أحاديثَ، ثمَّ قال: (عَدُّ هذا هو صريحُ هذه الأحاديثِ، وينبغي حملُه ليوافِقَ قواعِدَنا على ما إذا تحقَّقت الفِتنةُ، أمَّا مع مجرَّدِ خَشيتِها فهو مكروهٌ، أو مع ظَنِّها فهو حرامٌ غيرُ كبيرةٍ كما هو ظاهِرٌ). ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/ 71، 72). وقال ابنُ بازٍ: (يجوزُ لها الطِّيبُ إذا كان خُروجُها إلى مَجمَعٍ نِسائيٍّ، لا تمُرُّ في الطَّريقِ على الرِّجالِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/40). .
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ:
1- عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا استعطَرَت المرأةُ، فمَرَّت على القومِ ليَجِدوا ريحَها، فهي كذا وكذا؛ قال قَولًا شديدًا)) [534] أخرجه أبو داود (4173) واللفظ له، وأحمد (19578). صحَّحه ابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (126)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4173)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (819). .
وفي روايةٍ: ((كُلُّ عَينٍ زانيةٌ، والمرأةُ إذا استعطَرَت فمَرَّت بالمجلِسِ فهي كذا وكذا، يعني: زانيةً)) [535] أخرجها الترمذي (2786) واللفظ له، وأحمد (19646) مختَصَرًا. قال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2786). وقد ذهب إلى تصحيحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (3/174)، وابن حبان في ((صحيحه)) (4424). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّما امرأةٍ أصابتْ بَخُورًا فلا تَشْهَدَنَّ معنا العِشاءَ الآخِرةَ)) [536] أخرجه مسلم (444). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجِدَ اللهِ، ولكِنْ لِيَخرُجْنَ وهنَّ تَفِلاتٌ [537] تَفِلاتٌ: أي: تاركاتٌ الطِّيبَ. ((المجموع)) للنووي (4/ 199). ) [538] أخرجه أبو داود (565) واللفظ له، وأحمد (9645). صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (3/172)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2214)، والبغوي في ((شرح السنة)) (2/420)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/46). .
وعن زَينبَ الثَّقفيَّةِ -امرأةِ ابنِ مَسعودٍ- رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا شهِدَتْ إحداكنَّ المسجدَ فلا تَمَسَّ طِيبًا)) [539] أخرجه مسلم (443). .
فائِدةٌ:
قال ابنُ الحاجِّ المالِكيُّ بَعدَ أن ذَكَرَ أنَّ على العالمِ أن يُعَلِّمَ المَرأةَ مِن أهلِه السُّنَّةَ في الخُروجِ مِنَ البَيتِ إنِ اضطُرَّت إليه: (انظُرْ -رَحِمنا اللَّهُ وإيَّاكَ- إلى هذه السُّنَنِ كَيف اندَرَسَت في زَمانِنا هذا حتَّى بَقيَت كَأنَّها لم تُعرَفْ؛ لِما ارتكبنَ مِن ضِدِّ هذه الأحوالِ الشَّرعيَّةِ، فتَقعُدُ المَرأةُ في بَيتِها على ما هو مَعلومٌ مِن عادَتِهنَّ بحِفْشٍ [540] أي: أدناها وأغلَظِها. يُنظر: ((المدخل)) لابن الحاج (1/ 244). ثيابِها وتَركِ زَينَتِها وتَجَمُّلِها، وبَعضُ شَعرِها نازِلٌ على جَبهَتِها إلى غَيرِ ذلك مِن أوساخِها وعَرَقِها، حتَّى لو رَآها رَجُلٌ أجنَبيٌّ لنَفرَ بطَبعِه مِنها غالبًا، فكَيف بالزَّوجِ المُلاصِقِ لها؟! فإذا أرادَت إحداهنَّ الخُروجَ تَنَظَّفت وتَزَيَّنَت ونَظَرَت إلى أحسَنِ ما عِندَها مِنَ الثِّيابِ والحُليِّ فلَبِسَته، وتَخرُجُ إلى الطَّريقِ كَأنَّها عَروسٌ تُجَلَّى، وتَمشي في وسَطِ الطَّريقِ وتُزاحِمُ الرِّجالَ ولهنَّ صَنعةٌ في مَشيِهنَّ، حتَّى إنَّ الرِّجالَ ليَرجِعونَ مَعَ الحيطانِ حتَّى يوسِّعوا لهنَّ في الطَّريقِ -أعني المُتَّقينَ مِنهم- وغَيرُهم يُخالِطوهنَّ ويُزاحِموهنَّ ويُمازِحوهنَّ قَصدًا، كُلُّ هذا سَبَبُه عَدَمُ النَّظَرِ إلى السُّنَّةِ وقَواعِدِها وما مَضى عليه سَلفُ الأُمَّةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فإذا نُبِّهَ العالمُ على هذا وأمثالِه انسَدَّت هذه المثالِمُ ورُجيَ للجَميعِ بَرَكةُ ذلك، فمَن رَجَعَ عَمَّا لا يَنبَغي فهو القَصدُ الحَسَنُ، ومَن لم يَرجِعْ علِم أنَّه مُكتَسِبٌ للذُّنوبِ، فيَبقى مُنكَسِرَ القَلبِ لأجلِ ذلك، وفي الكَسرِ مِنَ الخَيرِ ما قد عُلِمَ، ومَنِ انكَسَرَ رُجيَ له التَّوبةُ والرُّجوعُ) [541] ((المدخل)) (1/ 244، 245). .

انظر أيضا: